ماكرون يؤكد لعون "مؤتمر الدعم".. وباسيل يراسله متبرئاً شاكياً

المدن - لبنان

الخميس 2020/11/26

أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في رسالة وجهها إلى الرئيس ميشال عون، لمناسبة الاستقلال، "تمسّك فرنسا بعلاقات الأخوّة التي تجمع بلدينا وشعبينا، وهي التي تعلّق بالغ الأهمية على استقلال لبنان وسيادته. هذا الوطن الذي كان على الدوام مثال انفتاح وحرية في المنطقة". وتمنى ماكرون على عون دعوة كافة القوى السياسية بقوّة، لأن تضع جانباً مصالحها الشخصية والطائفية والفئوية، من أجل تحقيق مصلحة لبنان العليا وحدها، ومصلحة الشعب اللبناني، مؤكداً عمل فرنسا وشركائها لعقد مؤتمر لدعم الشعب اللبناني".

ماكرون: نفّذوا مطالب اللبنانيين
وجاء في رسالة الرئيس الفرنسي: "يسعدني لمناسبة إحياء لبنان عيد الاستقلال أن أتقدم منكم، بإسمي الشخصي وبإسم الشعب الفرنسي، بأطيب مشاعر الصداقة لكم وللأمة اللبنانية.

إنّ فرنسا متمسكّة بصورة خاصة بعلاقات الأخوّة التي تجمع بلدينا وشعبينا. وهي تعلّق بالغ الأهمية على استقلال لبنان وسيادته. هذا الوطن الذي كان على الدوام مثال انفتاح وحرية في المنظقة. وقد تسنى لي أن أجدد التأكيد على هذا الأمر خلال الزيارتين اللتين قمت بهما في الصيف عقب انفجار الرابع من آب.

إني قلق للغاية نتيجة الوضع في بلادكم راهناً، وأنا مدرك للصعوبات المتزايدة التي تواجه اللبنانيات واللبنانيين في يومياتهم. وهم بمقدورهم أن يعتمدوا على دعم فرنسا في تلبية حاجاتهم الملحّة في ميادين الغذاء والصحة والتربية والمسكن. فنحن نعمل، بالتعاون مع الأمم المتحدة ومجموع شركائنا، من أجل عقد مؤتمر دولي لدعم الشعب اللبناني.

إلّا أنّ كل ذلك ليس بكافٍ، ذلك أنّ الأزمة المتعددة الجوانب التي يجتازها لبنان، على مختلف الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وكذلك السياسية، تستدعي اتخاذ تدابير قوية. والحلول معروفة: وهي تكمن في وجوب وضع خريطة الطريق التي التزمت بها كافة الأطراف السياسية في الأول من أيلول موضع التنفيذ. إنّ خريطة الطريق هذه تجيب في آن معاً، على متطلّبات أصدقاء لبنان الصادقين، كما على الانتظارات المشروعة التي عبّر عنها الشعب اللبناني. إن وضع هذه الخريطة موضع التنفيذ كفيل وحده بتعبئة المجتمع الدولي الضرورية، من أجل تفادي انهيار البلد ومساعدته على اعتماد الإصلاحات التي لا مفرّ منها لنهوضه من جديد.

والعجلة، راهناً، تقتضي تشكيل حكومة من شخصيات مؤهلة، تكون موضع ثقة وقادرة على تطبيق كافة هذه الإجراءات. وفي هذا الإطار، لديكم، فخامة الرئيس، مسؤولية خاصة. إنّ لبنان يواجه اليوم خيارات جسام، وأنتم، بصفتكم فاعلاً في تاريخه، تدركون هذا الأمر. إنّ ما طالب به الشعب اللبناني منذ قرابة السنة في انتفاضته لا يزال ممكن التحقيق. وإنه، لمن واجبكم كرئيس للدولة، أن تستجيبوا له، وتدعوا بقوة كافة القوى السياسية لأن تضع جانباً مصالحها الشخصية، والطائفية والفئوية، من أجل تحقيق مصلحة لبنان العليا وحدها ومصلحة الشعب اللبناني.

وتأكدوا فخامة الرئيس من أنّ فرنسا تقف اليوم، كما في كل وقت، إلى جانب لبنان والشعب اللبناني".

