لبنان في حفرة انفجار 4 آب: تعويم المنظومة الحاكمة

نادر فوز

الثلاثاء 2020/08/11
بعد جريمة 4 آب، يستمرّ تضميد الجراح، ولملمة البقايا البشرية ورفع الأنقاض، ومن بينها أشلاء المنظومة والعهد والدولة. سحب ضغط الانفجار لبنان، بكل ما فيه، إلى الحفرة في مرفأ بيروت. سلطته، ناسه، مؤسساته، نظامه، جميعهم يغرقون في حفرة بعمق 40 متراً تغطّيها مياه البحر.

ومنها خرج صوت رئيس الجمهورية، ميشال عون، يقول أمام ممثلي مجموعة الدعم الدولية إنّ ِ"بيروتنا ستنهض كما كل مرّة، ستنهض، بمساعدتكم، وبعزيمة أهلها وكل اللبنانيين". وبعد ساعات، استقالت الحكومة وفتحت أبواب إعادة تكوين أحزاب السلطة لنفسها. طرح حكومة الوحدة الوطنية يطفو في بحر الحفرة اللبنانية مجدداً. وجوه المنظومة الفاسدة، المسؤولة عن جريمة التفجير وغيره من الجرائم المالية والإدارية، عامت مجدداً. كأنّ لا جرائم متتالية وقعت هنا، لا مجزرة جماعية ولا انهيار. فكيف الخروج من الحفرة وترك المسؤولين عن هذه المأساة غرقى فيها؟

انتخابات نيابية مبكرة
تمثّل المطلب السياسي الأساسي لثورة 17 تشرين بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، تعيد فرز الحياة السياسية في البلد، علّها تسقط الشرعية التامة عن أحزاب وقيادات السلطة. وبات من الواضح للجميع، أنّ مكوّنات هذه السلطة تستبعد كلياً خيار الانتخابات، حتى أنّ مجرّد طرح رئيس الحكومة المستقيل، حسان دياب، لهذا الخيار عجّل من رحيله عن السرايا الحكومية. لا تريد القيادات السياسة انتخابات ولا همّاً إضافياً يكثّف السجالات في ما بينهما. فخلافات النظام الانتخابي والدوائر والتقسيمات كفيلة وحدها بإنهاء النقاش قبل انطلاقه. تنظيم انتخابيات نيابية مبكرة، بأي كلفة مالية؟ تحت إشراف أي جهة؟ بأي ظروف سياسية وانتخابية وصحيّة؟ هو مطلب مؤجّل لن تحقّقه المنظومة الحاكمة التي استعجلت أطرافها إطلاق النقاش حول شكل الحكومة المقبلة.

حكومة وحدة وطنية
سارعت أطراف عدة في فريقي الصراع السلطوي، 8 آذار و14 آذار سابقاً، إلى التأكيد على صيغة الوحدة الوطنية في الحكومة المقبلة. صيغة فشل جديد تنتظر مجدداً توافقات دولية مؤجلة أيضاً، ولو أنها في صلب المبادرة الفرنسية القائمة. مخرج يزيد من عمق الحفرة اللبنانية لا العكس، يطمس 10 أشهر من التحرّكات والمطالب والدماء. يضرب كل أمل بالمحاسبة في ملفات الهدر والفساد. يغلق حتى ملف التحقيقات المستمرة في تفجير المرفأ، الذي أحيل أساساً إلى المجلس العدلي، الذي يضع يده على كل ملفات الأمن السياسي. وبشكل أو بآخر، يعني أنّ السلطة التي سقطت على وقع تحرّكات الساحات، عادت للحكم على دماء اللبنانيين في جريمة 4 آب.

في القضاء والمحاسبة
أعادتنا حفرة 4 آب إلى سؤال مركزي حول واقع الجهاز القضائي. أداؤه في فترة ما قبل 17 تشرين، خلالها، واليوم بعد التفجير الفظيع. وهذا الواقع، لخّصه البيان الصادر عن نادي قضاة لبنان قبل ساعات، بالسؤال "ماذا يفعل القضاء، لماذا هو موجود"؟ والجواب في البيان نفسه "إنه غائب أو بالأحرى مغيّب". وفي جردة الحساب الذي قدّمها النادي، تقاعس كل الأجهزة القضائية، بدءاً من النيابتين التمييزية والمالية، مروراً بالتفتيش القضائي والمجالس التأديبية وديوان المحاسبة، وصولاً إلى مجلس القضاء الأعلى. واقع يؤكد لنا أن لا إمكانية في الاعتماد على المؤسسات القضائية حتى، للخروج من الأزمة السياسية من خلال تشكيل حكومة من شخصيات قضائية تعمل على تأمين توليفة إنقاذية.

في الطوارئ والعسكر
من المقرّر أن يناقش مجلس النواب في جلسته الخميس المرسوم المتعلّق بإعلان حالة الطوارئ في بيروت. خطوة سياسية بامتياز، تعني تسليم المبادرة للسلطة العسكرية العليا التي يصبح بمقدورها استباحة كل ما في المدينة من ممتلكات وأشخاص وأشياء والرقابة على كل المطبوعات وفرض الإقامات الجبرية ومنع التجوّل وغيرها (قانون الدفاع الوطني). حينها تصبح مشاهد القمع المستمرّ في ساحات المدينة، منذ تشرين 2019على يد القوى الأمنية، مجرّد تفاصيل أمام إدارة عسكرية متكاملة تدار من قبل السلطة نفسها.

حفرة مرفأ بيروت تتعمّق لا تندمل، ولا مخرج منها في الأفق. لملمة ضحاياها ودفنهم مهمّة أولى، والمطالبة بالمحاسبة والقصاص من المرتكبين مهّمة ثانية، قبل أي بحث في الأزمة السياسية والعامة في البلاد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024