باسيل بصورة "البطل": إما العقوبات أو تفجير البلد!

جوزفين ديب

السبت 2020/11/07

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية صباح الجمعة، تقريراً عن فرض الإدارة الأميركية عقوبات على حلفاء حزب الله من السياسيين. وفيه أن المرشح الأكثر ترجيحاً أن يقع عليه سيف العقوبات، هو شخصية مسيحية من الأكثر نفوذاً وقرباً من حزب الله: جبران باسيل.

امتنع أعضاء تكتل "لبنان القوي" عن التعليق، ولو بكلمة على الأمر. طال انتظار الساعة الخامسة وعشر دقائق عصراً، ساعة إعلان الخزانة الأميركية رسمياً العقوبات على رئيس التيار الوطني الحرّ.

إلا أن المفاجأة جاءت أن باسيل لم يُدرج على لائحة العقوبات على خلفية تحالفه مع حزب الله، بل أُدرج على لائحة العقوبات على خلفية قانون ماغنيتسكي. أي أن باسيل "معاقب" بتهمة تورطه بالفساد. لكن روح القرار الصادر يربط معاقبته بتحالف باسيل مع حزب الله.

إلى خطاب الأحد
فور صدور هذا القرار، رد باسيل في تغريدة قال فيها "لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني. لا انقلب على أي لبناني ولا أنقذ نفسي ليهلك لبنان. اعتدت الظلم وتعلمت من تاريخنا: كتب علينا في هذا الشرق أن نحمل صليبنا كل يوم .. لنبقى".

تقول المعلومات المتابعة لأجواء التيار الوطني الحرّ، إن خبر وضع باسيل على لائحة العقوبات، كان قد تبلّغ به عون وباسيل قبل موعده. وبالتالي، لم يكن القرار الأميركي مفاجئاً، إنما مربكاً لمساعي تشكيل الحكومة.
فباسيل الذي جال العالم وزيراً للخارجية، يوم كان في قصر بسترس، يبدو اليوم سجين خياراته السياسية ودوره في السلطة.
ماذا تقول المصادر المتابعة لمواقف رئيس التيار الوطني الحر تعليقاً على العقوبات؟
يقول مستشار باسيل انطوان قسطنطين إن العقوبات بُنيت على خلفية سياسية، ولا شيء نخجل به. مشيراً إلى أن باسيل سيتوجه بكلمة يوم الأحد ظهراً، تعليقاً على وضعه على لائحة العقوبات.

تقرأ المصادر المتابعة مضمون كلمة باسيل غداً الأحد من عنوان تغريدته. وتضيف المصادر، أن خطاب باسيل سيتضمن تمسّكه بسياسته الداخلية، من دون أن يبرز أي ليونة أو ضعف. لا، بل قد يتشدد أكثر أو يصعّد رداً على استهدافه.

"لا أنقلب على أي لبناني". تشدد هذه المصادر على هذه العبارة، التي ستكون في خطابه الأحد. سيروي باسيل ما حصل معه في السنة الأخيرة. سيخبر اللبنانيين أنه كان أمام خيارين، إما رفع الغطاء عن حزب الله فيتوّج بطلًا،وإما العقوبات. وهو اختار العقوبات، لأن فك التحالف مع الحزب هو بمثابة تفجير قنبلة في البلد، أو بالأحرى تفجير البلد.

الصمت المطبق
تضيف المصادر المطلعة، أنه لا يمكن مقارنة العقوبات على باسيل بالعقوبات على الوزيرين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، اللذين أدرجا على خلفية قانون قيصر. بل إن باسيل سبق وضعه على اللائحة بسلسلة من اللقاءات التي جمعته بالسفيرة الأميركية، والتي غالباً ما تكتم عليها الطرفان. آخر اللقاءات مع السفيرة الأميركية لم يُسرب منه أي خبر. وهو على الأرجح اللقاء الذي حسم فيه الأميركيون خيارهم، بعد أن حصلوا منه على الإجابة على لائحة مطالبهم.

