هذا هو حزب سبعة: بيعوا الدولة!

علي نور الدين

الجمعة 2018/04/06

لم يشهد ما يُعرف بالمجتمع المدني في لبنان ظاهرة مثيرة للجدل أكثر من حزب سبعة. ظهر الحزب على الساحة السياسيّة منذ نحو سنة ونصف، بوصفه "المنصة الوحيدة العابرة للطوائف"، وفق الحزب، واضعاً نفسه كبديل "عصري" في مواجهة الأحزاب "التقليديّة". بدأت الأخبار تتوالى: مكاتب مركزية فاخرة ومكلفة، وفروع بدأت تفرّخ سريعاً. بذخ على الدعايات التلفزونيّة والافتراضية وفي الشوارع، رواتب ومتفرّغون، وخطاب عمومي يركّز على القدرة على تسويق الحزب نفسه بدل التركيز على طروحات سياسيّة بديلة. هذه الضبابيّة في الطرح السياسي، مع السخاء المالي، كانا عاملين أججا التساؤلات حول الأهداف الفعليّة للحالة الوليدة.

للحزب لائحة "متبرّعين" معلنة كما تفعل الحملات المدنيّة عادةً. لكنّ هذه اللوائح نفسها كانت عرضة للتشكيك في وسائل الإعلام من قبل العارفين بالأسماء المنشورة. ثمّة من يهمس: مؤسس الحزب وأصدقاؤه رجال أعمال معروفون، هذا يحل اللغز وينقذ الحزب من اتهامات أقلّها التمويل المشبوه. لكن السؤال يبقى عن الخلفيّة والفكرة من إنفاق هذا الكم من المال السياسي في حزب مدني و"عصري".

البرنامج الانتخابي: معرض استثماري
لحزب سبعة اليوم 20 مرشّحاً ضمن تحالف وطني، الذي يخوض الانتخابات بإسم "المجتمع المدني". وهو ما يجعله الطرف الأساسي والأكبر ضمن التحالف. هنا، يصبح السؤال عن برنامج الحزب الانتخابي ضروريّاً، خصوصاً أن الحزب قدّم للمرّة الأولى برنامجاً مفصّلاً يعكس طموحات محدّدة.

يمكن القول إنّ البرنامج الانتخابي متطرّف في ميله إلى تحرير القطاعات الإقتصاديّة من قبضة الدولة، تارة عبر الدعوة إلى الخصخصة الصريحة، وطوراً عبر مفاهيم "الشراكة مع القطاع الخاص"، التي تنضوي في كثير من أشكالها تحت مظلّة المفهوم العام لخصخصة القطاعات العامّة. في شكل ما، يصبح البرنامج نوعاً من عرض للفرص الاستثمارية المتاحة عبر إنسحاب الدولة من أدوارها.

في الاتصالات، سيفتح سبعة القطاع أمام منافسة الشركات الخاصّة، وهو القطاع الذهبي الرابح للدولة اللبنانيّة رغم حاجته إلى إصلاحات. باختصار، سيعني ذلك تنازل الدولة عن القطاع الرابح برمّته. إذ إنّ عقود الشركات الحاليّة هي عقود لإدارة القطاع فحسب، بينما طرح سبعة سيعني تسليم القطاع بأسره إلى الشركات الخاصّة.

المياه نفسها ستكون فرصة استثماريّة كبرى للقطاع الخاص في مشروع سبعة. فالحزب سيسعى إلى إنشاء صندوق لهذه الغاية يستثمر فيه "المواطنون والمصارف والمؤسسات الخاصّة". ويقدّر الحزب عوائد الصندوق هذا بـ12% نتيجة الاستثمار في الانتاج والادارة. لكن، ما هو شكل الاستثمار في هذه الثروة الطبيعيّة الذي سيعود بهذه النسبة من الأرباح؟ غير واضح.

الخصخصة ستطاول الطرق أيضاً، ووفق نموذج Build-Operate-Transfer الشهير. سيتم تنفيذ الطرقات الدوليّة والاوتوسترادات الدائريّة السريعة من قبل الشركات الخاصّة، وسيتم فرض الرسوم على السائقين الراغبين بسلوكها، ومن لا يريد: بإمكانه سلوك الطرقات الداخليّة.

سيتم "فتح سوق انتاج الكهرباء أمام الشركات الخاصّة" كذلك. بمعنى آخر، ستتم خصخصة القطاع أيضاً، وهو ما سيحل مشكلة "كلّفت الدين العام أكثر من 30 ألف مليار ليرة". ولعلّ طرح سبعة هو تحديداً الترجمة العمليّة للعبارة التي ردّدها عشرات الخبراء الاقتصاديين منذ التسعينات: "الخطّة تفليس قطاع الكهرباء تمهيداً لبيعه".

وإذا كانت الحجّة هي "الدولة إداري فاشل في قطاع الكهرباء"، فأي دولة فاشلة ستقدر على ضبط العمليّات الاحتكاريّة والأسعار الابتزازيّة في هذا القطاع عند "تحريره" لمصلحة القطاع الخاص؟ وإذا استسلمنا للمافيات في القطاع العام، فهل نأمل أن لا نقع فريسة المافيات نفسها في القطاع الخاص؟

وفي البنود المتعلّقة بالصحّة، يظهر بند غامض بشأن برنامج تأمين مع الشركات الخاصّة يغطّي الحالات التي تستعصي على المستشفيات الحكوميّة، أو في حالات عدم توافر الأسرّة في القضاء. فكيف يختلف هذا النوع من البرامج عن التغطية التي يؤمّنها حاليّاً الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ ولماذا إيجاد شراكة من هذا النوع بوجود الصندوق؟

بالنسبة إلى الشاطئ، سيتم تخصيص مساحات منها لنزلاء فنادق محدّدة، لتعزيز السياحة. وهو تحديداً أحد أشكال تشريع التعدّي على الأملاك العامّة، والتي يسعى كثير من اللبنانيين إلى استعادتها. إدارة الموانئ والمطار سيتم تحويلها إلى شركات خاصّة، والمطار الجديد سيتم إنشاؤه "بروحيّة" الشراكة بين القطاعين العام والخاص، على حد قول البرنامج.

النماذج الستّة مجرّد أمثلة من طبيعة البنود في برنامج الحزب. ففي كل جزء من البرنامج ثمّة شكل من أشكال الخصخصة الكاملة أو المقنّعة تحت ستار الشراكة بين القطاعين العام والخاص. في الواقع، روحيّة البرنامج تنطلق من اعتبار أنّ المطلوب إطلاق العنان للاستثمار ودعم الشركات قبل البحث في أي إصلاحات بنيويّة في طبيعة النموذج الاقتصادي اللبناني.

يتطابق برنامج سبعة مع بعض أجندات المجموعات المدنيّة (ولو كانت أقل تطرّفاً في هذا الشأن)، بينما يتناقض بشدّة مع البعض الآخر. لكنّ المهم اليوم أن يتم فتح النقاش بين المجموعات المدنيّة على أساس هذه البرامج والتوجّهات، بدل حصر النقاش بالخطوات التكتيكيّة الانتخابيّة فحسب، رغم أهميّتها أيضاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024