تداعيات إطلاق فاخوري: ثمرة مفاوضات طويلة قادها سليم جريصاتي

منير الربيع

الجمعة 2020/03/20
أسقط موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كل الأقنعة التي كان المسؤولون اللبنانيون يختبئون خلفها في ملف إطلاق سراح العميل عامر الفاخوري. وجه ترامب الشكر للحكومة اللبنانية "على تعاونها" في مسألة إطلاق سراح فاخوري.

مفاوضات سرية
طبعاً في مثل هذه الحالات لا يمكن التوجه بالشكر إلى أشخاص، هو يشكر السلطة السياسية والتنفيذية في البلد. وفي الوقت الذي شكر فيه الحكومة، كان حسان دياب يحيل العملاء إلى المحكمة الإلهية قائلاً: "لا يمكن أن تُنسى جريمة العمالة للعدو الاسرائيلي. حقوق الشهداء والأسرى المحررين لا تسقط في عدالة السماء بمرور الزمن". ومن دون إصدار أي تعليق على موقف الرئيس الأميركي. لكن بمجرد توجيه الشكر على "التعاون"، يعني أن ثمة مفاوضات طويلة حصلت بين لبنان وأميركا، لم يعلن عنها أحد في لبنان، ليأت الإعلان على لسان ترامب.

تلك المفاوضات استمرت لأشهر، وستتكشف معطياتها لاحقاً. وكان من ضمنها لجوء الأميركيين إلى الضغط على كل القوى السياسية بفرض عقوبات على شخصيات رسمية ومن الصفوف الأولى، كما هو الحال بالنسبة إلى جبران باسيل، والوزير السابق سليم جريصاتي، الذي حسب ما تفيد بعض المعطيات أجرى جولات خارجية سرية للبحث في ملف فاخوري، وتشير المعطيات، إلى أن جريصاتي زار الولايات المتحدة الأميركية سراً للبحث عن مخرج وصيغة لهذا الملف.

نصيحة حزب الله 
حتماً هكذا مفاوضات لا يمكن أن تحصل من دون علم حزب الله، ومن دون موافقة ضمنية منه. حتى الآن لا أحد يعرف ما هو الثمن. لكن الأكيد أن باسيل وضع حزب الله في أجواء الضغوط الأميركية، وصولاً إلى فرض عقوبات ووقف كل المساعدات للبنان. رئيس المحكمة العسكرية أيضاً راجع حزب الله بالأمر، لكن الحزب رفض التنازل، على ما تقول مصادر قريبة منه، ونصح الحزب رئيس المحكمة بالإستقالة، لكنه لم يستقل إلا بعد إصداره الحكم.

وفق ما يقول الحزب، كان بإمكان عبد الله الإستقالة. وهذا من شأنه أن يطيل الأمر بانتظار إعادة تعيين بديل. ولكن مسؤولين آخرين يعتبرون أن الحزب يريد تحميل مسؤولية ما يجري إلى رئيس المحكمة، خصوصاً في معرض اتهامه بأن استمراره بمنصبه ينتهي بعد أشهر، وهو يطمح لأن يتم تعيينه كملحق عسكري إما في واشنطن أو في أي عاصمة أخرى. وإذا ما فرضت عليه عقوبات أميركية فلن يتمكن من أن يحقق رغبته هذه.

انعدام الثقة
وسط كل المواقف والإتهامات المتبادلة بين القوى السياسية والحكومية والقضائية والعسكرية، والتي تنعكس إنعداماً للثقة بين هؤلاء أمام جمهورهم وبيئتهم، استمر المسؤولون اللبنانيون بدفن رؤوسهم بالرمال، وعدم إطلاق أي موقف أو تصريح توضيحي، بانتظار إطلالة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، وما سيقدمه من مخرج للقضية. إطلالة نصر الله بحد ذاتها للحديث عن الموضوع، وإن كان سينكر علاقة الحزب بالأمر، وسيحمل المسؤولية لأخطاء الآخرين ورضوخهم إلى التهديدات، سيثبت من ناحية أخرى أن لا شيء يتحرك في لبنان من دون رضى الحزب، ولا أحد يتحدث بالموضوع قبل حديث أمينه العام.

بعيد مغادرة الفاخوري لبنان، استدعى وزير الخارجية ناصيف حتي سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت دوروثي شيا . واستمع منها إلى شرح حول حيثيات وظروف إخراج  الفاخوري إلى خارج لبنان، بينما استفاق لبنان على استقالة رئيس المحكمة العسكرية، التي قدمها بكتاب رفعه إلى قاد الجيش، على خلفية الحملة التي تعرض لها مع أعضاء هيئة المحكمة. وجاء في كتاب التنحي: "احتراما لقسمي وشرفي العسكري، أتنحى عن رئاسة المحكمة العسكرية، التي يساوي فيها تطبيق القانون افلات عميل، ألم أسير وتخوين قاض." موقف عبد الله حمّل المسؤولية إلى القانون وليس إلى أحد آخر.

شهادة حسن سلوك؟ 
ومن المفترض أن يستمر العميد عبدالله موقتا في تسيير الأمور الإدارية في المحكمة إلى حين تعيين البديل، على أن يتولى رئيس المحكمة الرديف بت بالأمور القضائية. 

الخلاصة واحدة، قدم لبنان ورقة حسن سلوك للأميركيين. وسيخرج نصر الله ليقول إن الحكومة ليست حكومته، ولم يعد بإمكان الأميركيين وسمها بهذا الإتهام، لأن هكذا قرار لا يمكن أن يصدر عن حكومة حزب الله. سينفي نصر الله أي علاقة له بالأمر، كما سينفي حصول أي صفقة أو تفاوض. تخلّص رئيس الجمهورية وباسيل من عبء ثقيل عليهما بفعل الضغوط الأميركية. لم يقبض لبنان أي ثمن بديل ما حصل باستثناء تجميد بعض العقوبات، وإنتظار الرأفة الأميركية من مكان ما بعد تقديم ورقة حسن السلوك هذه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024