الصراع النفطي الإيراني الروسي: خطأ واحد وتشتعل المنطقة

منير الربيع

الأربعاء 2019/01/30

يترقّب حزب الله التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها. ثمة من يتحدّث عن اختلاف استراتيجي بين إيران وروسيا، قد ينعكس في مجالات مختلفة، أو قد يفتح المجال أمام إسرائيل لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية، ضد إيران والحزب في سوريا. وبطبيعة الحال، لا يسقط منطق الخشية من احتمال تدهور الأوضاع في جنوب لبنان، من ثغرتين أساسيتين: استكمال إسرائيل لبناء الجدار العازل، ومروره في نقاط خلافية، تتخطى الخط الأزرق، وتعتدي على الأراضي اللبنانية، أو حدوث عملية قصف تستهدف موقعاً أو عناصر لحزب الله. فأي تحرّك من هذا النوع، سيقابل بردّ عنيف من قبل الحزب، وهذا ما أوضحه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله.

استعدادات حزب الله
تكشف مصادر متابعة لـ"المدن" أن حزب الله بعث رسالة إلى مختلف القوى المعنية، ومن بينها رئيس الجمهورية، ميشال عون، حول استعداد الحزب للردّ على أي استهداف يطاله أو يطال الأراضي اللبنانية. وهذا يعني أن أي ضربة ستتطور إلى مواجهة عسكرية. صحيح أن نصر الله استبعد ارتكاب نتنياهو أي خطأ في لبنان، في مرحلة ما قبل الانتخابات الإسرائيلية، لأنه يعلم أن الخطأ سيكون مكلفاً. إلا أن الحزب لا يسقط من حساباته، إمكانية إقدام الإسرائيلي على شنّ ضربة محددة، قد تودي المنطقة إلى حرب مفتوحة، خصوصاً أنه وفق تقديرات البعض، أي خطأ مقصود أو غير مقصود، سيؤدي إلى إشتعال الجبهات.

وتلفت المصادر إلى أن الوضع الإقليمي غير مريح أبداً، وبخاصة أن الإسرائيلي غير راض على أي من الأمور، سواء في لبنان أو في سوريا. هذا الواقع، قد يدفع الإسرائيلي إلى توجيه ضربة عسكرية، لتعزيز مفاوضاته السياسية مع الروس، وتثبيت مواقعه أو رسم الحدود، التي يريدها آمنة ما بين الأراضي المحتلة وسوريا ولبنان. ويستند هؤلاء، في قراءتهم، إلى التوتر الإيراني الروسي المشهود على الأرض في سوريا، ما يصل بالبعض إلى حدّ اعتبار أن الخلاف الروسي الإيراني على ترسيم مناطق النفوذ، قد يدفع إلى دخول الإسرائيلي لترسيم هذه المناطق، وفق ما يفيده ويفيد الروسي.

وفد في تل أبيب
بالتزامن، تبرز زيارة وفد روسي إلى تل أبيب للقاء المسؤولين هناك. وحسب المعطيات، فإن البحث سيتركز حول الوضع الإيراني في سوريا، على نحو يكّثف الإسرائيلي من ضغوطه لتحقيق أهدافه. وهناك تقاطع مصلحة ما بين موسكو وتل أبيب، على حصر الوجود الإيراني في سوريا، وعلى ترسيم مناطق النفوذ. وهذا ما تجلّى مؤخراً بالمعارك التي دارت بين الفرقة الرابعة والفيلق الخامس، والمسعى الروسي لإبعاد الإيرانيين عن الساحل السوري. ولم تكن معارك حماه تفصيلاً، خصوصاً مع الاستعداد الروسي للدخول إلى جورين، التي تعتبر قاعدة عسكرية إيرانية مهمة قريبة من الساحل. بينما هدف موسكو هو تسيّد السيطرة وحيدة على كل الساحل السوري، والمناطق القريبة منه، لأهداف استراتيجية ترتبط بخطوط النفط والغاز، ولا تنفصل عن الدخول الروسي على الساحة اللبنانية من البوابة النفطية، أولاً عبر شركة نوفوتيك، ومؤخراً من عبر روسنفط، في طرابلس. إذ يسعى الروسي إلى السيطرة على المناطق الأساسية النفطية، وسيكون له دور بارز في حماية بلوكات النفط اللبنانية في الجنوب، التي تعتبر منطقة توتر مع الإسرائيلي. وهو اضطلع بجملة محاولات للجم التوتر، وإيجاد صيغة ملائمة لتوفير مظلّة آمنة للشركات المنقّبة عن النفط في جنوب لبنان.

خط البصرة الإيراني
الدخول الروسي إلى شمال لبنان، لا بد له أن يتقاطع أو يصطدم بالمسعى الإيراني الثابت استراتيجياً بوصل الأراضي العراقية والسورية باللبنانية. وهذا العمل عبارة عن خطّ نفطي قديم يوصل النفط عبر مصافٍ من البصرة إلى حمص وصولاً إلى شمال لبنان. ولطالما سعى الإيراني إلى الدخول في هذا المضمار، في أعقاب مرحلة الاتفاق النووي مع الدول الكبرى. دخول روسيا إلى مصفاة الشمال، لا بد له أن يخفي ضمنياً توافقاً مع الأميركيين، الذين يلتقون على مبدأ وجوب عدم السماح لإيران بتشييد خطّها الاستراتيجي، من أراضيها تجاه لبنان، مروراً بالعراق وسوريا.

وفي حال تطور التوافق الأميركي الروسي الإسرائيلي، لمواجهة الإيراني أو محاصرته، فإن ذلك سيستدعي ردّاً إيرانياً عسكرياً بلا شك، وهذا الردّ قد يكون مهمّة حزب الله الأساسية، والتي تحدّث عنها نصر الله بوضوح، بأنه جاهز لتغيير قواعد الإشتباك، والردّ على أي اعتداء إسرائيلي من سوريا إذا اقتضى الأمر. وهذه الرسالة تتضمن أيضاً تحذيراً موجهاً إلى الروس، بأن أي تماد من قبلهم في التوافق مع الأميركيين على مواجهة الإيراني، فإن ذلك سيستدعي إشعالاً إيرانياً للجبهات، خصوصاً في ضوء المعطيات التي تتحدث عن شروط أميركية مرفوعة بوجه طهران. وبالتالي، إما أن تلتزم بها للاحتفاظ بدورها في سوريا ولبنان، أو أن التصعيد سيكون مقبلاً في الفترة المقبلة. ليس بالضرورة أن تكون هذه الشروط، من تلك التي يرفعها البعض القاضية بالانسحاب من سوريا وتسليم العراق والتنازل في اليمن والتسهيل في لبنان. فغالباً ما تؤدي هذه المفاوضات إلى تسويات الحلّ الوسط، كتشذيب الانتشار الإيراني الواسع في سوريا، وليس الانسحاب التام. روسيا تعلم، أن تفعيل خطّ النفط هذا، بعد دخولها إلى لبنان، لن يكون ممكناً من دون موافقة إيرانية. فأي تصعيد، ستقابله ردود إيرانية تعطّل عمل خطّ النفط هذا، الذي يصل إلى طرابلس، وبالتالي لا يمكن تسييره بلا توافق إيراني روسي.

لذا، قد تحاول موسكو إيجاد حل وسط له، عبر التوسط بين الإيرانيين والإسرائيليين. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024