"القوات" لمواجهة حزب الله بانتخابات زحلة.. وتتمدّد سنّياً

لوسي بارسخيان

الخميس 2021/11/11

يشيّع الضجيج الذي يملأه محازبو "القوات اللبنانية" في فضاء زحلة السياسي، أجواء توحي بكونها صاحبة "الحضور" السياسي الأقوى في المدينة. فالقوات في زحلة تتقن "لعبتها" هذه إلى حد "إحباط" الخصوم، وإقناع باقي مكونات التركيبة الزحلية السياسية بـ"حقيقتها"، وهي أن "زحلة قوات". ليصبح "صمت زحلة" وكأنه تسليم بجدية هذه القوة للحزب المسيحي "المتسلل إليها من بشري"، حتى لو كان الكل مدرك بأن الأكثرية الفعلية في زحلة هي للفئة الصامتة، والتي لا تعبر عن رأيها غالباً إلا في صناديق الاقتراع، ودائماً لمصلحة "الشرعية" و"السيادة" على الأرض اللبنانية.

احتدام الشرخ
عملياً، تنسجم القوات، وخصوصاً في مواقفها المواجهة للسلاح غير الشرعي، مع نزعة الزحليين الباحثة دائماً عن الشرعية. وإنطلاقاً من هذا الواقع، تبدو مرتاحة لفوزها بحاصل ونصف على الأقل من أصوات الناخبين في الانتخابات النيابية المقبلة، ما لم تطرأ متغيرات على الساحة السياسية العامة، تبدل "الموقف الصامت" تجاهها، وتضعها في مصاف الأحزاب التي يتجه حضورها إلى التلاشي في المدينة، وصولاً إلى إختزاله بمحازبيها حصراً.

وهذا وفقاً لحساباتها سيؤمن لها أقله وصول مرشحها "المفضل" بعدد أصوات شبيه لما ناله النائب جورج عقيص في الدورة الانتخابية الماضية، حين حل ثانياً بعدد الأصوات التفضيلية، مباشرة بعد نائب حزب الله أنور جمعة. مع سعي لاستكمال حاصل ثان لها، شبيه لما تحقق خلال الانتخابات النيابية الماضية.

وقوة "القوات" في الحفاظ على قاعدتها بزحلة، ليست بفضل حالة حزبية أرستها بالمدينة ودائرتها. ولا حتى خدماتية وإنمائية. وإنما هي في احتدام "الشرخ" اللبناني مجدداً حول "هوية لبنان" وأي لبنان نريده. وخصوصاً مع تعاظم "نفوذ" إيران عبر حلفائها بما يتعارض مع "نزعة" الزحليين الرافضة لأي هيمنة خارجية على سيادته.

الصوت السنّي
ويقدم محازبو القوات اللبنانية في زحلة أنفسهم كخط مواجهة أول مع هذه الهيمنة. ويشيعون أجواء من الاستنفار الدائم للاستجابة إلى أي نداء يوجه لهم لهذه الغاية، وحتى لو استبعدتهم القيادة الحزبية عن مخططاتها الموضوعة في هذا الإطار. وهو ما يستهوي "محيط المدينة السنّي" إلى جانب جزء من مسيحييها غير المحزبين، ما سيسمح -وفقاً لمراقبين- بتعبيد الطريق أمام تمدد "القوات" إلى المجتمعات السنّية، وخصوصاً في ظل الفراغ الذي يخلفه ضياع "البوصلة السياسية" لتيار المستقبل.

ويعوّل القواتيون على هذا التمدد على مستوى القاعدة، حتى يتسنى لقيادتهم فرض شروطها حول أي تحالف يمكن التوصل إليه مع المكوّن السنّي للدائرة، سواء أكان ذلك من خلال تيار المستقبل أو أي بديل آخر مطروح. وترى الأوساط القواتية أن القيادة السنّية ستكون ملزمة هذه المرة بمراعاة شارعها، كشرط أساسي لضمان عدم تشتت قاعدتها مجدداً، كما حصل في سنة 2018 ، عندما تسبب  غياب "القضية السياسية" بتشتت الصوت السنّي إلى حد عرضه في "بازار شراء الأصوات".

وهكذا تكون القوات اللبنانية التي "فشلت" في ركوب موجة الثورة في زحلة وفي تقدم تحركاتها للظهور كرأس حربة لهذه الثورة، قد نجحت في شد العصب الزحلاوي مجدداً لمصلحتها، وصولاً إلى تحسين مواقعها في دائرة زحلة. طامحة لتعزيز هذا الموقع بشكل أفضل  كلما اكتسب الخطاب السياسي حدّة، وتمترس الناخبون خلف معسكرات الأحزاب وتوجهاتها السياسية.

وهذا التمترس من شأنه صرف نظر الناخبين تلقائياً عن إخفاقات كل الأحزاب المتمددة إلى زحلة، وحتى تخاذلها في الملفات التي تعني الدائرة مباشرة.  

