لا حرب مع حزب الله: الفساد وشحّ الدولار كافيان

سامي خليفة

السبت 2020/05/09

كثُر الحديث مؤخراً عن احتمال اشتعال الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، لا سيما بعد استهداف إسرائيل سيارة تابعة لحزب الله في منتصف نيسان المنصرم، والضغوط الداخلية التي يعيشها الحزب داخل لبنان. إلا أن النظرة الأقرب للواقع، تشير أن المناورة على الحافّة هي عنوان الموقف بين المحور الإيراني عموماً، والذي يندرج حزب الله في صدارة طلائعه، وبين الدولة العبرية.

تحديات الجبهة الداخلية
يتكثف الاحتكاك المتزايد بين المحور الإيراني وبين إسرائيل منذ فترة طويلة داخل سوريا، التي تبدو وكأنّها موضع اتفاق ضمني لتنفيس التوتّر بين الطرفين، من دون أن يستدعي ذلك انجراراً لما هو أوسع. ولهذا السبب، أجرى موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تحقيقاً حول إمكانية تدهور الأمور عسكرياً بين الحزب وإسرائيل والدخول في دوامة عنيفة من الصدام.

في حديثٍ مع الموقع البريطاني، قال اثنان من مقاتلي حزب الله، إن إسرائيل لا تريد التسبب في اشتعال الأمور على الحدود اللبنانية، لكنهما اعترفا في الوقت نفسه، بأن الجماعة اللبنانية أصبحت أكثر ضعفاً بسبب التحديات المختلفة التي تواجهها على الجبهة اللبنانية.

هجوم ليس بغرض القتل
استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية في 15 نيسان المنصرم، سيارة تابعة لـحزب الله عند الجانب السوري من الحدود مع لبنان، من دون أن تسفر الضربة عن سقوط قتلى. وقد أظهر الهجوم، الذي تم تصويره بالفيديو، توجيه المسّيرة بدايةً ضربة قرب سيارة تقل عناصر من الحزب، وبعدما خرج منها ركابها، تم استهدافها مباشرة بضربة ثانية، ما طرح أسئلة حول الهدف الحقيقي للهجوم وقواعد الاشتباك التي يتبعها.

ثمة قناعة في أوساط الحزب أن الطائرة المسيرة أخطأت عن قصد المقاتلين بسبب رغبة إسرائيل في الحفاظ على الوضع الراهن في لبنان المجاور. وبهذا الخصوص، يقول أبو هادي، وهو مقاتل في حزب الله، تحدث للموقع، شريطة عدم استخدام اسمه الحقيقي: "إسرائيل لا تريد إثارة رد فعل عسكري من حزب الله على الجبهة اللبنانية. لقد اختبرت قدرات مقاتليه عدة مرات، وآخرها في عام 2006".

وأضاف "التأخير بين الهجومين وفر للمقاتلين الوقت الكافي للخروج من السيارة والفرار قبل أن تفجر الضربة الثانية السيارة".

وفي السياق، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، قبل أسبوع، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين وشرق أوسطيين، أن إسرائيل تجنبت عمداً قتل أعضاء حزب الله أثناء الضربة. وقد كشف الخبير الاستخباراتي الإسرائيلي آفي ميلامد، أن الهجوم لم يكن يهدف إلى القضاء على مقاتلي الحزب ولكن كان له هدفان رئيسيان، إزالة بعض الأجهزة أو المعدات في السيارة من دون قتل الركاب. والغرض الآخر هو إظهار أن حزب الله مكشوف بعمق من الاستخبارات الإسرائيلية.

تحديات داخل الحزب
يشير الهجوم الحدودي والعديد من الهجمات الغامضة الأخرى التي وقعت في لبنان في الأشهر السابقة، إلى أنه على الرغم من قدراته العسكرية، فإن حزب الله عرضةً بشكل متزايد للتحديات الداخلية التي تنعكس على مستوى التهديد الأمني. ففي أوائل نيسان المنصرم، تم العثور على مقاتل من الحزب مقتولاً بالرصاص في جنوب لبنان. وقبلها ببضعة أشهر، سقطت طائرة إسرائيلية من دون طيار في الضاحية الجنوبية لبيروت، وانفجرت طائرة مسيّرة ثانية في الوقت نفسه، ما ألحق أضراراً بمركز إعلامي تابع للحزب.

يتفق أبو هادي مع مقاتلٍ آخر يُدعى حسن، تحدث أيضاً للموقع شريطة عدم الكشف عن اسمه، على أن حزب الله يواجه تحديين رئيسيين متجذرين هما الفساد الداخلي وخفض التمويل. واشتكى أبو هادي من أن شبكات المحسوبية أصبحت شائعة داخل الحزب، ما أدى إلى منح قادة أقوياء الدعم للمقربين منهم وحسب.

من جهته، قال المقاتل المدعو حسن، أن هؤلاء القادة لديهم تعاملات تجارية في لبنان. مضيفاً إنهم يشاركون في التوزيع المربح للكهرباء، من خلال مولدات يمتلكونها في مناطقهم، أو يمتلكون أعمالاً أخرى كتوفير الإنترنت أو الماء للمنازل.

