"المركز العربي" يُراجع 17 تشرين: التدخلات الخارجية في لبنان

المدن - لبنان

الخميس 2020/10/15
اختتم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- فرع بيروت، ندوته بعنوان "مستقبل الوضع اللبناني وسُبل الخروج من الأزمة"، التي امتدّت على ثلاثة أيام بين 13 واليوم 15 تشرين الأول الجاري. وعالجت حلقة النقاش الأخيرة السؤالَ حول "هل الخروج من المأزق اللبناني له شروطه الدولية والإقليمية"؟ فاجتمع المتحدثون والمشاركون في الندوة افتراضياً عبر تطبيق "زوم"، نتيجة الظروف الصحية في ظل أزمة وباء كورونا. قدّم الدكتور بول طبر حلقة النقاش الأخيرة، مشيراً إلى "العطب في الحياة السياسية اللبنانية منذ الزمن العثماني"، وأضاء على مفردات القاموس اللبناني المتعلّقة بعلاقته بالخارج مثل "حرب الآخرين على أرضنا، ولبنان ساحة الصراع الخارجي وجندي في ولاية الفقيه، ومنظمة التحرير جيش المسلمين في لبنان" وغيرها، وما تدلّ عليه هذه العبارات من واقع التدخل الخارجي في لبنان.

متري: هل نستطيع؟
ثم كانت المداخلة الافتتاحية للدكتور طارق متري الذي قال إنّه "لا تخفى على أحد العلاقة الجدلية بين التناقضات الداخلية، الطائفية خصوصاً، والتأثيرات الخارجية، فتستعين القوى الداخلية في نزاعاتها ومناكفاتها بالدعم الخارجي"، وأضاف أنه في بعض الأحيان "تتوسّل السياسات الخارجية العربية والدولية النزاعات الداخلية، ساخنة تارة وباردة طوراً". ولفت متري إلى التفاوت في ارتباط القوى الداخلية بالخارج، وعدم تساويها في الاعتماد على الخارج واستدعاء التدخلات، إذ "باتت العلاقات الخارجية عند البعض ضعيفة قياساً بالماضي، كمثل علاقة فئة بمن كانوا يسمون فرنسا أمهم الحنون، في حين عند البعض الآخر بلغت هذه العلاقات من الديمومة والمتانة ما لم يعرفه تاريخ لبنان". واستعرض متري مراحل الأزمات الخارجية في لبنان وتعذّر المحافظة على التوازنات، ومنها الصراع بين المحاور العربية والوجود الفلسطيني وإزالة الغبن الطائفي والهوية والوطنية وإصلاح النظام وغيرها من العناوين الأخرى. وأكد أنّ "التسويات، الخارجية والداخلية، بقيت في معظمها موضعية ومؤقتة، بما فيها حتى التوافق العربي والدولي على النفوذ السوري في لبنان". وشدّد متري على أنّ "اتفاق الطائف لم يؤد إلى استعادة سيادة لبنان ولا إلى وقف الصراعات الخارجية فيه"، ولفت إلى أنه بعد 2005 "وجد لبنان نفسه متجاذباً بين معسكرين عربيين ودوليين، واشتد الانقسام الداخلي حول الشؤون الخارجية عند اندلاع الثورات العربية، وأهمها تلك التي قامت في سوريا". وأضاف أنّ الدولة اللبنانية "لجأت إلى حيلة النأي بالنفس تجاه إدانة النظام في سوريا، ولو أنه لم يعتمد بشكل صريح ومستمر المبدأ نفسه". واعتبر أنّ فكرة النأي بالنفس تحوّلت إلى فكرة ناظمة للحكومة، فاكتفى لبنان بالتحفظ مرة والامتناع عن التصويت مرة أخرى. وحول موضوع الحياد، اعتبر متري أنّ "مشروع الحياد غير مكتمل المواصفات ومشوباً بالالتباسات، نقاش وسجال آخر عاد وانطفأ كأي سجال آخر في لبنان". وأشار متري إلى كيفية ربط تشكيل حكومة في لبنان أو تعيين وزير للزراعة بالانتخابات الأميركية، ليخلص إلى القول إنه "ثمة استحالة لفصل الخارجي عن الداخلي، وإن نسبياً، فمال فريق كبير وقوي إلى رهن الخروج من مأزقنا الداخلي بالشروط الخارجية، وبعض آخر استعان على الخارج بالخارج، وذلك بقصد عودة لبنان لا إلى وظيفة أرض المنازلة، بل لحمايته وإن لحين من الأحجار الطائشة في لعبة الأقدار، فهل يستطيعون"؟

