لبنان "العروبة والممانعة" ووليد المعلّم: نسخة سوفياتية رديئة

نادر فوز

الإثنين 2020/11/16
أبرق رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى الرئيس السوري بشار الأسد معزيّاً بوفاة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وليد المعلم. وفي برقيّة التعزية، نوّه الرئيس بالدور "الذي لعبه في مسيرته داخل سوريا وخارجها"، متمنياً "عودة السلام إلى سوريا لينعم الشعب السوري الشقيق مجدداً بالازدهار الذي يستحقه". كما أبرق رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الأسد معزيّاً أيضاً، ومما جاء في البرقية أنّه "نفقد اليوم وتفقد سوريا ومن خلالها الأمة واحداً من تلك القامات الشامخة ويغيّب الموت صوتاً عربياً ما نطق إلا للحق، ويوقف قلباً ما نبض إلا للعرب والعروبة". وكلّف عون وزير السياحة والشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، رمزي المشرفية، تمثيله في مراسم تشييع المعلّم. فغادر المشرفية بيروت متوجّها إلى دمشق، التي عاد منها قبل أيام إثر مشاركته في مؤتمر دمشق لعودة اللاجئين. كما عمدت شخصيات سياسية من فريق 8 آذار، إلى التعزيّة في السفارة السورية في بيروت أو من خلال الاتصال بالمسؤولين السوريين أو إرسال البرقيات معبّرين عن أحرّ التعازي والمواساة.

انتحار المعلّم
في نيسان الماضي، أقدم السوري وليد المعلّم على الانتحار شنقاً في مسكنة الكائن في بلدة برّ إلياس البقاعية. وليد المعلّم، لاجئ فقير عجز عن تأمين حاجيات عائلته التي كانت بانتظار مولده الأول، فانتحر. اسم الضحية فتح الشهية على انتحار وليد معلّم آخر صمد في الخارجية السورية لقرابة 15 عاماً، خصوصاً أنّ الانتحار المفاجئ من سمّات الديكتاتوريات ووجوها البارزة. إلا أنّ وزير النظام السوري لم ينتحر، ومات من دون تحديد الأسباب، حسب البيان الصادر عن النظام.

نسخة سوفياتية رديئة
يمكن القول إنّ وليد المعلّم من آخر وجوه سوريا السوفياتية، آخر قيادات الصفّ القديم في النسخة الأولى لنظام آل الأسد. وهو لم يعمل سوى تجسيد مفهوم هذه المدرسة في العلاقات الخارجية، لجهة إنكار الخصوم وترداد مواقف الكوميديا السوداء والمحافظة على الحديدية ولو بالقتل والتدمير. المعلّم، وعد بمسح أوروبا عن خارطة العالم. ثم سأل عمّن يكون وزير خارجية أميركا مارك بومبيو. شكّك بهيكلية الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكاد يقدّم نموذجاً بعثياً بديلاً لهما. هو أول من اعتبر أنّ احتجاجات الشعب السوري عام 2011 مؤامرة كونية. وليد المعلّم، نسخة سوفياتية رديئة.

الانفصال عن الواقع
في مواقف المعلّم الخارجة عن السياق والعلم والمنطق، على مدى 15 عاماً في الخارجية السورية، تقمّص لمدرسة أفل نجمها قبل 30 عاماً. من أمثلتها حذاء خروتشوف في الجمعية العامة للأمم المتحدة. أو حتى ردّه على صحافي أميركي سأله عن الديموقراطية في الاتحاد السوفياتي مشيراً إلى إمكانية شتم الرئيس الأميركي في شوارع أميركا، فقال "في موسكو أيضاً، يمكن شتم الرئيس الأميركي بشكل علني". قبل أن تؤخذ صورة له حاملاً "عرنوس" ذرة لطالما سعى إلى تطوير زراعته في المساحات الزراعية السوفياتية. كان ذلك زمن السوفيات الذي لا يزال مستمراً على الأراضي السورية لجهة القتل أولاً، القمع والترهيب والتهجير ثانياً، ومنطق كتبة التقارير داخلياً وخارجياً ثالثاً.

أزمة لبنان
عرف لبنان اسم وليد المعلّم، حين تم تكليفه إدارة ملف العلاقات السورية اللبنانية عام 2005. وهذه العلاقة لم تكن تستوجب عمل نائب وزير الخارجية لتأديتها، إذ كان لضباط الأمن السوريين وزملائهم في لبنان المسؤولية الأكبر على ضبط الأوضاع. فكان اسم المعلّم، في آخر لقاءات الرئيس رفيق الحريري مع مسؤول سوري قبل اغتياله في شباط 2005. ومع تسريب جزء من تسجيل ذلك الاجتماع، بدا واضحاً أنّ المعلّم كان في موقع الضعف. الحريري يسأل ويشتم ويعبّر بحريّة مطلقة، فيما نائب وزير الخارجية السوري صامت، يوافق ويتماشى مع الحديث. "نوابكم (المحسوبين على نظام البعث) في كتلتي (المستقبل) شحطّهم.. شو هالأسلوب العكرتة"، قال الحريري من دون ردّ المعلّم.

مفاوض أساسي
في تلك المحادثة، بدا المعلّم كأنه بعيد عن الأجواء، يحاول تقريب وجهات النظر بين الحريري والنظام السوري، بعيداً عن قنوات "الأمن والاستطلاع" بعد حمّى القرار 1559 والتمديد للرئيس إميل لحود ومحاولة اغتيال النائب مروان حمادة. ولو أنّ الرجل لعب دوراً بالغ الأهمية في موقعه كسفير لسوريا في واشنطن لقرابة العقد من الزمن بين 1990 و1999 تخلّلها مفاوضات سلام مع إسرائيل. في 21 تموز 2008، وإثر مسار الـ"سين- سين" في لبنان، قال المعلّم خلال زيارة رسمية له إلى لبنان إنه "إن كان لا بد من ترسيم الحدود فنحن جاهزون، ولا شيء ‏يمنع الترسيم". وفي 23 حزيران 2020، أكد أنّ "لا ترسيم للحدود مع لبنان ولن نقبل بنشر القوات الدولية على الحدود لأن ذلك يتم مع الأعداء". 

في لقائه الأخير مع رفيق الحريري، مرّر المعلّم سلسلة من المواقف والعبارات، منها أنّ "الرئيس بشار، مثل أي رئيس مسؤول يخضع للتقارير (الأمنية)"، " أنا أحارب هنا وهناك، أنا لاطينلي لكن أنا أقرر ولست سائلاً عن أحد، حتى الوظيفة لست سائلاً عنها، أصبح عمري 64 عاماً". وما يختصر كل حال المعلّم في تلك الفترة قوله مراراً "لا أملك جواباً"، التي استلحقها بعبارة "استلمت الموضوع حديثاً، وقد أتيت لأتعلّم". يبدو أنّ وليد المعلّم، تعلّم الكثير بين عام 2005 و2020. بات أبرز وجوه نظام البعث، فدعا إلى قتل الشعب السوري وبرّره التجزير به. فلعب المعلّم الدور المطلوب منه أياً كان. في التفاوض فاوض، في المعارك حارب وبرّر القتل. رجل في نظام البعث، ملأ مقعده، حرفياً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024