الخط الثالث: انتخبوا استقرار لبنان

أحمد جابر

السبت 2022/05/14

على باب الاقتراع، وقبيل الدخول إلى قاعات الصناديق، ينبغي التمييز بين ما قاله المرشحون من جميع الأطراف.

غاية التمييز، تصنيف الخطب، فهذه، على تعددها، يختصرها عنوانان: واحد يعلن سيادية في دولة، وآخر يتمسك بمقاومة في دولة.. الإعلانان يلتقيان في بند الدولة، والإضافة اللازمة للقول بتشابه الإعلانين، وبتقاطعهما، أن صاحب كل دعاية انتخابية، يريد الدولة التي يراها على قياس رؤيته، مما يجب معه القول، إن على من يريد الدولة، من زاوية إعلان ثالث، أن يُدليَ برؤيته التي يراها خارج "الرغبوية"، الفئوية، والتي تستجيب لمتطلبات بناء سياق دولتي لبناني، يحمل الكثير من معطيات الطارئ الأهلي، والجديد السياسي، والضبابية "المجتمعية"، في بلد الـ10452 كيلومتراً مربعاً، الذي ما زال مساحة احتقان وتنازع وعدم استقرار.

استقرار لبنان
هو العنوان الرئيسي لخطاب الخط الثالث السياسي، إذ من دون استقرار شامل، ستظل التسوية الداخلية متعثرة، ومعها سيبقى الانشقاق الأهلي مرجعية لكل سياسة، وعليه، لا يمكن الحديث عن افتتاح مسار سياسي، يفضي إلى الوطنية العمومية. فهذه من شروطها الهدوء المديد، الذي يسمح بمراكمة سياق سياسة هادئ، يسمح بدوره لتوليد وابتكار مقاربات تتجه صوب العام، وهي لا تخاصم الخاص، وتتجاوز "الفئة" ولا تتجاهلها، وهي تعيد تشكيل الأوزان الحقيقية للكتل المتساكنة، وفق مكيال الواقع وميزانه، وليس وفق الطفرات الفئوية لهذه المجموعة الأهلية أو تلك.

تغيير العناوين
طلباً للاستقرار، وحرصاً على إمكانية مباشرة السير إليه، تقتضي المخاطبة الثالثة دعوة المتراشقين بالاتهامات، وبعناوينها وشروحاتها، إلى مغادرة قصووية الخطب الصوتية، والاحتكام إلى إجبارية الصياغة التي هدفها جلوس الجميع إلى طاولة سواء. المغادرة مطلوبة في ذاتها، ومطلوبة بهدف استبدالها، وفي ذلك يمكن ذكر الآتي:

1- شعار الاحتلال الإيراني:
يجافي الشعار الواقع، فلبنان تجتمع فيه "سلّة نفوذ" خارجي، من ضمنها النفوذ الإيراني، ويصح القول إن هذا النفوذ هو الأثقل تأثيراً في لبنان، لكن ذلك بسبب من اتكاء كتلة أهلية داخلية على إيران، وليس بسبب الوجود المادي لقوة احتلال إيرانية. عليه، ليس واقعياً جَعْلُ كتلة مذهبية بعينها، جالية في بلادها، والأصوب نقاش معادلة الاستقواء في نسختها الجديدة، ذلك أن الكتل الأهلية اللبنانية ما زالت تستدعي "خوارج" تستقوي بها في نزاعاتها الداخلية.

2- شعار عملاء إسرائيل وأميركا:
هذا الشعار أسقطه اتفاق الطائف وما يصحّ في رفض شعارية الاحتلال الإيراني، بقوة طائفة محدّدة، وما يصح في رفض اتهام طيف واسع من اللبنانيين بالعمالة والخيانة، بسبب فن مخالفة الطيف السياسي، وبسبب من رفض ما يعتبره هيمنة شاملة تقودها المذهبية الشيعية.

3- المؤامرة السعودية:
المملكة العربية السعودية، تشكّل عمقاً عربياً للبنان "العام"، وهي مرجعية أولى للسنيّة السياسية، يسقط اتهام المملكة بالتآمر على لبنان، بشهادة تاريخ العلاقات اللبنانية السعودية، وبشهادة الدعم المالي الذي توفّره دول الخليج العربي للوضع اللبناني. في هذا المجال تتقدم السعودية حملات الدعم، وقد تقدمت الموقف العربي الخليجي العام، بعد حرب 2006 على لبنان، الذي كان شهادة حيّة على ما ذهبنا إليه.

4- نزع سلاح حزب الله:
هذا شعار "حرب أهلية" فلا سياسة عزل الحزب صائبة، ولا الدعوة إليها جدّية، ولا إمكانية تنفيذها متاحة.

