جيفري فيلتمان: خطة الحكومة اللبنانية مليئة بالتمنيات

سامي خليفة

الثلاثاء 2020/05/05

نشر معهد "بروكنغز" دراسة للسفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان (4 أيار 2020)، تناول فيها خطة الإصلاح الاقتصادي التي كشفت عنها الحكومة اللبنانية، معتبراً أن التحدي الذي يواجه حكومة حسان دياب سيكون في إقناع المانحين أن هذه الخطة لا تعزز هيمنة حزب الله في دولة متصدعة ومهترئة بشكل متزايد، إن لم تكن ضعيفة وغير موجودة من الأساس.

مقاربة تطغى عليها الأمنيات
تطلب خطة الحكومة الطموحة، حسب فيلتمان، مساعدة صندوق النقد الدولي الذي استبعدته الحكومات السابقة، خوفاً من أن يكشف تدخل صندوق النقد الدولي عن المدى الحقيقي للتعفن الحاصل في لبنان. وتتضمن الوثيقة التي تحدد خطة الحكومة إحصائيات تستعرض مدى سوء الأمور، وتشمل: 53 في المئة من التضخم هذا العام، معدل فقر يقارب 48 في المئة من السكان، وقاعدة صناعية تمثل فقط 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

تتطرق الخطة أيضاً إلى قضايا تتراوح من عبء الديون الخارجية إلى الخلل في توليد الطاقة، وتشمل الإنتاج الزراعي وحماية البيئة. وتوضح أنه ينبغي على جميع اللبنانيين أن يتوقعوا نوعاً من "قص الشعر" الاقتصادي والمالي لتحقيق التحول المنشود في بيروت.

لكن هذه الخطة ورغم بعض الإيجابيات التي تحملها، والتحليل المفصل والمعقول فيها، إلا أنها تعتمد، وفق فيلتمان، على بعض الأمنيات، خصوصاً فيما يتعلق باستعداد الشركاء الخارجيين التقليديين للبنان للتدخل والمساعدة، بينما يتركز اهتمامهم راهناً على استراتيجيات احتواء فيروس كورونا المستجد، وتخفيف إجراءات العزل واستعادة الانتعاش الاقتصادي.

علاوةً على ذلك، حتى إذا تم إعطاء مؤلفي الخطة ( استشاريو شركة "لازارد") بعض حسن النية، يبقى السؤال ما إذا كانت حكومة التكنوقراط التي تشكّلت من "لون واحد" وبدعمٍ من حزب الله وحلفائه، ستكون قادرة على تحقيق الإصلاح بطريقة شفافة وغير منحازة، لتعزيز انتعاش اقتصادي مستدام، بقيادة القطاع الخاص، في دولة ضعيفة ومترهلة.

يشير فيلتمان أن هناك مخاوف من أن تواجه خطة الإصلاح هذه مصيريّن كارثيين: فإما ستكون مثل العديد من سابقاتها في لبنان، لن يتم تنفيذها أبداً، أو نظرًا للهيمنة غير المسبوقة لحزب الله وحلفائه، تُنفذ بطريقة حزبية مشوهة، حتى لو لم يكن ذلك ما يريده دياب ووزرائه. في كلتا الحالتين، سيتبخر أي اهتمام من قبل الجهات المانحة الخارجية لمساعدة لبنان.

القطاع المالي
باستخدام لغة مصممة لجذب المتظاهرين الذين احتلوا الشوارع بعد ثورة 17 تشرين، تتناول خطة الحكومة المشاكل في القطاع المصرفي اللبناني الذي يسيطر عليه القطاع الخاص. ولفتت الخطة إلى أن تباطؤ تدفقات رأس المال إلى لبنان، أثبتت حتى أن أسعار الفائدة المرتفعة غير المستدامة على العملات الأجنبية التي تدفعها المصارف، غير قادرة على منع هروب رأس المال. لذلك، وفي أواخر عام 2019، وفي غياب أي قوانين رسمية، بدأت المصارف اللبنانية بفرض ما تسميه الوثيقة ضوابط رأس المال "الفعلية" أو "غير الرسمية".

وفقاً للخطة المعهودة، ستقوم الحكومة "باستعادة المبالغ التي هُربت من البلاد بشكل غير قانوني"، كما سيتم "تخفيض أسعار الفائدة المرتفعة على الحسابات بالدولار". لكن هذه النقاط تثير، حسب فيلتمان، تساؤلات عديدة وأهمها: بالنظر إلى أن المصرف المركزي اللبناني لم يفرض قيوداً موحدة على رؤوس الأموال على الصعيد الوطني، فهل كان تحويل الأموال إلى الخارج في أواخر عام 2019 جريمة بالفعل، أم أنه مجرد فعل غير وطني؟ وهل ارتكب المودعون المصرفيون، بما في ذلك المودعون التجاريون والأفراد الأجانب جريمةً، حين قبلوا أسعار الفائدة المرتفعة المعروضة؟


تتحدث الخطة عن الدمج الطوعي أو القسري وعمليات الدمج وبيع الأسهم في المصارف اللبنانية إلى شركاء أجانب. وفي حين أن الإصلاح والاندماج المصرفي مطلوبان بلا شك، إلا أنه يمكن أن تكون هذه العملية مشوهة. وهنا يقول فيلتمان، أنه بصرف النظر عن سلوك المصارف مع المودعين، وتصرفاتها غير المسؤولة والوقحة، فقد قامت إلى حد كبير، تحت ضغط الولايات المتحدة، بإخراج الحزب من القطاع المصرفي لتجنب العقوبات الأميركية. وقد قدمت المصارف التي يسيطر عليها القطاع الخاص ثقلاً موازناً لحزب الله داخل النظام اللبناني، فلم يرغب أحد في رؤية فشل مصرفي جماعي.

