ندوة "المدن": الانتخابات المبكرة وقانونها بطروحات الكتائب والشيوعي و"لادي"

وليد حسين

الأحد 2020/02/16

تطرح الثورة اليوم مطلب الانتخابات المبكرة. وضمناً، تطالب أيضاً بقانون انتخابي عادل وعصري.

بدأ الطرح الجدي لوضع قانون انتخابي جديد للبنان في العام 2006، مع لجنة فؤاد بطرس التي ضمت خبراء في الانتخابات وباحثين وأكاديميين، منهم السفير نواف سلام أحد مؤسسي الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي).

ورغم عمل اللجنة نحو سنتين على القانون وصرف أموال وجهد كبيرين، وإقرار حكومة السنيورة القانون في العام 2006، لم يتبنه المجلس النيابي. وذهبت القوى السياسية، بعد اتفاق الدوحة في العام 2008، إلى قانون الستين معدلاً. ثم راحت القوى السياسية تتقدم بطروحات انتخابية مختلفة تراوحت بين الأكثري والنسبي والطائفي، على غرار القانون الأرثوذكسي وغيره، فلم تتفق على قانون مشترك لأكثر من عشر سنوات. ومدد المجلس النيابي مرتين لنفسه، إلى أن اتفقت على القانون الحالي الذي اعتمد النسبية لأول مرة في تاريخ لبنان. لكنه شوّه النسبية بتفاصيل كثيرة وُضِعت لإقصاء الأقليات السياسية، فلم يصل إلى المجلس النيابي سوى القوى السياسية التي حكمت لبنان طوال السنين الفائتة.

وفي خضم الانتفاضة الشعبية التي يعيشها لبنان منذ قرابة أربعة أشهر، وبروز مطلب الانتخابات النيابية المبكرة، مطلباً للمنتفضين، تطل "المدن" على هذا الموضوع ، فتستطلع رأي حزبين عريقين في تاريخ لبنان (الكتائب اللبنانية، والحزب الشيوعي اللبناني) يمتلكان رؤيتين مختلفتين لقانون الانتخابات، وللسياسة والاقتصاد، ويشاركان بفاعلية في انتفاضة تشرين، وطالبا بانتخابات مبكرة.

شارك في هذا الحوار المطوّل الذي أجرته "المدن": شارل سابا نائب أمين عام حزب الكتائب اللبنانية، وعمر الديب عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اللبناني، وعمار عبود الخبير الانتخابي وعضو الهيئة الإدارية في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، والتي تتبع المعايير الدولية لتأمين انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تساهم في الانتقال السلمي والتداول الديموقراطي للسلطة.

القانون قبل أم الانتخابات؟
هل هناك احتمال لإجراء انتخابات مبكرة وعلى أي أساس؟ وهل الشارع مهيّأ وما هي إمكانياته للضغط في هذا الاتجاه؟

عمر الديب: الشيوعي وضع خارطة طريق للمرحلة الراهنة منذ الأيام الأولى للانتفاضة: تشكيل حكومة انتقالية من خارج المنظومة الحاكمة بمهمتين: إنقاذ الوضع المالي والانهيار الاقتصادي، ووضع قانون انتخابات جديد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة. ونحن لا نبدّي الانتخابات المبكرة على القانون الانتخابي الجديد. فالانتخابات على أساس القانون الحالي المفصّل على مقاس أحزاب السلطة قد يشرعن وجودها من جديد، رغم أن الظروف الحالية قد تغير النتائج عن السابق. فقد فصلت القوى السياسية الدوائر الانتخابية على مقاسها وكبرت بعضها وصغرت بعضها الآخر، ونزعت من النسبية مفاعيلها، لضمان فوزها وإقصاء الآخرين.

