الفايبر أوبتيك.. خطأ الجراح بغطاء سياسي

خضر حسان

الأربعاء 2017/05/24
مازال وزير الاتصالات جمال الجراح يتخبط في مستنقع تلزيمه خدمة نقل المعلومات للمشتركين عبر شبكة الألياف الضوئية، لشركة غلوبل داتا سيرفيسيس، دون اجراء مناقصة تؤمن مبدأ المنافسة وتقديم العروض الأفضل لمصلحة الدولة اللبنانية. إذ فضّل الجراح فتح حرب إعلامية على من ينتقد تلزيمه للشركة المذكورة، مكرراً ترحيبه بأي شركة أخرى تريد التقدم إلى التلزيم، متناسياً أن تلزيم شركة معينة، يقفل الباب حكماً أمام أي شركات أخرى. فالتلزيم لم يحصل ضمن مناقصة تفتح الباب للشركات المخوّلة. أما محاولة العودة عن القرار بطريقة مبطنة، فيحمل في طياته تعقيداً أكبر، لأنه يطرح تساؤلات عن جدية تلك العودة وشفافية إعادة عملية التلزيم.

التشكيك بالشفافية يدعمه تمسك الجراح بقانونية قراره، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله، الثلاثاء 23 أيار. فالجراح أكد أن قراره "مستند إلى مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، النص والقرار اعتمد على نصوص قانونية والدولة حصلت على مكاسب". فتراجع الوزير عن قراره الأول المدعّم بسند قانوني، بحسب رأيه، يعني التشكيك في القرار. وهو موقف لن يضع الجراح نفسه فيه، مفضلاً الإصرار على موقفه.

لكن السند القانوني الذي يعتد به الجراح، أبطله القانون الصادر في العام 2002، إذ نصت المادة 19 من القانون الرقم 431 الصادر في 22-7-2002، على أن "يمنح، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على إقتراح الوزير وبعد اجراء مزايدة عالمية لدفتر شروط تعده الهيئة، الترخيص لمقدمي خدمات الاتصالات العامة الآتية: خدمات الهاتف الأساسي، خدمات الهاتف الخليوي، خدمات الهاتف الدولي، فئات جديدة من التراخيص لتوفير خدمات الاتصالات العامة ومنها UMTS على أساس محلي أو دولي". وما قام به الوزير لا يتضمن منح الترخيص بمرسوم متخذ من مجلس الوزراء، ولا اجراء مزايدة عالمية وفق دفتر شروط.

وبرأي عضو لجنة الإعلام والاتصالات النائب زياد أسود، فإن "القوانين لا تفسر بأكثر من طريقة، فهي واضحة وصريحة. أما إصراره (الجراح) على قراره، ومحاولة إعطائه صبغة قانونية، فهو التفاف على مبدأ المنافسة لتلزيم العقود". ويعتبر أسود في حديث مع "المدن" أنه "كان الأجدى بالوزير عدم الدخول في هذا السجال، واللجوء إلى مجلس الوزراء وعدم وضع شائبة فوق أخرى". ويرى أسود أن ما وصل إليه الملف يستدعي تحرك التفتيش المركزي وديوان المحاسبة. أما الحديث عن دور اللجنة النيابية، "فلا يجب تحميلها أكثر من طاقتها. فاللجنة لا يمكنها إلا أن تلعب دور الوسيط، والدفع في اتجاه إيجاد حل". وفي حال عدم التوصل إلى نتيجة "يمكن الاحتكام إلى مجلس النواب لاجراء المساءلة". ولا يستبعد أسود وجود من يغطي هذا الاجراء سياسياً.

التغطية السياسية اكدتها لـ"المدن" مصادر في هيئة أوجيرو، رابطة القرار بعملية استبعاد المدير العام السابق للهيئة عبد المنعم يوسف، والتي كان لرئيس الحكومة سعد الحريري القرار فيها. ورغم استبعاد يوسف واتهامه بملفات فساد وتحويلها إلى القضاء، إلا أن الجراح ركن في تبرير قراره إلى سند موقع عليه من يوسف. ما يعني أن الجراح يستند إلى شرعية من شخص مطعون في شرعية أعماله أمام القضاء، وفق المصادر.

لم يتوقف الجراح عند هذا الحد، بل ذهب في اتجاه الاضاءة على ملفات أخرى في الوزارة، في محاولة لاستهداف وزير الاتصالات السابق بطرس حرب الذي انتقد في وقت سابق قرار الجراح، ودعاه إلى التراجع عن قراره. فما كان من الجراح إلا الإشارة نحو وجود "هدر في ملف الاتصالات بعشرات ملايين الدولارات سواء أكان في السنترالات أم في الفايبر أوبتيك أو الانترنت غير الشرعي"،. واتهم الجراح حرب بأنه "كان ينوي دفع مليونين و200 ألف دولار لإقامة تسوية مع (شركة) إريكسون، وكأن هذه الأموال هي ملك حرب وليست من خزانة الدولة". فضلاً عن أن حرب، برأي الجراح، "كان ينوي إقامة الصفقة لشراء قطع غيار جديدة لتشغيل الشبكة وكان عليه اللجوء إلى مرجع قانوني دستوري لحل الأمر". وهذا ما وصفه حرب بأنه "إنزلاقة" قام بها الجراح، كردة فعل على الملاحظات القانونية التي "أصابت منه مقتلاً أخلاقياً كنت أتمنى لو لم تحصل".

في المحصلة، يبدو أن الأمور تتجه نحو التصعيد، خصوصاً في ظل الغطاء السياسي الذي يستفيد منه الجراح من تيار المستقبل. لكن المصادر ترجح إيجاد حل بصيغة ما، لأن "ليس هناك أي طرف سياسي آخر يمكن أن يشارك بحمل مسؤولية الصفقة". وهو ما يمكن استنتاجه من كلام فضل الله الذي أكد أن "البنية التحتية للاتصالات هي ملك الدولة بما فيها الفايبر أوبتيك، ولا حصرية لأي شركة. والأمر سيترجم عملياً".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024