جريمة قبرشمون: التسييس ينخر الإجراءات القضائية

المدن - لبنان

الثلاثاء 2019/08/06

لا يمكن فصل الإجراءات القضائية المتبعة في حادثة قبرشمون ــ البساتين، عن الضغوط السياسية المتحكّمة بمسار التحقيق ونتائجه، وهو ما يضاعف قلق الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي رفع نوابه منسوب المواجهة، وشنّوا هجوماً كاسحاً على رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه الوزاري، متهمين إياهم بالضغط على القضاء لتغيير الأدلة والمعطيات، وتضليل الرأي العام عبر اختلاق وقائع مغايرة لحقيقة ما جرى في حادثة الجبل وما تلاها.

ترهيب ممنهج
وتفيد المعطيات المتوفرة، بأنه منذ انتهاء التحقيقات الأولية التي أجرتها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وإحالة الملف من قبل النائب العام التمييزي القاضي عماد قبلان إلى القضاء العسكري، بدأت عملية ترهيب ممنهجة للتأثير في الإجراءات القضائية، بدليل تأخر النيابة العامة العسكرية أكثر من عشرة أيام لتنظيم ادعائها، والذي جاء متكيّفاً مع وجهة نظر الفريق الذي يوظّف القضية لأبعاد سياسية.

وعلمت "المدن" من مصادر قانونية مواكبة لهذا الملف، أن عملية التسييس لازمت الملف من الألف إلى الياء، وأكدت أن هذا الأمر لا يرتكز على تحليل أو استنتاج بل على معطيات ووقائع وأدلة ثابتة، ارتكزت على المعطيات التالية:

أولاً: تخطي المهل القانونية بدءاً من النيابة العامة التمييزية إلى النيابة العامة العسكرية، وصولاً إلى قاضي التحقيق العسكري، وإبقاء أربعة أشخاص محتجزين على ذمة التحقيق لأكثر من شهر، وهو ما يشكّل أكبر تجاوز في تاريخ القضاء.

ثانياً: اعتماد توصيف جرمي خطير بحق 13 عنصراً من الحزب الاشتراكي الملاحقين في هذه القضية، الذين ادعت عليهم النيابة العامة العسكرية، بجرائم القتل عمداً ومحاولة القتل عمداً، وتأليف عصابة مسلّحة من الأشرار بهدف ارتكاب الجنايات على الناس والنيل من سلطة الدولة وهيبتها، وهي جرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام.

ثالثاً: الادعاء على الشاب سامو غصن (من مناصري الحزب الاشتراكي)، بكل هذه الجرائم الجناية الخطيرة، علماً أن هذا الفتى أصيب في اللحظات الأولى للحادث، ولا يزال في غيبوبة كاملة ومصيره بات معلّقاً بين الحياة والموت، علماً أن التسجيلات المسرّبة، أظهرت أنه أصيب برصاص مرافقي الوزير صالح الغريب فور إطلاقهم النار في ساحة البساتين، على المدنيين المعتصمين لقطع الطريق سلمياً.

رابعاً: اكتفاء النيابة العامة العسكرية بالادعاء على مرافقي الوزير صالح الغريب بجنحة إطلاق النار في الهواء، ما يثير مزيداً من علامات الاستفهام على التمييز بين المتورطين في الحادثة.

خامساً: الطلب من قاضي التحقيق العسكري الأول القاضي فادي صوّان، التنحّي عن التحقيق في هذا الملف، واحالته إلى قاضي التحقيق مارسيل باسيل، الذي استدعي من عطلته القضائية.

رئيس الجمهورية والكمين
وكان القاضي باسيل، عقد جلسة لمباشرة استجواباته في هذه القضية، ومثل أمامه الموقوفون الأربعة من مناصري الحزب الاشتراكي، وقبل أن يبدأ باستجوابهم، استمهلوه لتعيين محامين للدفاع عنهم، فأعطاهم قاضي التحقيق مهلة 24 ساعة، وسارع إلى إصدار مذكرات توقيف وجاهية بحقهم لتغطية توقيفهم قانونياً، على أن يستدعي بعد ذلك المدعى عليهم غير الموقوفين والشهود لاستجوابهم.

