الأحزاب تخدع المغتربين: سجّلوا أسماءكم قبل فوات الأوان

وليد حسين

الجمعة 2021/10/08
يطلق على الاستحقاق الانتخابي مصطلح "المعركة" الانتخابية. وفي هذه المعركة، كسرُ الخصم يكون في استنزافه، كما هو حاصل اليوم حول تحديد موعد الانتخابات، وفي جدال قوى السلطة وعرض مظالمها بين اقتراع المغتربين أو تخصيص مقاعد لهم في الخارج. والخاسر الأكبر هي القوى المعارضة، التي لا مقعد لها على طاولة التفاوض الحزبية (اللجان النيابية المشتركة)، بغض النظر عن عدم قانونية وشرعية تلك الطاولة، حتى لو كانت تحت قبة البرلمان. 

القوى السياسية عينها تعرف متى وكيف تدير معاركها. وتعلم كيف تتخاصم ومتى تتصالح. تحصي الناخبين وتضع النظام الانتخابي الذي يناسبها. هذا ما حصل في العام 2017 عندما اجتمع الخبراء الانتخابيون للأحزاب ووضعوا نظاماً انتخابياً مفصلاً على قياس زعمائهم في كل دائرة. وهذا ما هو حاصل اليوم في موضوع تأخير موعد الانتخابات واقتراع المغتربين: استنزاف القوى المعارضة في الوقت المستقطع، قبل إقفال باب التسجيل في الخارج. وبعد إقفاله تقرر تلك القوى الخيار الأنسب لها: تخصيص المقاعد أو الاقتراع للدوائر في لبنان. 

خرق مبدأ فصل السلطات
لا هدف ولا دور للجان النيابية المشتركة التي عادت لتناقش قانون الانتخابات، إلا تضييع الوقت أمام اللبنانيين للاستعداد للانتخابات، وتحضير الأرضية لتلك الأحزاب التي وضعت القانون لإجراء حساباتها الانتخابية، واتخاذ القرار وفق مقتضى مصالحها. وفي هذا المجال يؤكد المستشار القانوني في منظمة "كلنا إرادة"، علي مراد، أنه طالما يوجد قانون انتخابي نافذ، تصبح الأمور المتعلقة بالتحضير للانتخابات هي مسائل إدارية وليست تشريعية. بالتالي، لا دور لمجلس النواب واللجان المشتركة فيه، بل المهمة ملقاة على عاتق وزير الداخلية والسلطة التنفيذية. 

ويضيف: لكن ما هو حاصل اليوم شبيه بطاولة حوار الأحزاب المتعلقة بنقاش قانون الانتخابات. واجتماع اللجان المشتركة لم يكن اجتماع نواب بصفتهم التشريعية، وإنما بصفتهم ممثلين للأحزاب المهيمنة في لبنان. وهو إمعان في ضرب المؤسسات الدستورية وخرق مبدأ الفصل بين السلطات. فتحديد موعد الانتخابات لا رأي لمجلس النواب فيه. عندما يحدد وزير الداخلية الموعد، وفي حال كان بحاجة لتعديلات على القانون، ترسل الحكومة مشروع قانون معجل مكرر لمجلس النواب. وليس للأخير أي دور غير ذلك. 

مصالح متعارضة
وحول اقتراع المغتربين، يؤكد مراد أن الجدل الحالي حوله هو نتيجة عدم النقاش المستفيض لقانون الانتخابات في العام 2017. حينها حصرت الأحزاب النقاش بتقسيم الدوائر والنظام الانتخابي وهندسة الصوت التفضيلي. وأقرت الحكومة القانون بجلسة واحدة. وكذلك فعل مجلس النواب. وبما أن القانون الحالي نافذ، فعلى المستوى القانوني يجب على اللجنة المشتركة بين وزارتي الداخلية والخارجية إعداد تصور بهذا الخصوص، ليصبح الاغتراب هو الدائرة 16 ليس أكثر. لكن أحزاب السلطة السياسية تتقصد عدم حسم خياراتها باكراً حول إبقاء و/أو تأجيل بت ملف المقاعد الستة. فما هو حاصل أن هناك مصالح متعارضة بينها، أي بين من يريد حصر تأثير المغتربين في الخارج أو جعله في لبنان. ولن تبت الأحزاب هذا الأمر قبل إقفال باب التسجيل للمغتربين في العشرين من تشرين الثاني. حينها يحصون عدد المسجلين وانتمائهم السياسي وحصة كل حزب منهم. ويقررون تخصيص المقاعد في الخارج أو الاقتراع للداخل وفق مصالحهم.  

