نظام الأسد يلاحق نجيب ميقاتي

جنى الدهيبي

السبت 2019/09/28

مجددًا، ثمّة من أعاد رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي إلى قفص الاتهام "المالي". يوم الجمعة نشرت صحيفة لبنانية اتهامًا صريحًا لميقاتي نقلًا عمّا أسمته "مصدراً قضائياً سورياً"، يفيد أنّ ميقاتي مع شقيقه طه، ملاحقان قضائيًا من أجل استرجاع أموال في سوريا، نتيجة اعترافات رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، في إطار التحقيقات التي يجريها رئيس النظام السوري بشار الأسد.

طعن في الظهر؟!
الرواية - التهمة بدت خطيرة في مضمونها، وأشارت أنّ وزير المالية السورية أصدر قرارًا بتجميد ومصادرة أموال 152 رجل أعمال سوري، متهمين بالفساد، من بينهم "أهم رجال الأعمال في سوريا، وهو رامي مخلوف، ابن خال الأسد". وحسب الرواية نفسها، فإنّ مخلوف اعترف أنه أثناء امتلاكه لشركة ITM الخليوية السورية، بالشراكة مع ميقاتي وشقيقه، "حصل بطريقةٍ غير مباشرة على 13 مليار دولار ونصف المليار"، ونال منها الشقيقين ميقاتي، 4 مليارات دولار ونصف المليار. هذا الأمر، ودائمًا وفق رواية تلك الصحيفة، كان دافعًا للقضاء السوري كي يلاحق ميقاتي وشقيقه لاسترجاع المبلغ المذكور، باعتباره  "أموالاً سورية تم الحصول عليها من قبَل الأخوين ميقاتي بصورة غير شرعية وعن طريق الفساد".

استكملت الرواية سردها، وذكرت أنّ مخلوف اعترف بشراكته غير المباشرة بـ "أمور لبنانية" مع ميقاتي، في شركة ألفا التي كان يملكها، وأن الأخير كان يحصل على مبلغ يصل إلى 300 مليون دولار أميركي، وأنّ مخلوف يحصل منها باعترافه، على مبلغ 100 مليون دولار، و"أن هناك الربح الباقي 140 مليون دولار جراء تهريب الخطوط الدولية في لبنان عن محاسبة الدولة اللبنانية واخراجها من حسابات الخطوط الخليوية عبر تقنيات على الكومبيوتر سواء في سوريا أو في لبنان". لم تخلُ الرواية الطويلة في تفاصيلها من ضربٍ لميقاتي في السياسة، متهمة إيّاه بـ"طعن" النظام السوري في الظهر، وأنّه مع شقيقه صارا "من أغنى أغنياء الشرق الأوسط وهما استفادا من ثروة الشعب السوري"، عن "طريق الفساد وسرقة الأموال"، وربطت التهمة بـ"العيب أن يشربا من بئر ويرميا فيه حجرا كما فعل نجيب ميقاتي الذي ذهب مع وفد من ثلاثة رؤساء حكومة سابقين لتقديم الشكوى على سوريا وحزب الله في المملكة العربية السعودية".

ابتزاز مالي سياسي
توجيه هكذا اتهامات من هكذا نظام على نجيب ميقاتي، ليس تفصيلًا عابرًا في السياسة، لرجل وضع نفسه، بعد التسوية الرئاسية والانتخابات النيابية الأخيرة، في خانة المدافع عن مقام رئاسة الحكومة، ونصبّ دوره السياسي حارسًا لاتفاق الطائف، ومواجهًا للتجاوزات الدستورية، ومنكبًا على تتبّع المنقضّين على الصلاحيات الرئاسية.

في السياق نفسه، حاولت "المدن" أن تستقصي صحة ما جاء في الرواية الصحافية، لما تحمله من مضمونٍ قد يطيح بميقاتي إذا كان صحيحًا، ولو في حدّه الأدنى. لكنّ أوساط رئيس الحكومة الأسبق، والتي تداولت الخبر بخفّة كبيرة وكنوعٍ من النكتة المثيرة للضحك والسخرية ووصفتها بالهذيان، من منطلق أنّ لا أساس له من الصّحة، تجزم أنّ كلّ ما ورد هو "ضرب من الخيال الروائي الساذج"، وأنّ كل ما في الأمر يكمن في مساعي مالك الصحيفة الدائمة لابتزاز ميقاتي ماليًا، "لكنه لم ولن يرضخ له مهما شطح به الخيال للضغط وتشويه سمعته".