وقد صرح مصدر مقرب من حزب الله، طلب عدم نشر اسمه، للموقع، قائلاً "مع الفساد تأتي الخروقات الأمنية. وهذا أمرٌ يثير قلقنا بشدة. إننا نتذكر جميعاً ما حدث لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. لقد تحولت من كونها قوة قتالية مقاومة قوية ضد إسرائيل إلى منظمة متورطة في التعاملات الجانبية".

أزمة مالية
يعاني حزب الله أيضاً، حسب الموقع، من قطع التمويل الناتج عن العقوبات الأميركية التي استهدفت كل من الحزب وراعيته إيران، التي تكافح أيضاً مع أزمتها الاقتصادية.

وعند الخوض في المشاكل المالية التي تعصف بالحزب، يعترف كل من حسن وأبو هادي بأن انخفاض الموارد أدى إلى تقليل أو تعقيد وصول مقاتلي حزب الله إلى الخدمات الاجتماعية. كما انعكس خفض التمويل، وفق تأكيدهما، على جمع المعلومات الاستخبارية للحزب في جميع أنحاء البلاد.

إن تفاقم هذه الديناميكيات الداخلية بسبب الوضع الاقتصادي والمالي الكارثي السائد في لبنان، الدولة التي تخلفت في أذار المنصرم عن سداد قسط من دين بقيمة 90 مليار دولار، سيدفع الحزب، كما يرى الموقع، إلى تجنب المزيد من الصراع العسكري مع إسرائيل على الجبهة اللبنانية.

حظر الحزب في ألمانيا
وعلى صعيدٍ منفصل، نشر موقع JNS الإسرائيلي، تفاصيل جديدة حول حظر نشاطات حزب الله في ألمانيا، والدور الذي بذله السفير الأميركي لدى ألمانيا ريتشارد غرينيل، وموظفو سفارته، معتمدين على الاعتبارات القانونية.

ينقل الموقع الإسرائيلي، عن مسؤول أميركي مطلع، قوله أن موظفي السفارة الأميركية في برلين أجروا مناقشات مكثفة مع المسؤولين الألمان حول الكيفية التي يتناسب بها الحظر مع معايير القانون الاتحادي الألماني، وهي القوانين نفسها التي بررت حظر تنظيم داعش والقاعدة. وقد عملوا على أن يكون حظر حزب الله محكماً من الناحية القانونية، لتجنب الطعن في المحكمة، الأمر الذي يجعله فعالاً ودائماً.

وأردف المسؤول الأميركي قائلاً "لقد فعلوا كل ما في وسعهم بموجب القانون، ولن يعملوا خارج القانون".

وفقًا للمسؤول الأميركي، فإن حظر النشاط والتنظيم لهما المفعول ذاته، نظراً لأن حزب الله غير موجود ككيان قانوني في ألمانيا (كما هو الحال مع داعش والقاعدة). ويضيف أن حظر نشاطات الحزب يشمل جميع الجمعيات والمعاملات والأصول المدرجة قانوناً والتي لها روابط مثبتة بحزب الله، بما في ذلك تلك الموجودة في المجال الرقمي.

ماذا بعد الحظر؟
أشعل قرار ألمانيا الأخير نقاشاً حول إذا ما كان هذا القرار كافياً لوقف نشاطات الحزب. وفي هذا الإطار، يقول مايكل روبين، الباحث المقيم في معهد "أميركان إنتربرايز"، إن السؤال الآن أصبح إلى أي مدى ستفرض ألمانيا بقوة الحظر.

وأضاف الباحث الأميركي "سيلجأ الحزب إلى التحايل عبر منظمات وهمية وجماعات أمامية، مثلما يفعل الإخوان المسلمون. هذه هي نهاية البداية، وليست بداية النهاية. ستحتاج السلطات الألمانية إلى إظهار جديتها من خلال الاستمرار في إغلاق المجموعات الأمامية وهي تحاول تفعيل نشاطها".   

أما بالنسبة إلى بنيامين وينثال، الزميل في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" الأميركية، التي غطت القرار الألماني على نطاق واسع، فإن الخطوة التالية ستكون معاقبة إيران الراعي الرئيسي لحزب الله. فقد قال: "هذا يعني الانسحاب من اتفاق إيران النووي المعيب، والانضمام إلى العقوبات الأميركية التي تستهدف طهران، وعدم الموافقة على السماح لإيران بشراء الأسلحة بعد انتهاء حظر الأسلحة المفروض عليها في تشرين أول المقبل".

وفي حين أن إسرائيل والجالية اليهودية، بالإضافة إلى العديد من المشرعين الألمان، تضافرت جهودهم من أجل قرار الحظر، يقول وينثال، أن الفضل يعود لجهود السفير الأميركي ريتشارد غرينيل، التي لن تتوقف حتى يقوم الاتحاد الأوروبي بأسره بوقف نشاطات حزب الله على أراضيه بشكلٍ كامل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024