استحقاق المئة يوم: فشل وانهيار.. وحسّان باقٍ

نادر فوز

الأربعاء 2020/05/20
100 يوم على نيل حكومة حسان دياب الثقة. إنه اليوم المنشود، انتهاء وقت الامتحان، الذي حدّده دياب لنفسه عند تشكيله الحكومة.

لن يتأخر الرجل في إعلان نجاحه الذاتي في مهمّة المئة يوم الأولى. سيحاسب نفسه على أفعاله، بنفسه، ليخرج إلينا كتيّب إنجازات المئة يوم، معلناً استمراره في المهمّة. لن يلحظ الكتّيب سعر صرف الدولار، ولا أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية. لن يشير إلى تراجع التصنيف الاقتصادي للبنان، ولا تقنين الكهرباء الذي زاد عن حدّه. فقط "إنجازات"، وأولها في مواجهة كورونا، وثانيها في تعليق سداد ديون يوروبوندز، وثالثها في إقرار خطة اقتصادية تاريخية، ورابعها في تعيينات محاطة بالبلبلة، وأخرى لا بد أن تبلبل الساحة، وخامسها في المفاوضات المستمرة مع صندوق النقد الدولي.
دولة الرئيس نجح، كما دائماً، ولا شيء أفضل من كتيّب لتوثيق هذا النجاح. فالكتيّب، ثمرة النجاح وشغف توثيقه، سيدخل التاريخ ولو أنه على الأكثر سيزيّن سطح مكتب في السراي الحكومي أو غرفة جلوس في بيت على تلّة الخياط.

أسعار أول 100 يوم
في المئة يوم الأولى، عقد حسان دياب وحكومته 26 اجتماعاً لمجلس الوزراء. وفي مجمل عهده، جلستان إضافيّتان سبقتا الثقة. 26 جلسة، أي بمعدل جلسة كل 4 أيام. جلسة كل 96 ساعة، كل 5760 دقيقة، كل 345600 ثانية. عدّاد الساعة يتكّ. تيك تاك، غداً موعد لجلسة أخرى. تيك تاك، غداً موقف مطوّل ونص إنشائي آخر. تيك تاك، الرجل مستمرّ في صناعة التاريخ. الوقت يمرّ، دياب يعلن نجاحاته فيما واقع اللبنانيين يسير نحو الأسوأ.

قبل منح حكومة دياب الثقة بيوم واحد، في 10 شباط 2020، كان سعر صرف الدولار قد وصل إلى 2230 ليرة لبنانية. في اليوم المئة بات الدولار يعادل 4230 ليرة لبنانية، بعد أن وصل إلى 4800 ليرة، هذا إن وُجد الدولار في السوق. أما مؤشر الأسعار، فارتفع من 8.5% في كانون الأول 2020، إلى 11.3% في شباط، وبعدها إلى 13% في آذار، والارتفاع مستمرّ. كذلك ارتفاع المواد الغذائية، التي زادت معدّلاتها السنوية من 10% في كانون الثاني، إلى 16% في شباط، و20% في آذار. هذا من دون أرقام نيسان وأيار، المفترض أن تكون نارية. إذ يلمس المواطنون ارتفاعاً شبه يومي في أسعار كل السلع الغذائية والأساسية. لا نعرف إن كانت كل هذه الأرقام تشير إلى أي إنجاز يذكر، لكنّ الساسة اللبنانيين قادرون على تطويع وتسويغ أي شيء، كالعادة. لولا حزب الله "لاحتلّ داعش لبنان". "لولا التيار الوطني الحرّ لانتهى الوجود المسيحي في لبنان وسائر المشرق". "لولا سعد الحريري لتوجّهت الطائفة السنية إلى التطرّف". "لولا القوات اللبنانية لنعس كل الحراس". "لولا الرئيس نبيه بري لحوصرت المقاومة". "لولا وليد جنبلاط لكانت الحياة السياسية أكثر مللاً". ويمكن تعداد ما هو أكثر.