بو منصف: ترقيع
ثم كانت مداخلة للزميلة روزانا بو منصف التي أشارت إلى اشتداد الصراع الخارجي في لبنان في آب 2019 ومشهد قرار العقوبات الأميركية على جمال تراست بنك. واعتبرت بو منصف أنّ ثورة 17 تشرين "لم يُنظر إليها كحدث داخلي وأنها احتجاجية لها مطالب محقة وواضحة ضد السلطة، والأمر نفسه في العراق. إذ أنّ حزب الله فهم الأمر على أنه ضد الحزب وضد الداعم الإقليمي له لتوازي الثورتين". وقالت إنه تم تحوير الانتفاضة "من حماية القطاع المصرفي إلى تدمير القطاع المصرفي، وهناك أخطاء كبيرة حصلت، إنما الوضع ككل أدى إلى تسارع الانهيار في البلد". وعلى المستوى الخارجي، أشارت بو منصف إلى أنّ "الخارج كان غير مبال بعض الشيء لما يحدث في لبنان، باستثناء فرنسا، وحين تبنى الأميركيون الانتفاضة كان ذلك للضغط على حزب الله وعلى السلطة اللبنانية ومن أجل حكومة فاعلة، وتقليص نفوذ حزب الله وتأثيره على السلطة والقرار". ولفتت بو منصف إلى أنّ "الأمور أخذت منحى آخر، أي كسر حزب الله يستوجب كسر لبنان، والذي حصل، أن العامل الفارق كان انفجار المرفأ". إذ كانت الأمور تسير قبل الانفجار على وتيرة انهيار غير متسارعة "ثم توضحت خطورة انكسار البلد، ومن هنا أتت المبادرة الفرنسية". واعتبر بو منصف أنّ الدول العربية ترى ان انقاذ لبنان "يعني انقاذ السلاح والحزب"، مضيفةً أنّ "التسويات اللبنانية لا تحدث إلا بتدخل خارجي، ولا الظروف الإقليمية ولا الدولية تسمح بذلك ونحن ذاهبون إلى تأجيل للأزمة وترقيع الحل".  

قصير: الاستراتيجيا الدفاعية
أما الزميل والباحث قاسم قصير فأشار في مداخلته إلى انّ "إشكالية علاقة الداخل بالخارج، قديمة منذ تأسيس الكيان، وفي لبنان منذ التأسيس لم يكن ثمة مجال للحياد"، لافتاً إلى أنّ القوى الخارجية تستخدم لبنان ساحة للصراع في السياسة والإعلام والثقافة وعلى مختلف الأصعدة. وقال إنّ "القوى اللبنانية مرتبطة بالخارج بعلاقات اقتصادية أو ثقافية أو عسكرية أو رؤى فكرية، وحزب الله آخر نموذج للعلاقة اللبنانية مع الخارج". واعتبر قصير أنه "إذا أردنا تخفيف علاقات الداخل بالخارج، ولا يمكن وقفها تماماً، فيجب بناء دولة مدنية حقيقية في لبنان تستطيع أن تخفف من دور الخارج وتعيد بناء الداخل ليكون قادراً على مواجهة الخارج". وأكد قصير الحاجة إلى القيام بثلاث أمور أساسية، "أولاً الحاجة لبناء دولة، ثانياً إعادة النظر بقانون الأحزاب في لبنان وتنظيم الجمعيات الذي يسمح بالتدخل الخارجي نتيجة التمويل، وثالثاً معالجة موضوع حزب الله وفق الاستراتيجيا الدفاعية التي يمكن ان تعيد الحزب إلى الداخل". وفي ما يخص الحزب، قال قصير إنّ "دور حزب الله الإقليمي والدولي بدأ بعد 2011، بظل وجود تدخلات دولية وخارجية في كل المنطقة، وهذا الدور يتراجع مع تغير الوضع في المنطقة". وختم بالإشارة إلى "وجود نظريات تقول بمواجهة حزب الله بالدعم الخارجي، لكن الأكيد أنّ الموضوع بحاجة إلى حوار داخلي حقيقي للتخفيف من العنصر الخارجي، ولو أنه لا مجال لفصل الخارجي عن الداخلي في هذا العصر".

