موقوفو البقاع: "المستقبل" يبتزّ الأهالي لإطلاق سراحهم

نادر فوز

الخميس 2020/06/25
في القضاء 21 موقوفاً من بلدتي مكسة وقب إلياس، متّهمون بعمليات تخريب وغضب ليلتي 11 و12 حزيران الجاري. ملف الجنح هذه بدأت تتكرّس ملامحه، في عملية سياسية سهل تفكيكها، أما تناولها فواجب أخلاقي بحت.
يدفع هؤلاء الموقوفين الـ21 فاتورة انتفاضهم على النظام والمنظومة. النظام متمثلاً بالسلطة وأحزابها، والمنظومة متمثلةً بحكم الطوائف ورعيانها. وما تحويل الجنح إلى جنايات إلا دليلاً على تسييس ملف هؤلاء، بما يفيد كل من في سلطة. في الأخيرة، طرف أول همّه الأساسي القول إنّ عمليات التخريب التي حصلت في بيروت لا تنتمي إلى طائفة أو مذهب معيّن. يريد القول إنّ جمهور "شيعة شيعة" ليس مسؤولاً عن الخراب. وفيها أيضاً، طرف ثانٍ، يريد ردّ الاعتبار لوجوده من خلال إعادة تجميع الناس حوله. يريد القول إنّ هذه القيادة لا تزال مستمرّة وأنها مرجع السنية السياسية. ليوضح كل هذا التقاء مصالح طرفي السلطة على حرية هؤلاء المعتقلين الـ21، ومستقبلهم ومستقبل ما يمثلّونه في الشارع. وكل هذا يحصل في عملية ابتزاز شبه علنية، تفاصيلها كثيرة وفضائحها أكثر.

ابتزاز علني
قبل يومين، تلقّى عدد من أهالي المعتقلين في بلدة قبّ الياس اتصالات هاتفية من قبل مسؤولين في تيار المستقبل. عرض خلالها هؤلاء المسؤولين تأمين زيارة لهم إلى زعيم التيار، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بهدف حلّ مشكلة أبنائهم وتأمين خروجهم وإنهاء ملفاتهم القضائية. لم يبد الأهالي تجاوباً يذكر مع هذا الطرح، حتى أنّ بعضهم ردّ بما يشبه الشتم، "عمرهم ما يطلعوا (الموقوفين) إذا هيك". وبعد ساعات قليلة، أعيد الطرح نفسه لكن على شكل آخر، بحيث يتم عقد لقاء مع أحد المسؤولين السابقين في التيار، وهو شخصية بقاعية مقرّبة جداً من الحريري، لتتم الوساطة. حينها قال المتوسّطون بلهجة عامية واضحة ومباشرة "إذا ما فتّوا عند سعد الحريري وطالب فيهم، الله ما بيطلّعهم (الموقوفين)". عملية ابتزاز رسمية، يقوم بها مسؤولون وقياديون في تيار المستقبل، تحت ضغط إبقاء الموقوفين قيد الاعتقال، وضغط تحويل الجنح التي قاموا بها إلى جنايات، تقفز من خلالها الأحكام القضائية من أشهر إلى سنوات.

الزبائنية السياسية
ومن بين جملة ما قيل لأهالي الموقوفين إنّ "صاحب القرار في إطلاق سراح الموقوفين هو صاحب القرار في الطائفة"، مدلّلين على تدخّلات زعماء الطوائف لحماية رعاياهم عند كل ملف قانوني وسياسي. وفي هذا الواقع، تكريس للزبائنية السياسية بأبهى حللها. كما تجسّد هذه الطروح ضرباً لكل الانتفاضة، التي حصلت منذ 17 تشرين الأول، على الزعماء والقيادات والأحزاب. عودة إلى نقطة الصفر، إلى طلب الطاعة والحماية. ورقة لجوء سياسي وطائفي، انتفض عليها اللبنانيين، وعلى ما فيها من زبائنية بحثاً عن علاقة مباشرة بالدولة والمؤسسات والقانون. فتيار المستقبل، أكثر التيارات السياسية تضرّراً بفعل 17 تشرين، يسعى إلى ترميم ما دمّرته الانتفاضة في شارعه، من خلال إعادة تشغيل الزبائنية السياسية وإعادة تطويع جمهور طائفته ليعود إلى حظيرة الطائفة وصاحب القرار المفترض فيها. يريد الحريري إعادة تعويم نفسه على حساب حرية شباب وصحّتهم. يريد فرض طاعته، والطاعة لا تفرض إلا بالتخويف والترهيب.

قب إلياس انتفضت
لدى سؤال عدد من الأهالي عن إمكانية انصياع البعض إلى الطلب المستقبلي، يجيبون "لا ثقة بالمستقبل ولا غيره. انتفضنا على السلطة من أجل العدل والعدالة، ولن نتراجع الآن". فمن يعرف قبّ إلياس، يعرف أنه مع انطلاق 17 تشرين نزعت صور زعيم الطائفة وتيار المستقبل وعلت الأعلام اللبنانية وقبضة الثورة. ومن يعرف البلدة جيداً، يدرك أنّه تم توقيف 21 ناشطاً من أصل ما يقارب 45 من الناشطين الفاعلين الذين يتحرّكون على الأرض، ويقومون بالتواصل والتنسيق مع الناشطين في المناطق الأخرى. ثمة محاولة ترهيب لبلدة بأسرها، جسّدت عصباً فعلياً في تحركات الثورة منذ اليوم الأول. خرجت من العباءة وانتفضت، ويمارس الضغط اليوم عليها وعلى أهلها بأبشع الطرق. لكن من يعرف قب إلياس يدرك أيضاً أنّ ثوارها مستمرّون في الخيار الذي اتّخذوه. فبينما كان الاعتصام اليوم مستمراً أمام قصر العدل في بيروت، أعاد أحد الموجودين طرح خيار زيارة الرئيس الحريري لإنهاء هذا الملف، فعلا فجأة هتاف "سعد سعد سعد، ما تحلم فيها بعد". لم يأت الهتاف من عدم، بل من واقع الضغوط والابتزاز.

فقب الياس انتفضت، وهي مستمرّة بانتفاضتها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024