قدامى العونيين يثبّتون انقلابهم على باسيل بذكرى 13 تشرين

جنى الدهيبي

الجمعة 2019/10/11

لن يكون يوم السبت في 12 تشرين الأول عاديًا في مسيرة التيّار الوطني الحرّ، على الوجهين السياسي والشعبي. مناصرو هذا التّيار وخصومه، وقبلهما رئيسه الوزير جبران باسيل، ستتجه أنظارهم نحو القداس الذي يحييه قدامى التيّار وعمدائه، في ذكرى معركة 13 تشرين الأول 1990، في كنيسة الصعود في الضبية. هذا القدّاس، يأتي قبل يومٍ واحد من قدّاس رسميّ للتيار، دعا إليه باسيل في الساحة العامة في بلدة الحدث، يوم الأحد في 13 تشرين الأول.

التحولات الجذرية
رمزية الذكرى التي تشكّل خطًا فاصلًا في المسار التاريخي لمؤسس التّيار، رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد أن "ناضل" ضدّ الاحتلال السوري وخرج من قصر بعبدا تحت قصف طيرانه، تختلف أبعادها هذا العام. وهي تترافق مع إحياءٍ لقدّاس عوني معارض خارج عباءة باسيل. وكأنّه الإعلان الرسمي الأول لحالةٍ عونية مناهضة ومعارضة للحالة "الباسيلية". ومن يراقب مسار التيار منذ أن تولى باسيل رئاسته، يدرك أنّ هذه الحالة العونية المعارضة، هي نتاج طبيعي للتحولات الجذرية التي عصفت بالتّيار، وأطاحت بكبار مناضيله وعسكرييه، الذين رحلوا بقرارٍ شخصي، أو رُحّلوا بقرارٍ حزبي.

ورغم أنّ قدّاس السبت يضم "رفاق شهداء 13 تشرين"، كما يطلقون على أنفسهم عمداء ومتقاعدين، مثل أسعد يعقوب، رياض قمير، جورج نادر، بسام عيسى، سمير الحاج، أنطوان عبد النور، هاروتيون كوك كوزيان، مارون بدر، إلّا أنّ الأنظار ستشخص إلى صهر الرئيس عون، النائب شامل روكز، الذي سبق أن أعلن مشاركته في قداس السبت، إلى جانب رفاقه الضباط والمتقاعدين، وأنّه سيقف إلى جانبهم، من دون أن يكون له كلمة، بينما سيقاطع "قدّاس باسيل" الرسمي يوم الأحد، كنوعٍ من ترسيخ موقفه في الابتعاد السياسي عن التيار ورئيسه.

القيادي السابق في التيار الوطني الحرّ أنطوان نصرالله، يؤكد في حديث لـ "المدن" أنّ الهدف من إحياء القدّاس مع "رفاق الشهداء"، هو للتذكير بنضالهم وتصحيح المسار الحقيقي لذكراهم المقدّسة. فـ "القدّاس ينظمه لأول مرّة رفاق الشهداء، الذين كانوا جزءًا من تلك المرحلة، والنائب روكز كان واحدًا من المحاربين، ومشاركته معنا طبيعية ضمن إطار وفائه لشهداء الجيش، والأمر لا يحتمل كلّ هذه الشكوك والخلافات". ومنظمو القداس، هم ضباط ورتباء وأفراد الجيش اللبناني، الذين كانوا يحاربون في تلك الفترة، وطبعًا مع شباب ومناضلي "الخطّ التاريخي" للتيار، كما يسميه نصرالله.

قمع فكري
شكّل قدّاس "رفاق الشهداء" استفزازًا كبيرًا لباسيل، يعبّر عنه بشتّى الطرق غير المباشرة، وهناك من ينتظر إطلاق سهامه نحوهم في الكلمة التي سيلقيها في قدّاس الأحد. يقول نصرالله: "ثمّة تضييق علينا بأساليب متعددة، لكننا لم ولن نكترث، والعدد ليس هاجسنا، وإنما هاجسنا هو تصحيح الوضع في لبنان والمسار الذي ينتهجه التيار". أمّا عن الضغوط، فـ"قد تعودنا عليها، من تخوين وترهيب والاستباق بالأحكام. كأن القداس موجه ضد العهد ورئيس الجهورية، مع حملة إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي ضدنا". وهذه، "مع الأسف، واحدة من أدوات القمع الفكري التي ينتهجها باسيل، ومحاولة اختزال كل شيء بشخصه، بينما كان يمكن أن يمرّ القداس بسلاسة وسلام، لكن جبران لا يرضى بذلك طبعًا".