شارل سابا: الكتائب تتفق مع الشيوعي في تشكيل حكومة من خارج المنظومة الحاكمة، كي تتولى إجراء الانتخابات النيابية المبكرة. فتحقيق المطالب لن يأتي من خلال المنظومة الحالية. على هذا الأساس يرى الكتائب أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة، بمعزل عن القانون، هو للاستفادة من نبض الشارع لإدخال أكبر عدد ممكن من القوى التغييرية إلى البرلمان. ونعتقد أن رفع عدد النواب المستقلين من نحو سبعة اليوم إلى ثلاثين أو أكثر إنجاز مهم للانتفاضة، ليعملوا على إحداث تغيير مثل وضع قانون انتخابي جديد. نحن نخاف من وضع مطلب القانون قبل الانتخابات المبكرة، لأنه قد يؤدي إلى تطيير الانتخابات من أساسها. فالمجموعات الناشطة على الأرض لا تتفق على قانون انتخابي. ثم من يضع القانون حالياً؟ أليس قوى السلطة الحالية التي تفصل قانون على مقاسها مرة جديدة؟

وفي تاريخ لبنان لم ننتقل من قانون انتخابات إلى آخر إلا في ظل وجود قوى سياسية تطغى على غيرها. مثل عهود بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب. بعد هذه الفترة عجز لبنان عن وضع قانون جديد إلا في فترة المفوض السامي السوري غازي كنعان الذي كان صمم قوانين الانتخابات. بعد انحسار النفوذ السوري تغيّر قانون الانتخابات بعد 7 أيار 2008، وفرض قانون الستين في الدوحة. ولم يتغير إلا بعد تمددين للمجلس النيابي وتحصيل حزب الله مكاسب سياسية وعسكرية في الإقليم، والتسوية الرئاسية.

لذا نخشى من تطيير الانتخابات ليس الآن فحسب، بل حتى في العام 2022، بذريعة الاتفاق على قانون جديد. نحن نصر على الانتخابات المبكرة كمبدأ للدخول إلى الخطوات الإصلاحية. زد على ذلك أن بعض أركان النظام هددوا بأن الانتخابات النيابية المبكرة وتغيير نتائج الانتخابات هو مشروع حرب أهلية! 

تزوير النسبية
هل وضع قانون انتخابي جديد مطلب واقعي ويمكن تحقيقه؟

عمار عبود: منذ تأسيس جمعية "لادي" وضعنا كتيبات عن الإصلاح الانتخابي، للرد على القائلين إن النسبية صعبة، وبات يُطالب بها اليوم. قلنا حينها أن هذه الكتيبات هي "للمهابيل"، وبسطنا الإصلاحات ومنها النسبية كي يفهم حتى الذين يجدون صعوبة على الفهم. واعتبرنا الانتخابات السابقة غير ديموقراطية والمجلس الحالي لا يتمتع بالشرعية الكافية، رغم اعتماد النسبية. لقد كانت أسوأ انتخابات منذ تأسست جمعيتنا في بداية التسعينيات. حتى الانتخابات التي جرت في عهود وزير الداخلية ميشال المر أفضل من الانتخابات الحالية. لقد وثقنا غش في الانفاق المالي، ورشوة الناخبين وترهيبهم، ومرافقة الناخبين إلى وراء العازل بذريعة عمى الألوان وإعاقات جسدية، وقانون انتخابات مفصل على مقاس بعض السياسيين حصراً. وهو كذلك أكثر سوءاً من قانون كميل شمعون الذي وضع لإقصاء المعارضة وعلى رأسها كمال جنبلاط.

الذين تفاوضوا على القانون وضعوا الصوت التفضيلي على أساس الدائرة الصغرى لضمان نجاح أشخاص محددين. وباستثناء دائرة الشوف وعاليه، لكثرة مقاعدها، لم يكن للنسبية أي مفاعيل. ونحن نعتبر النسبية لا تتحقق في دوائر يقل عدد المقاعد فيها عن العشرين. والعتبة الانتخابية للدخول إلى مرحلة تقسيم المقاعد جاءت إقصائية، لأنها رُتِبت على أساس الحاصل الانتخابي، ووصلت في بعض الدوائر إلى أكثر من 17 في المئة. بينما لا يوجد أي نظام نسبي في العالم يقوم على عتبة أكثر من 10 في المئة، مثل تركيا لتصفية بعض الأقليات.

