الرئيس عون إلى زحلة: إحياء زمن المتصرفية وكأس العرَق

لوسي بارسخيان

الخميس 2019/07/25

بين قصر بلدية زحلة التراثي، و"يوم العرق اللبناني"، الذي يُنظّم على بعد أمتار قليلة في الحديقة البلدية، تستعد زحلة لاستقبال رئيس الجمهورية ميشال عون، مساء الجمعة في 26 تموز، حيث يتوقع أن يرفع الستار أولاً عن لوحة تذكارية لمقر بلدية زحلة، بعد ورشة التأهيل الثانية الذي خضع لها منذ دشنه واصا باشا في زمن المتصرفية سنة 1888، لينتقل مباشرة إلى رعاية إفتتاح يوم العرق اللبناني، الذي ينظم للسنة الثانية على التوالي في زحلة، المدينة التي ارتبطت شهرتها بإنتاجه، والمتجذر في تركيبتها الثقافية، والاقتصادية والاجتماعية.

"صهر المدينة"
هي ليست الزيارة الأولى لعون إلى "عروس البقاع"، التي يكرر أنه وجد فيها "نصفه الثاني" منذ تزوج من إبنة زحلة السيدة ناديا الشامي. إلا أنها المرة الأولى التي تعد له الاستقبالات كرئيس للجمهورية، بعد أن كان زارها أيضا مرات عدة إثر عودته من باريس عام 2005، متفقداً مناصريه في التيار الوطني الحر. كما أنها المرة الأولى التي تستقبل زحلة رئيساً للجمهورية منذ عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، الذي كان دائم التردد على مدينته، من دون أن تسجل زيارة "رسمية" لرئيس جمهورية إلى المدينة منذ عهد الرئيس كميل شمعون.

وعليه، تبدي الأطراف السياسية حرصاً على إنجاح هذه الزيارة، وإن كان مناصرو التيار الوطني الحر الأكثر زهواً بها. من هذا الحرص كان اللقاء الذي عقد في دارة النائب السابق طوني أبو خاطر وضم الوزير القواتي السابق سليم وردة ونائب القوات جورج عقيص، وخرج ببيان أكد على الترحيب بالزيارة، مع إقرانها بقضايا مطلبية. جاء البيان رداً على بعض الأصوات التي حاولت التشويش على الزيارة، من باب التقليل من أهمية الحدثين اللذين يرعاهما رئيس الجمهورية في المدينة.

ترحيب ومطالب
في تصريح لـ"المدن" أشار النائب "القواتي" جورج عقيص إلى أن رمزية الزيارة تشعرنا بالفخر كأبناء زحلة، كما أننا كفريق سياسي نرحب برئيس الجمهورية. وكإبن زحلة، أفتخر أن يدشن رئيس الجمهورية القصر البلدي العريق والتاريخي، أياً كانت الخصومة السياسية، ونحن بالتالي سنكون حاضرين باستقباله. ونتمنى أن تقترن هذه الزيارة بمجهود كبير من رئيس الجمهورية ومن فريقه، كي تثمر نتائج تفيد الناس، مشيراً إلى أن رئيس الجمهورية سيسلك طريقاً إلى زحلة، نأمل أن يكون طريق ضهر البيدر، ليرى حاله، فيساعدنا بتأهيل هذا الشريان الحيوي، ليس فقط لأبناء البقاع وإنما للبنان كله، ويولي الملف الزراعي الأهمية التي يستحقها، وكذلك موضوع إغلاق المعابر غير الشرعية التي سبق وتحدثنا عنها في بيان الترحيب بزيارته.

علم زحلة ونشيدها
في المقابل تبدو بلدية زحلة الأكثر إنهماكا بإنجاح هذه الزيارة، وحسب رئيس البلدية أسعد زغيب، فإن رئيس الجمهورية سيدشن مقراً ومبنى هو من أهم المباني الحكومية الموجودة في لبنان وربما أهم مبنى بلدي. لكن الأكثر أهمية، بالنسبة لنا، أن هذه الزيارة تشكل دعماً لأكبر مدينة مسيحية موجودة في لبنان، وأكبر بلدية مسيحية، وبالتالي فإن هذا الاهتمام بنا من أعلى سلطة وطنية يشكل ليس فقط مطلباً، وإنما أمراً بديهياً، في ظل التركيبة السياسية اللبنانية، التي تجعل رئيس مجلس النواب الداعم الاكبر لمنطقته وطائفته، ورئيس مجلس الوزراء الأكثر حضوراً بمنطقته وطائفته. متمنياً أن نتمكن من تخطي هذه العقلية السائدة، وننال الحقوق بالتساوي بين جميع اللبنانيين.

وأبعد من الإضاءة على واحد من أبرز المعالم التراثية الموجودة في زحلة، فإن المناسبة تذكر أيضاً بحقبة تاريخية في المدينة، كانت فيها قرارات زحلة تتخذ بزحلة، وكانت فيها المدينة تتمتع بنوع من الاستقلالية التي جعلت لها علمها ونشيدها، وختمها الذي تدير بواسطته أمورها، إلى جانب "قصرها البلدي"، الذي شكل أول مركز ينشأ كسراي حكومي، بعد أن كانت السرايات السابقة قد نشأت في قصور الأمراء.

"مقبرة الأحزاب"
تغيرت الحياة السياسية في زحلة، ولم تعد شؤونها تدار في الداخل ومن قبل عائلاتها، منذ دخلتها الأحزاب بشدة بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وزحلة التي كانت تعرف بـ"مقبرة الأحزاب"، تشتت صوتها على أكثر من طاولة للكتل النيابية المركزية، على نحو ساد فيه الاعتقاد مؤخراً أنها فقدت صوتها في مراكز القرار الرسمية، ولم يعد يحسب لها حساباً، حتى في الإنماء الذي تنتظره منذ سنوات طويلة.

ومن هنا يمكن وضع الجهود الكبيرة التي بذلت في جعل زيارة رئيس الجمهورية إلى زحلة تنطلق من قصرها البلدي، بإطار التأكيد على رمزيته الشرعية، كمركز قرار يجمع حالياً ممثلي الاحزاب المسيحية الثلاثة، التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، إلى جانب المرجعية الشخصية لرئيس البلدية المستقل وفريقه، الذي شكّل نموذجاً في "إمكانية" تحييد الخلافات السياسية عن الملفات الإنمائية.

فزحلة عرفت بإنتمائها الدائم لـ"الشرعية اللبنانية"، كما يؤكد زغيب، أيا كان على رأس هذه الشرعية، لكن أيضاً الزحلاوي يقدم زحلاويته على أي انتماء آخر. ولذا، لا يتخلى عن طلب الاستقلالية في إدارة شؤون المدينة، ويعبّر عن ذلك منذ مدة بالسعي المبذول على المستوى البلدي والسياسي، لضم بلديتها إلى البلديات الكبرى، وبالتالي تحقيق نوع من اللامركزية الإدارية في إدارة شؤونها.

المناسبة أيضاً هي لرعاية "يوم العرق"، بطلب من وزارة الزراعة ومديرها العام (إبن زحلة) لويس لحود. وستكون أهمية هذه الرعاية في تشجيع الإنتاج الوطني، وتحفيز الاقتصاد المنتِج عموماً. علما أن العرق وصناعته يدخلان في صميم التركيبة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، التي نجح نبيذها بدخول الأسواق العالمية، وتأمل بأن تحقق نجاحاً مشابهاً في تسويق العرق، بدءاً من إعادة إحياء الذاكرة الجماعية لصناعته، بعد ان تراجع الطلب عليه بنسبة كبيرة في السنوات الماضية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024