هؤلاء حطّموا دولة وشعباً

يوسف بزي

الخميس 2021/11/18

عدا العونيين الذين تضاءلوا نسبياً، لن يجد ميشال عون من يؤيده فعلاً. رئيس جمهورية مخيّب جداً. نصف المسيحيين على الأقل وأغلبية السنّة والشيعة والدروز ومن هم خارج التصنيفات الطائفية أو الحزبية مستاؤون (إن لم نقل ناقمون) من هذا "العهد" الكارثي، والأسوأ في تاريخ الجمهورية.

خاتمة مسيرة ميشال عون السياسية نموذجية في دراما "البطل الفاشل".

والمدهش في إنجازات الرئيس 13 منذ الاستقلال (رقم الشؤم) لا فقط بتبديد رصيده الشعبي بسرعة قياسية، واستنفاده كل الأوهام التي أحاطت به كمقامر متهوّر، بل أيضاً بقضم ونهش مقام رئاسة الجمهورية على نحو معاكس تماماً لخطابه الأبدي عن "استعادة" الهيبة لها أو صلاحياتها المحذوفة من الدستور. فلا هي بعد اليوم حَكَماً متعالياً، ولا هي سلطة واسعة الصلاحيات. وترميم هذا المقام قد يكون أصعب من إصلاح الاقتصاد نفسه.

منذ العام 2016 دأب الرئيس عون على تحطيم رئاسة الحكومة وتحجيم رئاسة البرلمان. وفي هذا المسار الناجح جداً، لم ينتبه كثيراً أنه أيضاً بفعله هذا كان يهشم رئاسة الجمهورية. وكانت المحصّلة دولة محطّمة.

ومن سوء حظنا أيضاً، ومقابل عون، كان هناك سعد الحريري. هذا الرجل حظي بين ربيع 2005 وحتى نهاية 2009 على الأقل، بتأييد شعبي وعطف عام ومؤازرة عربية وعالمية لم يحلم بها أي سياسي لبناني على الإطلاق. حتى والده لم يتمتع بهذا الاحتضان الوطني والعالمي. هو أيضاً، وعلى منوال ميشال عون، برع برياضة الفشل والإفلاس السياسي على نحو مثير للشفقة. رئاسة الحكومة التي منحها رفيق الحريري ديناميكية تنفيذية تفوق معنوياً وإجرائياً صلاحياتها، رغم المسدس السوري الملتصق بصدغه.. لم يُبقِ منها شيئاً الإبن الكئيب محترف الشكوى. نعي الحريرية لم يعد سابقاً لأوانه. لكن أيضاً يمكننا التحسر على مقام رئاسة الحكومة، التي باتت تماماً على مقاس ومثال حسان دياب، السياسي الهزيل والتكنوقراطي الرعديد.. ولن ينجو نجيب ميقاتي من هذا المصير: "أسبرينه" لا ينفع للسرطان.

بدروه، الرئيس نبيه برّي، وعدا طبعاً أنصار حركة "أمل"، كان دوماً مثيراً للريبة، وإذا لم يكن محبوباً خارج الجماعة التي تبايعه، فإنه لم يكن منفراً أكثر من أي سياسي أو زعيم أسلم اللبنانيون طويلاً لوجودهم كقدر وسلطة. إلا أنه ومنذ أيار 2008، صار مصدر مقت وذمّ من كثرة متكاثرة. وعلى الرغم من أن "قوته" تفوق سلطة رئاسة المجلس النيابي، إلا أن "اضطراره" أو ميله المتعاظم لاستخدام تلك القوة بالذات (وهي غير شرعية أصلاً) جعله مصدر ضغينة متزايدة، ليس عند المسيحيين والدروز والسنّة و"أصحاب اللهجة البيضاء"، بل عند شطر لا بأس به في البيئة الشيعية نفسها. ولهذا السبب بالتحديد، كانت رئاسة مجلس النواب هدفاً مفضلاً للتظاهرات الصدامية. وأيضاً كانت مصدراً لعنف نوعي منذ اليوم الأول لانتفاضة 2019، وابتداء من مدينته المفضلة، صور.

ولذا، من الصعب التحدث عن "شعبية" فعلية لهذا الرئيس. والسطوة التي منحها لرئاسة البرلمان، صارت أشبه بإزميل فولاذ على زجاج العمل التشريعي. سلطة شخصية وحزبية (مسلحة) امتصت حتى آخر قطرة دم الديموقراطية اللبنانية.

ويمكننا القول هنا، أن "الأخلاق السياسية" للرئيس برّي كان لها الدور الفتّاك بتحويل النواب ومجلسهم إلى مسرح يحبذ الجمهور رشقه بالبيض الفاسد والحجارة. ولسنا ندري كم من الوقت نحتاج، أو إن كان محتملاً بعد، إعادة الاحترام للسلطة الأولى.

خارج الرئاسات الثلاث، حتماً هناك السلطة المستحدثة غير الدستورية، التي أرساها "زعيم الزعماء" بلا منازع: حسن نصرالله.

الشخصية التي كانها بكل الجماهيرية التي حظي بها، بل و"الحبّ" والوله الذي أحاطه، والشطط في مبايعته إلى حد إضفاء القداسة والبطولة الخارقة على صورته وكلامه وصوته.. كل هذا، وبلا عناء منا أو توضيح كثير، نعرف كيف انصرف وانفرط، وصار سهلاً التطاول عليه أو السخرية منه أو إعلان كرهه ومعاداته. وهو الذي كان نقده "تابو"، اشتكى مرات كثيرة في إطلالاته التلفزيونية من السباب والشتائم المقذعة التي تطاله. لم تتحطم "قداسته" وحسب، بل بات موضوعاً مفضلاً وعلنياً للمقت والسخرية اللاذعة، عدا عن فقدانه بحراً شاسعاً من الشعبية العربية والإسلامية.

تحميله هو شخصياً مسؤولية كل ما أصاب اللبنانيين من كوارث وأزمات (افتراء أو حقيقة)، رياضة وطنية يومية، إلى حد الملل والابتذال. من اليوم "يحبّ" حسن نصرالله، ممن هم ليسوا أنصاراً متعصبين لحزبه؟

وإذا كان هذا حال زعيم الزعماء.. يمكننا تخمين حال البقية.

هؤلاء هم أولاً، سيتذكرهم أحفادنا كرجال حطموا دولة وشعباً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024