المساواة بين الناخبين غابت بدورها. في كسروان مثلا كان المقعد يوازي نحو 17 ألف ناخب، بينما في دائرة صور الزهراني نحو 34 ألفاً، وفي دوائر أخرى أقل بكثير من الرقمين. واستخدم المرشحون أموال الدولة على نطاق واسع. ووزارة الخارجية سلمت نقل صناديق الاقتراع من الخارج لشركة "دي أتش أل" الذي يملكها مرشح فائز عن المقعد الماروني في دائرة البقاع الأوسط. وحتى الساعة هناك 20 صندوقاً مفقوداً ولم تحتسب نتائجها. لم يعتمدوا التصويت في مكان السكن الذي أقر في القانون بذريعة أن كلفته التقنية 70 مليون دولار. ورفض الاتحاد الأوروبي تمويله، لأنه في الواقع لا يكلف أكثر من مليون دولار. لذا نعتقد أن الانتخابات يجب أن تعتمد قانوناً جديداً. ونخاف من أن انتخابات على القانون نفسه تنتج العيوب السابقة. وفي هذا نتفق مع الشيوعي، رغم أننا نعتقد أن انتفاضة تشرين ستغير بالنتائج، وألا لما تمنّع الجميع عن الذهاب إلى انتخابات مبكرة. الأحزاب الحاكمة باتت تعلم أنها ستخسر الكثير من المقاعد. لكننا نتفق أيضاً مع طرح الكتائب بضرورة إجراء انتخابات مبكرة لإحداث التغيير وتجديد المجلس النيابي، وذلك في الصيف المقبل كحد أقصى. لكن يجب قبل أي شيء آخر تشكيل هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات، تتمتع بصلاحية تقديم اقتراح مشروع قانون انتخابي وفق معايير علمية، وتتولى تنفيذه، بعيدا من وزارة الداخلية. وهذا مطلب يشبه ما يطالب به الشارع من تشكيل حكومة مستقلة من خارج المنظومة الحاكمة.

إفلاس الزعماء
عمر الديب: نعلم جيداً أن أحزاب السلطة لن تقدم على انتخابات لأنها تعاني من تراجع شعبيتها وعدم قدرتها على رشوة زبائنها. في السابق حصلت تحركات شعبية وكانت لا تقارن بالوضع الحالي، ولجأت السلطة إلى التمديد للمجلس النيابي مرتين. وأمام الوضع الاقتصادي الصعب والانتفاضة الشعبية وانعدام ثقة المواطنين، نتوقع أن يمددوا للمجلس الحالي إذا تسنى لهم الأمر. وننطلق في مطلب تغيير القانون الحالي بسبب مساوئه وعيوبه الكارثية. فعلى سبيل المثال جرى تركيب الدوائر بشكل غريب ومن دون معايير. خذ مثل دائرة صيدا جزين في القانون الحالي. هي دائرة كاريكاتورية كون دائرة الزهراني تفصل بينهما جغرافياً. ضموا مدينة صيدا إلى قضاء جزين رغم انفصالها جغرافياً. كان جبران باسيل على علاقة صداقة وطيدة مع نادر الحريري، فركّبا دائرة على مقاسهما. نفهم أن تكون علاقات الصداقة قوية إلى هذا الحد، لكن بإمكانهما السفر معاً، وليس تركيب دوائر انتخابية. وقسموا بيروت على أساس خط التماس في الحرب الأهلية. هذا فضلاً عن العيوب التي تحدثت عنها "اللادي". من هنا نعتقد أن مطلب تغيير القانون يجب أن يسبق الانتخابات المبكرة التي نريدها بكل الأحوال. نحن كحزب شيوعي نطالب منذ ستينيات القرن المنصرم بالنظام النسبي وبلبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي. نعلم جيداً أن هذا المطلب غير قابل للتنفيذ في الوقت الحالي. لذا نستطيع التفاوض مع الشركاء على قانون انتخابي نسبي خارج القيد الطائفي، منطلقه الدستور اللبناني بما يخص تقسيم الدوائر على أساس المحافظات مع تشكيل مجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف. إذا أردنا أحداث خرق في النظام السياسي وتغيير حقيقي في لبنان يجب أن ننطلق من القيد الطائفي الذي يجب أن يلغى لصالح تشكيل مجلس شيوخ كما ينص الدستور اللبناني. من هنا لسنا عدميين كحزب، بل ننطلق من ضرورة احترام الدستور.   
(يُتبع غداً جزء ثان وأخير).

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024