يدرك باسيل أن كلفة وضعه على لائحة العقوبات باهظة. وقد تكلفه مستقبله السياسي. فكيف سيكون تأثير هذا التطور غير المسبوق على المشهد اللبناني الداخلي وعلى تشكيل الحكومة؟

صمت مطبق لازم القوى السياسية بعد الإعلان الأميركي. فقبل الإعلان بقليل، كان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري قد التقى رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، بعد أيام من الجفاء الحكومي.
تحدثت المصادر عن كسر الجليد بين الرجلين. ولكن لم يحمل اللقاء أي جديد. لم يحمل الحريري معه أي مسودة. بل تناقش الرجلان في كيفية مواجهة المرحلة المقبلة بعد العقوبات على باسيل. لم يدم اللقاء أكثر من نصف ساعة، على عكس اللقاءات السابقة التي دامت ساعة ونصف الساعة. خرج الحريري على أن يعود  قريباً مع مستجدات في التشكيلة الحكومية المفترضة.

عُقد كثيرة لا تزال تواجه التشكيلة، حقائب الطاقة والداخلية والأشغال والصحة.. وكيفية توزيعها أو الاحتفاظ بها. وبعيداً عن العقد، تقول المصادر إن الحريري اليوم في مأزق أيضاً. ماذا سيفعل مع حزب الله بعد تسليمه بمطالبهم، ورفضه التعامل وفق وحدة المعايير مع التيار الوطني الحر. وكيف سيتعامل باسيل مع الواقع الحكومي اليوم بعد العقوبات؟

سيعود باسيل إلى البيان الأول الذي قال فيه إنه "إذ اردتم أن نكون شركاء في الحكومة، عليكم أن تطبقوا وحدة المعايير في التشكيلة بيننا وبين القوى الأخرى. ونحن هنا لا نتحدث عن وزارة المال وإعطائها للطائفة الشيعية، رغم موقفنا الواضح من الأمر، إنما نتحدث عن الحقائب الأخرى".

وبالتالي، يبدو رئيس الحكومة المكلف أمام خيارات صعبة مع حزب الله. ويبدو  أن التيار الوطني الحرّ لن يلين أمام الضغوط. بل سيتشدد في موقفه من تشكيل الحكومة حتى بعد الاتفاق على توزيع الحقائب، بحسب القوى والطوائف. تسمية الوزراء في الحكومة سيكون لها أهميتها، لأن التيار لن يرضى بأن يسمي الحريري الوزراء المسيحيين، بل سيطالب بوحدة المعايير تماماً مع الطائفتين السنية والشيعية.

الحكومة وسباقها مع الانتخابات الأميركية
وإذا كان قرار العقوبات على باسيل أتى على خلفية تهم فساد، إلا أن خفاياه سياسية بامتياز. سيما وسط أجواء أميركية توحي بأن الولايات المتحدة لن تتعامل مع حكومة يتمثّل فيها حزب الله أو شخصيات مقرّبة منه. ويقول المتابعون للشأن الحكومي إن الإدارة الأميركية تفضّل تشكيل حكومة لا يتمثل فيها حزب الله. بل تبلغ مسؤلون لبنانيون أن أي حكومة يشكلونها، لن تحصل على مساعدات مباشرة من الأميركيين. فأي حكومة جديدة ستكون خاضعة لعدة امتحانات، في شكلها وفي مضمون بيانها الوزاري وبرنامج عملها، وتطبيقها للإصلاحات، خصوصاً في المرفأ والمطار وعلى الحدود.

بالتأكيد، أربكت العقوبات الأميركية مشوار الحريري لتشكيل الحكومة. بعض المصادر المطلعة على مسار التشكيل تقول إنه من الصعب تشكيل حكومة قبل انتهاء الانتخابات الأميركية، والتشكيل على قياسها.

أما باسيل الذي طالما تنعّم بفائض قوة منذ صعود نجمه في السياسة، فمصادر مقربة منه تقول إن العقوبات لن تمنعه من استكمال مسيرته السياسية في مختلف الملفات في لبنان. في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء أيضاً. فهو رئيس تكتل نيابي كبير يدعمه رئيس الجهورية وتيار جماهيري، لن تختصر مطالبَه العقوباتُ الأميركية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024