تبادل أدوار
ثمة تبادل أدوار بين أحزاب السلطة لا أكثر، كما حصل خلال السنوات العشر الماضية في موضوع قانون الانتخابات، كما يقول مراد. وهذا يؤدي إلى إرباك بين المغتربين حول الإقدام على التسجيل أو الإحجام عنه، خصوصاً في ظل الشائعات عن إمكانية الغاء اقتراع المغتربين. لذا بدأت مجموعات في انتفاضة تشرين بدعوة المغتربين لعدم تسجيل أسمائهم كي لا تضيع أصواتهم، على اعتبار أن تسجيل أسمائهم في الخارج يؤدي إلى شطبها من اللوائح في لبنان، ولا يعود بإمكانهم الاقتراع في الخارج (إذا أُلغي اقتراع المغتربين)، ولا في لبنان بعد شطب أسمائهم عن القوائم الانتخابية.   

لذا، يدعو مراد المغتربين إلى عدم التردد في تسجيل أسمائهم على قاعدة أولوية الانتخاب. فالخيار بين الاقتراع في الخارج للمقاعد الست أو الاقتراع من الخارج للبنان أفضل من البقاء رهن الشائعات. أحزاب السلطة لن تتخذ أي إجراء حقيقي لحسم هذا الجدل باكراً، وفي الأثناء تكون قد سجلت ناخبيها. فإلغاء حق المغتربين غير وارد: هو حق دستوري أولاً، ولا أحد من الأحزاب يستطيع تحمل مسؤولية إلغائه. 

الصوت العقابي
ويعتبر مراد أن الصراع على المقاعد الست سخيف. فلا قيمة مضافة لهذه المقاعد، طالما أن المغترب مهتم بالسياسة في لبنان، وخصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين وسرقة الدولة والمصارف جنى عمره. بالتالي، هو لا يبحث عمن يمثله في الخارج بل عن المشاركة في صنع القرار في لبنان.

وأوضح أن الناخب اللبناني في الخارج ينظر إلى السياسة في لبنان بكليتها، وبمعزل عن الحراك الكبير للمغتربين في كل دول الاغتراب خلال انتفاضة تشرين، يهم المغترب التأثير في دائرته الانتخابية في لبنان وليس في الخارج، وخصوصاً اللبنانيين الذي هجرتهم السلطة في السنتين الأخيرتين. هؤلاء صوتهم اعتراضي وعقابي للسلطة التي أفلستهم وسرقت أموالهم. فهم متضررون بالمباشر من السلطة بعد خسارة أموالهم. والأهم، أن صوتهم سيكون حراً وقدرته على معاقبة السلطة أكبر من أي لبناني بات جائعاً في لبنان. فالأخير عرضة لكل أنواع الضغوط والتطييف، ويمكن لأي حزب أن يقدم له كرتونة إعاشة ويرشيه.  

إشكاليات طائفية
المقاعد الست الموزعة طائفياً قد تؤدي إلى إشكاليات طائفية بين المغتربين. في لبنان بات أمراً عادياً أن تخصص مقعداً درزياً في الشوف، على سبيل المثال. لكن ما الفائدة من وضع مقعد درزي في ريودي جينيرو، أو مقعد شيعي في إفريقيا أو مقعد سني في دول الخليج؟ وكيف تقنع اللبنانيين في أميركا الجنوبية أن المقعد المخصص لهم درزياً أو في أوروبا مارونياً أو غيره؟ وهل الوقت كاف لبحث بهذه التفاصيل؟ يسأل مراد، لافتاً إلى أن ما يجري مجرد كسب المزيد من الوقت لتضييع حق المغتربين، من خلال اقتصار التسجيل في الخارج على مناصري الأحزاب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024