طه: تغيير الرؤية
وكانت مداخلة للأستاذ زكي طه، الذي أكد على أنّ كل الأسئلة المطروحة حول التدخلات الخارجية في لبنان "ليست بجديدة متكررة مع كل أزمات البلد، والأزمات هي تاريخه الممتد منذ ما قبل التأسيس، ويتشاركها لبنان مع كل دول الجوار". وبعد إشارته إلى انعدام المسؤولية عند قوى السلطة التي تدهش اللبنانيين والعالم، أكد طه أّنّ "الانقسام والاختلاف على الهوية والمصالح والمستقبل، هو سبب إفشال بناء مسار وحدة اجتماعية تشكل طريقاً للخلاص من التدخلات الخارجية، ومن أجل الخروج من هذا المأزق نحن بحاجة لفهم ومعالجة الخلل في انعدام الحصانة اللبنانية، وهو خلل ملازم للكيان منذ التأسيس". ولفت طه إلى أنّ "عدم الاستقرار الداخلي يؤمّن للخارج فرص التدخل والاستثمار بالأزمات" وأشار إلى أسطورة التدخل الخارجي في لبنان إذ أنّ "الخلاف بين اللبنانيين حول قضاياهم وشؤونهم بدءاً بالهوية وانتهاءً بالسلاح، ملازم للبلد منذ عهد إمارة فخر الدين". وفي هذا الإطار شدد طه على أنّ بروتوكول 1864 "صاغته 6 دول وكيلة عن الطوائف اللبنانية"، وتكرر الأمر مع اتفاق 1943 والمحطات الأخرى. واعتبر طه أنّ "الطبقة السياسية بكافة أركانها تستثمر بالأزمة ولا تبحث عن حل لها، المهم لها بقاؤها وليس بقاء الوطن، لا يمكن الرهان على أنّ هذه القوى ستلغي نفسها أو تعيد النظر في مبرر وجودها". وفي ما يخص المبادرات تجاه لبنان، شدد طه على أنّ "مصير هذه المبادرات لا تقرّرها توازنات الداخلية، لكن العنصر الرئيسي في تقرير مصيرها هو توازنات الخارج ومصالحه، ونحن في مرحلة من التلاعب بكل كيانات المنطقة، ومصير كل هذه الكيانات مطروح بصيغة سؤال إلى أين ونحو ماذا، بسبب غياب الطروحات الداخلية". وختم بالقول إنّ "القابلة اللبنانية لإيجاد الحلول لا يمكن ان تتحقّق إلا من باب تغيير رؤية القوى الداخلية والمصلحة الوطنية المفقودة لديها".

واستمرّت الجلسة مع مداخلات وحوار بين المتحدّثين والمشاركين تناول موضوع حزب الله والمبادرة الفرنسية وواقع ثورة 17 تشرين الأول، مع خلاصة صعوبة واستحالة فصل لبنان عن الخارج ووقف التدخلات الخارجية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024