فلتكن حرباً أهلية عظيمة

جهاد بزي

الخميس 2019/07/04

تعالوا نتحارب.

يلتقي أولئك، جميعهم، في البرلمان ويقررون فتح باب الحرب الأهلية لثلاثة أشهر، مرة واحدة وأخيرة.

نشاط جماعي نفرّغ فيه أحقادنا وطاقاتنا كافة. كل ما إلتبس علينا من نهاية الحرب الأهلية الأخيرة. مخاوفنا الدفينة. طائفيتنا. عنصريتنا. شوفينيتنا. صورنا الموهومة عن جماعتنا وعن جماعات الآخرين. تصوراتنا عن تاريخ بلدنا وحاضره وما نريده من مستقبله، ومستقبلنا. نضع كل أوراقنا على الطاولة، ونطلق صراخ الحرب. والجماعة التي  تفني كل الباقين، تعلن انتصارها الأبدي، وينقضي الأمر.


الله يعلم كم جرّبنا ولم ننجح. جربنا أن نتبادل الحب والعناق والأحلام، ووجدنا أننا نتكاذب. التجريب المستمر منذ 29 سنة على نهاية الحرب أرهقنا، وأودى بنا، في ما أودى، إلى انهيار تام وشامل. سياسي وأخلاقي وثقافي واقتصادي. سقف الأمنيات الآن هو البديهيات، الكهرباء والماء والمدرسة والمستشفى. أقل الثقة بالحيز العام. أقل الإيمان بالدولة ومن يديرها. سقف الأمنيات أن لا يموت الأطفال برصاص احتفال طائش. وأن يتعلموا ولا يذلوا إذا ما عجزنا عن تأمين أقساطهم. ألا يرتفع السلاح كلما غضب أرعن، زعيما كان أم عنصرا عند الزعيم. ألا يظل هذا السلم الأهلي هشاً إلى الأبد. أن نفهم، على الأقل نفهم، كيف يدور البلد بنا وندور به. والسقف يهبط.

لقد فشلنا، زعماء وطوائف. فلنضع حدا لكل هذا. نستأصل الهشاشة من السلم الأهلي، ونعلن الحرب العظيمة. ولأن الحروب بطبيعتها قذرة، فكل شيء فيها مباح. بل إنها لن تنجح ما لم تقم على الإباحة. الإبادات الجماعية. الترحيل القسري. أفران الغاز. يمكننا أن نستلهم من التاريخ القريب كما البعيد، وسنكون خلاقين كما اعتدنا كلبنانيين.


سيجري الدم غزيراً وسيكون دمار ودموع وجوع. لكنها تضحية واجبة علينا جميعا من أجل لبنان. حتى الجماعات التي ستفنى ستكون شهيدة قيامة البلد من رماده. الجميع سيكونون شهداء لبنان، بلا قتلى. وفي النهاية، لن تبقى إلا جماعة واحدة، متجانسة جينياً وسياسياً ودينياً وعرقياً. وستعيش مع نفسها سعيدة إلى الأبد.

الفرقة الناجية ستتمدد على طول البلد الصغير وعرضه. لا أحد فيها يخاف من أحد. لا زواج مختلطاً، ولا حاجة إلى قبرص. لا لبنانيات يطالبن بانتقال جنسيتهن إلى أبنائهن. لا خلاف على التاريخ ولا على كتابه. لا انتخابات حتى ولا فراغ ولا تصريف أعمال. لا فروع للجامعة اللبنانية بحسب الطوائف ولا توظيف بناء على المساواة بين المذاهب. لا نقاش يدور حول كمية ونوعية. ستكون الكمية هي نفسها النوعية، وكبير القبيلة الأوحد يقرر عنا وعنها الأنسب لنا، وهو الأعلم بنا، ولا أحد ينافسه علينا.


إلى الحرب.
يجب أن نحدد الوقت سلفا، ونمنع تجديدها أو تمديدها لمرة استثنائية واحدة. ولتكن حرة تماما، من دون أن يشرف عليها أحد. يمكن لمن يحب الاستعانة بدول أخرى، لكن العالم فقد اهتمامه بالبلد الذي إنقطع عن أي أهمية، حتى باتت الصورة الأخيرة المحفوظة عنه هي تلك التي دفن فيها تحت نفاياته.

هذه لحظتنا المؤاتية لحسم الأمر. ليس علينا إلا تحديد ساعة الصفر ثم ننفلت بعضنا على بعض، بالصواريخ والقنابل والرشاشات والسكاكين والأسنان والأظفار. غابة والبقاء فيها للأشرس.

فلتكن حربا، ولتكن عظيمة. فلندخل الغرفة المعتمة ونفتح الستائر ونوقظ هذه النائمة. نوقظها، وليلعننا الله. أي لعنة جديدة لن تكون أسوأ من هذه التي تلتف حول أعناقنا، منذ ما شاء الله وشئنا.   

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024