الأجدى، والأصوب، قراءة سلاح الحزب، ضمن سياق رؤية الشيعية لمصالحها، ولما تراه ضمانة لهذه المصالح. لا يخفى أن الشيعية ترى في سلاحها ضامناً أساسياً، حتى لا نقول وحيداً. لذلك، يجب توجيه الانتباه إلى موضوع الضمانات، لتبيان صحة النظرة الشيعية إليه أو خطلها. وعليه، ولأن الحديث حديث مصالح داخلية، وحديث ضمانات "ذاتية"، على من يرفع شعار نزع سلاح الحزب، أن يدرك أنه يطلب نزع ضمانات الشيعية، لذلك هو مُلزم استطراداً بنقاش ضمانات من نوع آخر، لهذه الكتلة الأهلية اللبنانية، وملزم بتعيين السياق الوطني السياسي العام البديل، الذي لا يلحق الكَسْرَ بفئة، فيأخذ من "مكاسبها" فيضيفه إلى حساب فئة أخرى، بديلة، أو مناوئة، بدل أن تكون الإضافة إلى الحاصل الوطني الدولتي المنشود.

5- شعار المقاومة:
هذا شعار بات حقاً حصرياً لفئة بعينها، وهذا خطأ تاريخي، وادعاء ينفيه الواقع اللبناني. ليس للمقاومة بطرفيها، حزب الله وحركة أمل، أن تختزل تاريخ المقاومة فتربطه بالاحتلال الصهيوني عام 1982، وليس لأي من الطرفين أن ينزعا فعل القتال ضد العدو، من سياق الصراع العربي- الصهيوني، الذي موضوعه فلسطين. مدار النقاش كان وما زال: في سياق الصراع العربي الصهيوني، في فلسطين، وفي عموم المنطقة العربية، ما حصّة لبنان التي لا تتجاوز قدراته؟ للتجاوز حدّان: حدّ الحياد التام، الذي لا يستطيعه لبنان، وحدّ جعل البلد ساحة مفتوحة، مما ينوء به لبنان. الحدّان، عرفهما اللبنانيون، ودفعوا ثمن خلافهم غالباً، عندما توزّعوا على جبهات الحدّين، لذلك يجب رفض التجربة التي ذاق اللبنانيون مرارة يومياتها.

على الضفة المقابلة، تخطئ القوات اللبنانية، عندما تذهب إلى التصدي لشعار حصرية المقاومة، بحصريةٍ تاريخية من عندها.

من قبيل الخطأ إحياء تاريخ الحرب الأهلية، بإعلان عين الرمانة منطلقاً ومرتكزاً لذلك التاريخ. هذه كتابة تاريخ نزاعي، تستحضر قوى ماضية مناوئة كان في عدادها "الحركة الوطنية اللبنانية"، ولم يكن حزب الله طرفاً فيها، لأنه لم يكن موجوداً ككيان. وكانت حركة المحرومين بقيادة الإمام موسى الصدر ضد الاقتتال الذي اندلع بين اللبنانيين. تكراراً ليس الموضوع موضع سؤال: لمن الأسبقية في المقاومة بل هو موضوع كل المسألة الصراعية مع العدو الصهيوني في الماضي وفي الحاضر، وما هي الدروس المستفادة من كل ذلك التاريخ وما العمل في ظل ما يصل إليه المجموع من خلاصات؟

6- أي لبنان نريد؟
السؤال ليس أحجية وكذلك الجواب. لبنان المطلوب هو لبنان المستقر، المزدهر، منتج التسويات الداخلية الواقعية، المتصل بالعالم الخارجي، المندرج في سياقه العربي، المنفتح على قضايا العولمة الإنسانية، المدرك لحقيقة تعدديته، القادر على إدارة هذه التعددية إدارة تطور سياقها، وتغنيه، بما يجعل كل محطة منطلقاً نحو محطة أعلى على سلّمِ إعادة إنتاج الوطنية اللبنانية وتطويرها وإغنائها.

أخيراً.. مكان الخط الثالث، أو البيان الآخر، يبدأ من بيئته أولاً ثم الانطلاق إلى ملاقاة خطوط ثالثة أخرى على مستوى وطني عام، حاصل رؤى الخطوط ليس أقل من وثيقة ميثاقية جديدة تتضمن قراءة الوضع الراهن وتحيط بمجمل معضلات البنية اللبنانية وتشير إلى طريقة تجاوز معوقاتها.

ومن كل ذلك يتقدم "الثالثيون" إلى لبنان في محيطه العربي وإلى المحيط العربي وجواره وإلى معنى الرسالة العالمية التي ما زال اللبنانيون يصرّون على أنهم من أصحابها.

هل نكرّر؟ التكرار مفيد: نقترع للاستقرار اللبناني. ندعو إلى إسقاط الشعارية السائدة. نطرح للنقاش معضلات الفئويات الطائفية والمذهبية، من دون تسفيه، ومن دون موافقة على ادعاءاتها غير الحقيقية.

من الداخل، وإلى الداخل. وعلى حقائقه تنهض كل حركة سياسية جديدة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024