يستشرف نصرالله المستقبل، ويشير أنّ هناك حركة كبيرة مقبلة سيشهدها البلد، تحت السقف المعارض، على أن تضم قوى عديدة ومواطنين من تيار "الخطّ التاريخي" للعونيين. هذا الاستشراف الذي يترصده باسيل، يقابله باتهام معارضيه العونيين أنّه يشتهون الانخراط بالسلطة، وأنّ اعتراضهم نابع لكونهم خارجها. لكنّ نصرالله يوضح بالقول: "لو أردنا أن نكون في السلطة، كنا وقفنا إلى جانب حلفائهم الحاليين في السلطة، مثل إيلي الفرزلي والياس بو صعب وسليم جريصاتي. كنا مشينا معهم، منذ أن نقلوا البارودة من كتف لكتف، وكل ما يقال لا قيمة له على الإطلاق". يعتبر نصرالله أنّه مع رفاقه يقف بموقع قوّة وليس ضعفًا، وهو ما يشعره مع تفاعل جزء كبير من الشارع المسيحي معهم. "لقد تفاجأنا بردود أفعال إيجابية،  وكأنّ أهلنا كانوا ينتظرون هذا الصوت الصارخ". لكن، من يتحمل مسؤولية ما وصل إليه التيار من تشرذم وانقسام عمودي؟ يجيب: "بالطبع ليس رئيس الجمهورية، لأنه رئيس كلّ لبنان، وإنما جبران نفسه من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه أمورنا".

قمع الحريات
يتطرق نصرالله إلى مسألة قمع الحريات المستشرية في البلد، والتي يلجأ إليها التيار بأجهزة الدولة وقضائها، ويؤكد أنّ "جميع الأحزاب المشاركة في السلطة، تتحمل مع التيار مسؤولية الحالة القمعية التي نعيشها، لأنهم شركاء أساسيين مع التيار في الحكومة ومجلس النواب وفي الانتخابات النيابية التي تحالفوا فيها سويًا، وهم يسعون جميعًا لإسكات المعارضين"، يتابع: "نحن كقدامى تيار، مع نظرية تطبيق دولة العدالة وليس دولة القانون. لأن كل المستبدين، استعملوا القانون من أجل السيطرة على الدولة. أما العدالة، فهي وحدها الكفيلة بحفظ حقوق المواطنين والدولة".

والتيار الذي كان يُشهد لمعارضته للنظام السوري وممارسته، "انخرط بالسلطة، ومع الأسف، سنتفاجأ بقداس الحدث الذي ينظمه، بوجوه مؤيدة للنظام السوري، وأصبح لديها وجود في التيار وتحولت لكيانٍ مؤثر داخل تركيبته". أمّا المسيحيون، فـ"هم لا يريدون دولة تقمعهم، بل دولة تؤمن لقمة معيشتهم ولا أن تهجر أبناءهم، ويريدون مثل كلّ أبناء الطوائف الأخرى، دولة تؤمن العدالة للجميع، وليس عدالة نسبية ومتعلقة ببعض الأشخاص".

يتوقع نصرالله باستمرار التيار في هذا النهج، أن يتقابل مع استقالة شريحة واسعة من المسيحيين من الحياة السياسية، لا سيما أنّ تاريخه لم يكن "حبّاب" سلطة، و"لا يمكن أن يستمر بهذا الأسلوب السلطوي، وقد يكون هذا آخر جيل مسيحي فاعل في لبنان، إذا لم يحدث أي تغيير طارئ". وانحدار التيار إلى هذا المستوى، "بعدما كان حالة نضالية، جاء تحوله إلى حالة حزبية تابعة لشخص جبران باسيل"، ويسأل: "هل نشهد أصلًا موقفًا للتيار؟ وهل يتجرأ أحد منهم الحديث خارج سقف باسيل؟".

وبكل الأحوال، قداس السبت، "ليس إلا جزءًا بسيطًا مما نقوم به ونحضر له، وصولًا إلى عدم الاستسلام لهذا الواقع الذي يفرضه جبران باسيل". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024