إسقاط كل دعاوى دياب والوزراء السابقين.. والتحقيق بقي معطّلاً!

نادر فوز

الخميس 2021/11/25
هو يوم أسود لخماسي الرؤساء والوزراء السابقين المدعى عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت، والذين أمطروا منذ شهرين إلى اليوم المحقق العدلي والقضاة المعنيين في الملف بدعاوى ارتياب ومخاصمة وطلبات رد ونقل. ردّت اليوم الهيئة العامة لمحكمة التمييز دعاوى مخاصمة القضاة (مداعاة الدولة)، المقدمة من قبل رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزير السابق نهاد المشنوق ضد القاضي طارق البيطار، والمقدمة من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ضد رئيس الغرفة الخامسة لمحكمة التمييز جانيت حنا (ومستشاريها القاضيين نويل كرباج وجوزف عجاقة) ورئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز ناجي عيد (ومستشارته القاضية روزين غنطوس). وكلّفت الهيئة القاضي عيد النظر في دعاوى ردّ البيطار، لتكون قد بتّت بطلب تعيين المرجع المقدّم من الوزيرين زعيتر وخليل. وفي سياق آخر، ردّت القاضية رندة الكفوري دعوى الارتياب المشروع المقدّمة من الوزير السابق يوسف فنيانوس ضد القاضي البيطار. وقبلت دعوى نقابة المحامين ضد المحامي العام التمييزي القاضي غسّان خوري، فكفّت يد الأخير بانتظار البتّ بدعوى الارتياب المشروع المقدمة ضده.

خلاصات القرارات
من هذه القرارات الصادرة اليوم، بات القاضي ناجي عيد المرجع التمييزي المختصّ للبتّ في طلبات ردّ القاضي طارق البيطار. وبالتالي، بات حبل لعب المدعى عليهم المتمثّل بتقديم طلبات ردّ لإعاقة التحقيق ووقف الاستجوابات قصيراً ومحصوراً بغرفة القاضي عيد ومكتبه. ومن خلال هذا القرار، لا بد من أن يصدر موقف واضح عن محكمة الاستئناف لإسقاط جميع طلبات ردّ القاضي البيطار المقدمة أمامها، وإبطالها بالشكل. فيضيّق ذلك مساحة لعب المدعى عليهم أيضاً. أما لجهة القاضي خوري، فإنّ قرار كفوري يضع ملف المرفأ بعهدة النائب العام الاستئناف القاضي عماد قبلان، المكلّف أساساً النظر فيه بفعل كفّ يد خوري. ومن خلاصات هذه القرارات، الأهم، أنّ استجواب المدعى عليهم المتقدّمين بدعاوى مخاصمة القضاة، بات متاحاً. لكن طبعاً بانتظار عودة النشاط إلى التحقيقات والاستجوابات.
إذاً، كان اليوم يوماً أسود بالنسبة للمدعى عليهم، الذين سيلجؤون طبعاً إلى تحويل طلبات الردّ إلى مكتب القاضي عيد. إلا أنه ليس إلا يوماً أسود آخر للتحقيق في جريمة 4 آب، لكون التحقيق لا يزال معطّلاً والمحقق العدلي مكفوفة يده.

البيطار مكفوفة يده
سقطت كل هذه الدعاوى وطلبات الردّ، بينما لا يزال المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مكفوفة يده. وصلت صور الفضاء الروسي لمرفأ بيروت قبل الانفجار وبعده، والبيطار لا تزال يده مكفوفة. لماذا؟ لأنه لم يتمّ إلى اليوم التراجع عن القرار الصادر عن القاضي حبيب مزهر بكف يد البيطار. كيف؟ ثبت، بقرار قضائي صادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، القاضي حبيب رزق الله، أن مزهر تخطّى صلاحياته وتكليفه ووضع يده على طلب الردّ المقدّم ضد القاضي البيطار. فأصدر رزق الله قبل يومين قراراً بالفصل بين الملفين، وهو ما يعني أنّ قرار مزهر باطل، لكونه صادر عن جهة قضائية غير صالحة وغير مكلّفة بالنظر بطلب الردّ.

مماطلة وتباطؤ
ليس مفهوماً بعد لماذا لم تعمل الجهات القضائية المعنية بإصدار قرار التراجع عن قرار مزهر الذي ثبت تخطّيه للصلاحيات. يعود للرئيس الأول للاستئناف القاضي رزق الله اتخاذ هذا القرار أو حثّ الغرف والقضاة على اتّخاذه، من باب المهام الموكلة إليه ومن ضمنها "السهر على حسن سير الأعمال في الدوائر التابعة له وتصريف الأعمال بصورة طبيعية". وانطلاقاً من العبارة الأخيرة، يمكن القول إنه يتوجّب على القاضي رزق الله المبادرة إلى إيجاد المخرج اللازم للعرقلة الحاصلة في ملف التحقيق، لجهة القرار المعرقل الصادر عن مزهر من خارج صلاحيته. وهنا لا بد من التذكير، أنّ القضاء لا يجب أن ينتظر تحرّك أهالي الضحايا أو المتضررين لوضع حدّ للعرقلة، إذ أنّ من مهام القضاة الحرص على سير العدالة والتحقيقات.

لماذا يا رزق الله؟
يُسجّل على القاضي رزق الله، إلى اليوم، تأخره في البتّ بطلب الفصل بين الملفين 69 و72 لعشرين يوماً. وعدم مبادرته إلى إعطاء التوجيهات أو القرارات اللازمة للتراجع عن القرار الباطل الصادر عن مزهر، لجهة تعيين هيئة للغرفة رقم 12 أو حتى إصدار القرار. كما لوحظ خلال الأيام الأخيرة أنّ القاضي رزق الله استقبل في مكتبه، لساعات، وكلاء قانونيين لمدعى عليهم في الملف. في حين أنه طيلة الأسابيع الأخيرة كان وكلاء الدفاع عن الضحايا والمتضررين ينتظرون خارج مكتبه صدور الدخان الأبيض للفصل بين الملفين. لماذا كل هذا التباطؤ يا قاضي رزق الله؟

جواب: لأنّ أحد المراجع السياسية تساءل قبل أسابيع عن سرعة صدور القرارات القضائية التي لا تصبّ في صالح مدعى عليهم في الملف؟ ربما.

ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، إن كان ثمة من سبب فعلي لبقائه على قيد الحياة، فهو أنّ ثمة مجموعة من المحامين مستعدّين للدراسة والقراءة والمراجعة والانتظار لأيام وأسابيع، بنهاراتها ولياليها، لتفكيك أدقّ التفاصيل والتدقيق بكل خطوات العرقلة. لهؤلاء، وإن كان لهم أسماء، لهم أيضاً لقب جامع، "الفرسان الثلاثة". مؤخراً، فضحوا تجاوزات مزهر بعد أن تابعوا الملف من ألفه إلى يائه. هم من سحبوا التحقيق في مجزرة 4 آب من فمّ التنّين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024