إنجازات وهمية ومخادعة
بعد مئة يوم على نيل حكومة حسان دياب، تراجع تصنيف لبنان بين الدولة المنهوبة والمديونة والمفسلة والمنهارة. سبق لبنان فنزويلا فقط، حسب تقرير أعدته "الإيكونوميست" حول الأسواق الناشئة الأكثر تعرضّاً للمخاطر المالية. ينقصنا خلل طفيف في الغطاء الاحتياطي، لنكسب، لنتصدّر القائمة السوداء بقيادة هذا العهد القاتم والحكومة التي لا تشعّ إلا إنجازات.

ومن هذه الإنجازات، إقرار الخطة الاقتصادية، التي لا تمويل لها على الأرجح. في حين أنّ أبرز القرارات المتّخذة في الحكومة تمثّلت بمشاريع قوانين للحصول على قروض، أو قرارات بالتفاوض مع صناديق داخلية وخارجية للحصول على قروض، وتعديل اتفاقيتها بما في هذه التعديلات من مراكمة للدين وتأجيل أمدها. وفي المقررات أيضاً فتح حسابات في مصرف لبنان لتلقي الهبات والمساعدات والتبرعات. إقرار صرف سلف للهيئة العليا للإغاثة، تمديد العمل بمشروع إدارة النفايات الصلبة، وإتمام عقود رضائية مع شركات خارجية للتدقيق في حسابات الدولة ومصرف لبنان. استرداد شركتي الخليوي من دون معرفة كيف ستدار الأمور في الأشهر اللاحقة، التمديد لشركة "ليبان بوست" حتى نهاية العام، وبانتظار وضع دفتر شروط. إقرار استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد لا معالم لها، استكمال السير بالعقد الموقع بين شركة سوناطراك ووزارة الطاقة والمياه، إلغاء امتحانات الثانوية العامة.

إنجازات أخرى
من بين الإنجازات أيضاً، الاستمرار في مشروع سدّ بسري المعارض للطبيعة والجغرافية والبشر والحيوانات والحجر. ومنها أيضاً، الموافقة على إصدار طوابع تذكارية لمناسبة إنشاء جامعة الدول العربية ومناسبة مرور خمسين سنة على تأسيس منظمة الفرنكوفونية، وبدء أعمال التنقيب عن النفط والغاز. نسينا النفط. ففي المئة يوم الأولى من حكومة حسان دياب دخل لبنان نادي الدول النفطية، وهو دخول سرعان ما سيتبعه خروج سريع من النادي نفسه. حتى أنّ إنجاز النفط الوهمي، سجّله رئيس الجمهورية باسم صهره النائب جبران باسيل، ولا دخل لدياب به.

يمكن تلخيص عمل الحكومة بعبارات "تمديد"، "استكمال السير"، "سلف"، "قرض"، "هبات"، "مساعدات"، "تبرعات". مقررات الحكومة قروض أو استمرار للنهج الحكومات السابقة والخطط السابقة والمشاريع السابقة التي أقرّتها الحكومات السابقة للسلطة نفسها المستمرة. حتى مواجهة كورونا، تتمّ من خلال لعبة "طرة ونقشة" أسبوعية، مع الإقرار أنّ الوضع الاقتصادي ينحدر أكثر. 

مضى 100 يوم على نيل حسان دياب وحكومته ثقة المجلس، وهذا واقع الحال. هو القائل "100 يوم أو منفلّ على البيت". هو، الذي أصبحت السرايا الحكومية بيته فسكنها وسكنته، باقٍ حيث هو. 100 يوم أو 200 أو ألف يوم، دياب مستمرّ في رئاسة الحكومة رغم الإخفاق والفشل، والإفلاس والانهيار. هذا منزله، وثمة من أرشده إليه، ثمة مرشد أعطى حكمه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024