حكم سماحة.. إعدام السلم الأهلي

نديم قطيش

الخميس 2015/05/14
لم يكن ينقص حكم المحكمة العسكرية على ميشال سماحة، بالسجن اربع سنوات، تنتهي بعد سبعة اشهر، الا تزامن تلك اللحظة مع صورة ضابط المخابرات السوري علي المملوك، حاضراً الى جانب بشار الاسد في اجتماع مع مستشار الامن القومي الايراني علاءالدين بروجردي في دمشق. والمملوك، هو الذي لم تعثر المحكمة العسكرية على مكان إقامته لتبليغه بانكشاف مؤامرته "اللبنانية السورية المشتركة"!
بالتالي هي ليست صورة لرجلين، بل صورة الشبكة بكامل أعضائها، منفذين ورعاة، رؤساء ومرؤوسين. وصورة - رسالة تحاول القول ان التوازن السياسي القائم في البلد، منذ حكومة تمام سلام، الذي اختل بقوة الدفع التي ولدتها عاصفة الحزم، بات يتطلب تعديلاً لصالح توازن جديد بدفع من معركة القلمون التي نفخ الحزب انتصاراتها الى حدود انفجار فقاعتها. وهو حكم يحمل كل العبوات السياسية، التي تنذر بأن ثمة من قرر اللعب بالسلم الأهلي البارد والهش في لبنان، وربما استكمال نتائج المؤامرة الفاشلة بطريقة اخرى.

لم يمر حكم قضائي في لبنان ما بعد الطائف، شعر حياله الناس بحجم التسييس ولي عنق الحقيقة، بقدر ما شعروا حيال الحكم على سمير جعجع في تفجير كنيسة سيدة النجاة، التي خرج جعجع منها بريئاً، فيما حكم عليه بقضايا سبق وان طالها العفو العام بعد انتهاء الحرب الأهلية. اي ان ملفات جعجع فتحت وحيدةً، دون غيره من أمراء الحرب بالاستناد الى جريمة لم يُدَن بها، تمهيداً لتصفيته سياسياً بالسجن قبل ان تعيده ثورة الأرز الى الحياة. 

وها نحن امام حكم ثانٍ لا يقل قدرة عن سابقه على توليد الانطباعات اننا امام "تهريبة" سياسية لإقفال ملف، يمتاز، استراتيجياً، بأنه الادانة الموثقة الاولى للجريمة الأسدية بحق لبنان منذ العام ١٩٧٦ بالصوت والصورة والدليل القاطع. 

حكم السنوات الأربع فقط على سماحة، بتهمة نقل متفجرات، وإسقاط الحقوق المدنية عنه، هو حكم ببراءة نظام الاسد من الجريمة الإرهابية التي كانت تعد لها دمشق، وإسقاط للحقوق الوطنية والإنسانية عن كل اللبنانيين، الذين كانت ستطالهم، جريمة سماحة مباشرة او عبر تداعياتها. وهو استدعاء ضمني، كنظيره بحق جعجع، الى حال من الاحباط لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين وانهاء ما بقي من امل لديها بمشروع الدولة في لبنان وبالوطن الجامع. 

وهي تأكيد لشعور متنامٍ لدى هذه الشريحة ان الحديد لا يفله الا الحديد، في ظل هيمنة السلاح على الحياة الوطنية والسياسية بكل وجوهها في لبنان. 

ليس كمثل ميشال سماحة، من يحاكم بصفته "ديلفري بوي" لمتفجرات صدف انه ينقلها من مكان لآخر خلافاً للقواعد مرعية الإجراء، بل هي، بحسب اعترافاته المسجلة، متفجرات كانت معدة عن سابق تصور وتصميم لاستهداف أهداف مدنية وسياسيين ونواب ورجال دين وإحداث فتنة تخدم اجندة دولة اجنبية.

اذذاك لم تأتِ من فراغ ردات الفعل على هذا الحكم الذي رأت فيه شريحة لبنانية وازنة تمييزاً سياسياً ومذهبياً حيالها، لا سيما في الساحة السنية التي يقبع ابناؤها الاسلاميون في السجون من دون محاكمات، وهم في اخطر احوالهم متهمون بمثل ما اتهم به سماحة (على سبيل الافتراض) او بأقل من ذلك بكثير في عموم احوالهم. 

الرعاة السياسيون للحكم على سماحة، وإسقاط تهمة القتل من حيثيات ملفه، وتهمة تشكيل خلية ارهابية خدمة لدولة اجنبية، هي دعوة علنية للمتضررين من سماحة-المملوك، ان يذهبوا أكثر بإتجاه خيارات التشدد قناعةً وممارسة، وهي تحمل كل بذور التحريض المذهبي بلبوس القانون والعدل والمؤسسات.

 إسقاط تهمة القتل عن سماحة وما تستدعيه من حكم بالإعدام، هو قرار مبرم بإعدام السلم الأهلي في لبنان، وتحقيق لكامل أهداف مؤامرة سماحة المملوك برعاية الدولة اللبنانية الكريمة. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024