ويجزم السفير الأميركي السابق، بأن القوى التي تقف وراء الحكومة الحالية ليس لها مصلحة في الحفاظ على استقلال القطاع المصرفي. وحتى مع المشاركة المتوقعة للخبراء الدوليين، يمكن أن تتطور رقابة الدولة على الإصلاح المالي الأساسي إلى سيطرة الدولة، التي يسيطر عليها حزب الله، على القطاع المصرفي. وسيكون المشرفون الدوليون عاجزين عن منع تعدي حزب الله على القطاع المالي، خصوصاً مع الجمهور الغاضب غير القادر على الوصول إلى أرصدته المالية.

أهداف غير واقعية
يمكن أن تتحول مكافحة الفساد التي تشتد الحاجة إليها، وهي أيضاً مطلب  للمتظاهرين في الشوارع، إلى أداة حزبية يستخدمها حزب الله وحلفائه لملاحقة أعدائهم السياسيين. لذلك، يطرح فيلتمان بعض التساؤلات كالتالي: هل سيكون دياب ووزراؤه قادرين على تحمل ضغوط حزب الله ووزير الخارجية السابق جبران باسيل، للنظر بشكل انتقائي وسياسي في مزاعم الفساد؟ أم هل ستصبح تحقيقات الفساد وسيلة لتطهير العناصر السياسية والاقتصادية المناهضة لحزب الله من الساحة العامة، ووضع اللمسات الأخيرة على سيطرة الحزب على الدولة والاقتصاد اللبناني؟

في حين أن آليات مكافحة الفساد الموضحة تشمل "مكافحة التهريب عبر جميع نقاط الدخول إلى الدولة"، ستكون هذه الحكومة بالتأكيد عاجزة عندما يتعلق الأمر بنشاط التهريب الخاص بحزب الله، والأنشطة الاقتصادية غير القانونية التي يقوم بها.

يتوخى برنامج الحكومة أيضاً إنشاء بعض الكيانات التي ستدير أصول الدولة، وتتلقى الأموال "التي استردتها" من الفساد وتدفقات رأس المال ومدفوعات الفائدة المفرطة. ومن المتوقع أن تدار هذه الكيانات من قبل مزيج من الخبراء الدوليين واللبنانيين من جانب الحكومة، والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وفي حين أن هذا قد يكون على الورق وسيلة لانتزاع السيطرة الفعلية على بعض ممتلكات الدولة، والاحتكارات، وتراخيص الاستيراد وما إلى ذلك من المخصصات الطائفية السائدة، التي تسمح تقليدياً للسياسيين اللبنانيين، بتمويل أنفسهم، يبقى الخوف من استغلال هذه الإجراءات لتغيير النظام اللبناني برمنه.

كما تقدم الخطة وملاحقها تفاصيل حول خلق فرص العمل والنمو، والتي يظهر بعضها على أنها أكثر واقعيةً من غيرها. أما الحديث عن مضاعفة عدد السياح، فهو كما يرى فيلتمان، حلم مزعج، إذ أنه من غير المرجح أن يعود الخليجيون إلى بلد تسيطر عليه إيران بشكل متزايد، ويتحدث فيه جبران باسيل بشكلٍ متكرر عن "التهديد الديموغرافي السني" و "الإرهاب السني" لتبرير ولائه للحزب. كما إن تصنيف ألمانيا والمملكة المتحدة لحزب الله ككيان إرهابي، قد يجعل الأوروبيون "الراقون" حذرين قبل اتخاذ قرار بالسفر إلى لبنان.

شروط المانحين
مهما كانت عيوب الخطة، يرى فيلتمان أن الاقتصاد اللبناني لم يعد يخدم مواطنيه. وبرأيه، فإن تدفقات رأس المال من التحويلات وعوائد الفائدة المرتفعة، التي أخرت انهيار لبنان لسنوات، لن تعود بشكل سحري.

من المحتمل أن تتركز جهود الأطراف الدولية بشكل عام على كيفية معالجة الاقتصادات الأكثر دماراً بسبب فيروس كورونا، ومع ذلك فإن الفاعلين الخارجيين الذين يهتمون بلبنان لديهم سبب للتشكيك بمصداقية المسؤولين في لبنان، بالنظر إلى الوعود السابقة المخلّة بالإصلاح. وبينما شهدنا رد فعل معقول من الشركاء الدوليين، يقول "حسناً، لقد قرأنا خطتكم ونعمل الآن على حشد الدعم". ستكون هذه المساعدات تدريجية وقائمة على شروط اقتصادية وسياسية صارمة. 

لمنع الدعم الخارجي من تعزيز مصالح حزب الله وسوريا وإيران في لبنان، عن غير قصد، سيحتاج المانحون إلى التأكد أن التنفيذ يتطلب مشاركة وتوافقاً أوسع للقوى السياسية اللبنانية لا الدعم الأحادي لحكومة دياب. وإذا تم استيفاء هذه الشروط، فسوف يتطلب الأمر قيادة قوية من الأميركيين والفرنسيين لتجميع ائتلاف داعم، على استعداد لزيادة برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير.

كل هذا يفترض، حسب فيلتمان، أن الدولة اللبنانية القادرة على تنفيذ البرامج لا تزال موجودة، وأن المجتمع الدولي لا يزال بإمكانه أن يتعاون للمساعدة في منع الوضع اليائس من أن يصبح أسوأ (سواء من ناحية البؤس الشعبي أو من زحف حزب الله في استيلائه على الدولة).

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024