قرنة شهوان السنّية

مارك ضو

الجمعة 2019/08/02
في العشرين من أيلول سنة 2000، صدر بيان المطارنة الموارنة من بكركي صارخاً "سيادة". فهل زيارة السعودية لرؤساء الحكومة الثلاثة السابقين، بعد تنسيقهم مع رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري، هي صرخة مشابهة لبيان المطارنة؟


المرجعية الوازنة
بعد بيان المطارنة الذي أمّن غطاء للسياسيين، تَشكَّل لقاء قرنة شهوان، الذي جمع معظم القوى المسيحية المواجهة لسلطة النظام البعثي على لبنان. وما لبث أن تشكل المنبر الديموقراطي، الذي جمع سياسيين من طوائف أخرى وتوجهات سياسية يسارية. وفي لحظة فرض النظام الأسدي التمديد للرئيس إميل لحود، كانت اجتماعات البريستول، والتي جمعت تحالف نيابي وكتل وازنة، في مواجهة سياسية وصلت إلى حد الصدام الشامل مع نظام آل الأسد.. ما أدى إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ودخلت البلاد في معركة، تحرر لبنان بنتيجتها من السيطرة المباشرة للنظام في دمشق.

ربما ليس لدى السنّة في لبنان مرجعية دينية أو طائفية لها القيمة المعنوية والتاريخية الموازية للبطريركية المارونية ومجمع المطارنة. وليكون هناك وقع مدوّي لأي إعلان سياسي، يجب أن يحظى بمرجعية بارزة وذات قيمة وازنة. لذا، كانت زيارة خادم الحرمين الشريفين.

شعار المرحلة في بيان المطارنة الموارنة عام 2000 كان "حرية، سيادة، واستقلال". في العام 2019 يبدو أن شعارات قيادات السنة في لبنان هي "عروبة، دستور، نأي بالنفس". لقد أكد رؤساء الحكومة السابقين أن زيارتهم للسعودية هي من أجل تأكيد العمق العربي للبنان، وتمتين التواصل مع الدول العربية وقائدتهم السعودية. كما أشاروا إلى أن دستور الطائف قيمة للبلاد ويجب الحفاظ عليه، وممارسة السياسة من ضمن المؤسسات، والإجراءات ضمن التوازنات الدستورية المنصوص عليها. وركز الرؤساء على سيادة الدولة اللبنانية وأهمية سياسة النأي بالنفس لتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، وخصوصاً الحرب السورية والتبعية لأجندات خارجية. والقصد واضح: المشروع الإيراني.

تآكل الدولة
عام 2000 كان المسيحيون يشعرون بأنهم فقدوا لبنان ودورهم الرائد في البلاد. وكان الكلام عن الإحباط المسيحي متداولاً. وبعد الانسحاب الإسرائيلي، وجدوا الفرصة مؤاتية للمواجهة مع نظام استباح السيادة الوطنية، وهدد الاستقلال، وقمع الحريات. فصدر النداء وانتظمت اللقاءات والمنابر للمواجهة. عام 2019، يشعر السنة أن موقعهم في الدولة مهدد، والانطباع العام هو أن الوضع السني مكسور، وأن الدولة اللبنانية تتجه للابتعاد عن العرب، والغرق في مستنقعات الحروب الإقليمية، وأن دور رئاسة الحكومة في البلد يتقوّض ويتآكل، مع تفكك التفاهمات التي انتجت دستور الطائف.

عاد رؤساء الحكومة الثلاث السابقين إلى لبنان، واجتمعوا مع رئيس الحكومة سعد الحريري. وكان متوقعاً صدور بيان عن الاجتماع، يكون وقعه كنداء المطارنة الموارنة في أيلول عام 2000. لم يحدث ذلك للأسف. مع ذلك، لم تتبدد الفرصة. المناخات ما زالت مهيأة لأمر شبيه. واليوم، ومع اشتداد الانقسام السياسي وشعور الحريري أن لا بد من وقفة حقيقية وفاصلة. فهل سينشأ لقاء "طريق الجديدة" مثلاً، على منوال لقاء قرنة شهوان، ويمهد لحركة سياسية تواجه التأثير الإيراني على لبنان؟ ماذا سيفعل رئيس الجمهورية عندها؟ هل سيستمر بتحالفه مع حزب الله، مثلما فعل الرئيس إميل لحود، أم يعتمد سياسة أخرى تجنب لبنان الصدامات السياسية؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024