الإخفاقات المتعددة
فالقوات، كما سائر الأحزاب، لم تنجح في جعل زحلة أولويتها، على رغم غرفها من صحن ناخبيها. وهي كما معظم الأحزاب لم ترق ببعض أدائها في المدينة، حتى إلى مستوى الجمعيات الأهلية، وليس الحزبية. ما خلف شعوراً بدونية لدى ناخبيها، كتلك التي ترافق مناصري الأحزاب في الأطراف البعيدة عن مراكز قراراتها، حيث يتحول ناخبو هذه المناطق ومن بينها زحلة، مجرد رافد عددي لكتل الأحزاب، إنما من دون تأثير فعلي على سلم أولوياتها.   

حاولت القوات اللبنانية في المقابل أن تختار معارك لها من بين عدة ملفات عنت مدينة زحلة ودائرتها. وكان أبرزها ملف شركة كهرباء زحلة، خلال مرحلتي إرساء عقدها التشغيلي مع مؤسسة كهرباء لبنان وتمديد هذا العقد. إلا أن الارتفاع الفاحش في فاتورة الكهرباء وأزمة المواد الأولية التي أدخلت زحلة في التقنين بعد سنوات من تنعمها بالكهرباء المتواصلة، سحب الملف من إمكانية استثماره انتخابياً، وخصوصاً عندما رضخ مدير عام شركة كهرباء زحلة لإغراءات المازوت الإيراني الأقل كلفة، من دون أن يصدر ولو بيان "قواتي" يدين فعلته علناً. 
الإخفاقات في إدارة شؤون البلد من قبل الطبقة السياسية عامة، وتخاذلها بوضع تشريعات وقوانين تسهل انسياب حقوق المواطنين تلقائياً إلى كل اللبنانيين، شكل حافزاً في المقابل لأداء شعبوي لدى معظم الأحزاب، كمثل تزفيت طريق هنا وإنارة طريق هناك. وهو ما كان يمكن للقوات استثماره انتخابياً بزحلة، لولا انسحاب عامل الرأس المال الذي مثله النائب سيزار المعلوف في كتلة القوات، قبل أن يقدم نفسه نائباً مستقلاً عنها لاحقاً.

التشابه مع حزب الله!
في ظروف كورونا أيضاً، لم يرق أداء القوات اللبنانية في زحلة  لذلك الذي ميزها ببشري مثلاً، وخصوصاً من خلال حملة التلقيح التي بقي تداولها في الدوائر المغلقة، ولم تنجح في تعميمها بحملة واسعة كتلك التي نظمت في معقل القواتيين الأساسي.

حتى في التشريعات النيابية، وعلى رغم تقدم النائب جورج عقيص على زملائه بحمل لواء عدد منها، فقد صبت معاركها في مصلحة القيادة المركزية، ولم توفر لواجهة القوات في زحلة جورج عقيص حيثية شعبية تسهل ذوبانه مع قاعدتها. فعززت موقعه في كتلتها النيابية ولكنها لم توفق بفرضه حالة زحلية.

أما عندما حمل النائب جورج عقيص لواء انتقاد سياسة الكيل بمكيالين في قضية رجل الأعمال القواتي إبراهيم الصقر، الذي اتُهم باحتكار مادة المازوت وتخزينها، فهو لم يرض حتى القاعدة القواتية بمستوى الدفاع الذي توقعه قواتيو زحلة من قياداتهم، أقله من باب عرفان الجميل لواحد من أكبر ممولي الحزب في مدينة زحلة.

في المقابل يتحدث البعض عن تماه بين القوات اللبنانية وحزب الله في نوعية الخدمات الشخصية والمساعدات الفردية التي تحرص على إيصالها للناس بشكل متواصل، وبعضها على شكل مشاركة في تكاليف مراسم الدفن، أو توزيع حصص غذائية وأدوية ومازوت وغيرها من التقديمات "الفردية" المباشرة، التي لما احتاجها القواتيون وسواهم، لو كان الكل في السلطة حريص على أداء واجبه بما يعزز دور المؤسسات، بدلاً من تعميم السياسات الريعية.

المؤشر السياسي
ورغم هذه الإخفاقات وغيرها تبقى القوات عنصراً سياسياً قوياً في زحلة. وقوتها تستمدها من مخاصمة حزب الله، ومواجهتها لسياسته في إخضاع اللبنانيين، إنطلاقاً من بوابة لبنان إلى سوريا. علماً أن معركة القوات تكتسب أهميتها تحديداً في زحلة، لما تتمتع به الدائرة من توازن قوى في نسيجها المتنوع طائفياً، يجعل من وجهة تصويت ناخبيها مؤشراً للمرحلة السياسية المقبلة على المستوى اللبناني، من دون أن تكون زحلة قادرة على تغيير مسار هذه المرحلة وتحديد أولوياتها فعلياً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024