في السياسة، يبدو أنّ ميقاتي من اللحظة التي وقف فيها مع مقام رئاسة الحكومة، وتلاقى مع رؤساء الحكومات السابقين في لقاءات دورية، بدأ يتعرض لهجمات ممهنجة ومتتالية من جماعة قوى الثامن من آذار. وقد تجلّت بدءًا من الحملة التي شنّها إعلامي تلفزيوني يرتبط برجال المخابرات في سوريا، حين اتهم ميقاتي بالاستيلاء على القروض السكنية في بنك عودة، بعد أن عرضت على المواطنين في العام 2013. وفي هذه المسألة، حتّى لو كان اقتراض آل ميقاتي غير مقبول أدبيًا بالمعنى السياسي واللبناني، لكنه كان قانونيًا. بعد ذلك، تعرض لهجومٍ آخر في قضية الدفاع والمرافعة عن الإرهابي عبد الرحمن مبسوط، الذي كان قد أوكل له أهله محاميًا من مكتب ميقاتي الخدماتي، كحال بقية المستفيدين من هذه المكاتب، وهو لا يعرفه في الأصل. وفي الهجومين، من باب القروض ومن باب المبسوط، لم يكن على ميقاتي أيّ مأخذٍ قانوني واحد.

أما رواية الصحيفة التي تصفها أوساط ميقاتي بـ "الخيالية"، فقد جاءت عشية الصراع في مجلس النواب، بين رئيس الحكومة والكتلة المسيحية (العونية)، التي اعتبرت أن رئيس الحكومة لا يستطيع أن يسحب أيّ مشروع، بينما يعطي القانون والدستور رئيس الحكومة حصرًا حق المضي أو سحب المشاريع التي تتقدم بها الحكومة. وميقاتي الذي كان ينبري في الدفاع عن رئاسة الحكومة، عقد اجتماعًا لكتلته النيابية، فدعت "للترفع عن المصالح الضيقة"، ونددت بـ"الممارسات القائمة التي لا تتلاءم مع روح الدستور والقوانين".

وفيما يخصّ شركة الخليوي السورية المذكورة، تؤكد معلومات "المدن" أنّ الأخبار حولها مغلوطة وعارية من الصحة، وأنّ "ميقاتي لا علاقة له بها، وإنما كان على علاقة بشركة فرانس تيليكوم، التي تحولت بعد ذلك لشركة اسمها MTN، وهي تمتلك في كل العالم شبكات خليوي، لميقاتي فيها نسبة أقل من 15 في المئة، ولها إدارتها وشركتها المستقلة التي دخل فيها كمساهم". وكلّ ما ذُكر في الصحيفة هو خياليّ. إذ لا وجود لدعاوى ولا لقضاء ولا لاسترداد مال، فيما الأمر أصبح قائمًا على تشويه صورة ميقاتي وضربه في السياسة منهجيًا.

ميقاتي وحيدًا؟
في الواقع، لا يرتبط ميقاتي مع أيّ طرف إقليمي بالمعنى الفعلي لكلمة ارتباط. هذا الحال، تشكل له نقطة ضعف وقوّة في آنٍ معًا، وهو ما جعله مؤخرًا عرضة للاستهداف من محاور مختلفة ومتضاربة. الكلّ يريده أن يكون في طرفه وتحت كنفه، وهو يدفع ثمن استقلاله عن حضنٍ إقليمي واضح، ولا يُدار من أيّ دولة، ما جعل علاقاته مع الدول تتحرك صعودًا ونزولًا حسب ما تريد هي. فتارةً يصطدم مع السعودية وأميركا، وطورًا مع سوريا وحزب الله ومن خلفه إيران.  لكن الرجل يسعى قبل أيّ شيء أن يبقى محصنًا بجمهوره الذي أعطاه 21 ألف صوت، وأن لا يخرج من جلد بيئته، لا سيما بعد تجربته في حكومة العام 2011، حين اتخذ قرارًا واضحًا أن يبقى لصيقًا بقاعدته وتحت مظلة بيئته، وأن يتمسك بالطائف والدستور مهما كلّف الأمر، بعد مضايقات متتالية تعرض لها من أميركا وسوريا وغيرهما.

لكن، هل ثمّة غضبًا سوريًا كبيرًا على ميقاتي؟ الجواب بوضوح هو "نعم"، لأنّ المنطق بسيط لدى نظام الأسد: إمّا معنا وإمّا ضدّنا. لكنّ ميقاتي الوسطي والبراغماتي في علاقته وسياسته، ليس في كلا الخانتين، ما يجعل من الغضب الأسدي عليه، محمومًا ومضاعفًا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024