ويبدو أن مخاوف الحزب الاشتراكي وتحذيره من تسييس القضية لها ما يبررها، وهذا ما عززه التمييز في الوصف الجرمي بين مدعى عليه وآخر، وتنحية قاضٍ واختيار آخر بالاسم، ومن ثمّ اتهام رئيس الجمهورية للحزب الاشتراكي بنصب كمين مسلّح هدفه اغتيال الوزير جبران باسيل. وهو ما استدعى رداً عنيفاً من الاشتراكي على الرئيس عون وفريقه الوزاري والسياسي. وأكد مصدر في الحزب الاشتراكي لـ"المدن" أن "ما نقل عن رئيس الجمهورية يثبت أن الأخير بات طرفاً في الصراع القائم، وفقد صفة الحكم والمؤتمن على الدستور والقانون". واتهمت من أسمتهم "وزراء البلاط بتركيب الملفات وتضليل الرأي العام اللبناني، وعلى راسهم الوزير سليم جريصاتي، الذي يتقن فنون التضليل وتحريف الحقائق والتلاعب بالأدلة والوقائع"، مشيرة إلى أن "القاصي والداني يعلم أن جريصاتي، تدخل شخصياً ومارس ضغوطاً باسم رئيس الجمهورية من أجل تنحية القاضي فادي صوّان، المشهود له بكفاءته ونزاهته، وآثر تسليم الملف إلى القاضي مارسيل باسيل الذي كان في عطلة قضائية".

خطوات مشبوهة
وتجمع آراء خبراء القانون والمراجع القضائية، على أن أي ملفّ حساس، يتولّى التحقيق فيه قاضي التحقيق الأول، كونه الأكثر خبرة وقدرة على كشف الحقيقة، وهو ما لم يعتمد في حادثة قبرشمون، وسألت مصادر الحزب الاشتراكي "لو سلمنا جدلاً بأن القاضي صوان لا يرغب الإمساك بهذا الملف، لماذا لم يحل الملف على قاضي التحقيق المناوب ندى الأسمر؟ لماذا استدعي القاضي باسيل بالتحديد من إجازته الصيفية؟". معتبرة أن "كل هذه الخطوات المشبوهة، تثبت مخاوفنا من الإصرار على تسليم القضية إلى المحاكم الاستثنائية سواء المحكمة العسكرية أو المجلس العدلي، بدلاً من القضاء العادي، الذي تبقى السياسة أقلّ تأثيراً على قراراته"، مشددة على أن "جريصاتي يقطف الآن ثمار التشكيلات القضائية التي أجراها في العام 2017، وجعلت المفاتيح القضائية طيّعة وخاضعة لاملاءاته، بما يخدم توجهات العهد وغاياته".

ما بين الإعدام والغرامة المالية
من جهته، كشف مصدر قضائي لـ "المدن" أن النيابة العامة العسكرية ادعت على 13 عنصراً من الحزب الاشتراكي بينهم أربعة موقوفين بجرائم خطيرة ومشددة، وهي:

المادة 335 من قانون العقوبات التي تنص: كلّ من أقدم على تأليف جمعية مسلحة من الأشرار، وأبرم اتفاقاً خطياً فيما بينهم لارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها، والتعرض لمؤسساتها المدنية والعسكرية والمالية والاقتصادية والتي لا تقلّ عقوبتها عن الأشغال الشاقة 10 سنوات.

المادة 549 عقوبات: يحكم عليه بالإعدام كلّ من ارتكب جريمة القتل عمداً وعن سابق تصور وتصميم.

المادة 549/201 تنص على الأشغال المؤبدة لكلّ من حاول القتل عمداً.

المادة 317 : كلّ من أقدم على اثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية، والحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.

المادة 329: كلّ فعل يعوّق اللبناني من ممارسة حقوقه وواجباته المدنية، يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة، وإذا اقترف الجرم جماعة مسلّحة سواء بالتهديد والشدّة أو أي وسيلة من وسائل الاكراه الجسدي والمعنوي، يعاقب بالحبس من ستة أشهر حتى ثلاث سنوات.

المادة 380: يعاقب بالحبس شهراً وبالغرامة المالية، كلّ من قاوم عناصر الأمن بالعنف والشدّة أثناء قيامهم بمهمتهم.

المادة 733: كل من أقدم على هدم أو تخريب شيئ يخص غيره، يعاقب بغرامة تعادل قيمة الضرر، وبحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر.

أما الادعاء الذي شمل عناصر الحزب الديمقراطي اللبناني، الذين يرفض الوزير أرسلان مثولهم أمام القضاء، فجاء اتهامهم مخففاً إلى أقصى حد، ومستند إلى نص القرار 71/ 2016، الذي يحظّر اطلاق النار في الهواء، ويعاقب بالحبس حتى شهر أو الاستبدال بالغرامة المالية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024