رسالة باسيل إلى ماكرون
بالمقابل، وكعادته في التبرؤ من أي مسؤولية أو شراكته في منظومة الحكم، وجّهَ رئيس تكتل لبنان القوي، النائب جبران باسيل، كتاباً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يشكوه فيها من المجلس النيابي، ومن كافة القوى السياسية، وعلى نحو خاص الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري، من دون تسميتهما. وعلى الأرجح، ستكون هذه الرسالة سبباً لتشنج سياسي إضافي في الأيام المقبلة.
وفي ما يلي نص الرسالة:
السيّد الرئيس،
أتوجّه إليكم بهذه الرسالة على أثر نكسة كبيرة أصابت مشروع الإصلاح في لبنان، وأصابت بالتالي جوهر المبادرة التي سبق أن أطلقتموها إبّان زيارتكم للبنان في الأول من أيلول الماضي بمناسبة ذكرى مئويّة لبنان الكبير، والتي تمّ الاتفاق عليها معكم في قصر الصنوبر؛ وهي مبادرة هدفت للحفاظ على هذا اللبنان. وتمحورت حول وجوب قيام الدولة بإصلاحات جذرية وبنيوية للنظام المصرفي والمالي والاقتصادي من خلال المجلس النيابي ومن خلال حكومة "مهمّة" قادرة على تنفيذ برنامج الإصلاح، على أن تقوموا من جانبكم بالمساعدة من خلال تشجيع الدول على المشاركة في برنامح دعم للبنان مقابل إصلاحات يجريها، وهي تتوافق أصلاً مع مصلحة الوطن العليا.

وفي ظل أزمة السيولة ونقصان أموال المودعين اللبنانيين في المصارف اللبنانية والفجوة المالية الكبيرة التي ظهرت في حسابات مصرف لبنان، كان من الطبيعي أن يكون في مقدمة الورقة الإصلاحية، إصلاح النظام المالي والمصرفي من خلال إجراء التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي اللبناني، وإقرار قانون ضبط التحويلات المالية إلى الخارج.

للأسف، إن هذا القانون لم يُقرّ بعد بالرغم من أننا تمكّنا في التيار الوطني الحر من تقديم اقتراحات بخصوصه إلى مجلس النواب كانت قد حظيت بموافقة بعض الكتل النيابية، وسرعان ما تهاوت عند طرحها في جلسات مجلس النواب؛ ومن البديهي القول إنّه بمرور أكثر من سنة على الأزمة المالية المتفجرّة من دون إقرار هذا القانون، فهذا دليل على وجود فساد مستتر، بتهريبٍ إستنسابي للأموال إلى الخارج، في ظل ندرة السيولة وانخفاض الإحتياطي اللازم لشراء الحاجيات الحياتية الأساسية من الخارج.
السيد الرئيس،
كنّا ناشدناكم أن تساعدونا من خلال المجموعة الأوروبية على الكشف عن الأموال المنهوبة والمهرّبة إستنسابياً منذ 17 تشرين 2019 وإعادتها الى لبنان للتخفيف من حدّة الأزمة وتصغير حجم خسارة المودعين. ونعود لنناشدكم مجدّداً مساعدتنا حسب الأصول والقوانين المعمول بها دولياً لوقف مسلسل تهريب الأموال الفاسدة وكشف المتورّطين فيه؛ وفي ذلك مساعدة للبنانين على التمييز بين الإصلاحيين والفاسدين، وهو ما من شأنه أن يصلح الحياة السياسية في لبنان، وأن يؤدّي للمرّة الأّولى في تاريخه إلى اعتماد مبدأ المحاسبة.

لقد عجز المجلس النيابي حتى تاريخه عن إقرار عدد من قوانين مكافحة الفساد التي تقدّم بها تكتّلنا النيابي، والتي من شأن إقرارها ضرب الفاسدين ووقف مسلسل سرقاتهم العامّة، ومن هذه القوانين إستعادة الأموال المهرّبة، وكشف تلقائي لحسابات وأملاك كل قائم بخدمة عامة، وإنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية.

كذلك فإن المجلس النيابي قد تأخر حتى تاريخه في إقرار قوانين إستقلالية القضاء، والشراء العام الواردة في مبادرتكم، والتي لا مبرّر للتأخر بإقرارها، خاصةً وأن الأمر لا يحتاج إلى وجود حكومة بكامل صلاحيّاتها.

هذه الحكومة التي اتفقنا معكم على معايير تشكيلها لتكون واحدة على الجميع، ولتكون حكومة قادرين على التنفيذ، ومدعومين من الكتل النيابية وحائزين بالتالي على ثقة الشعب اللبناني والمجلس النيابي والمجتمع الدولي. لقد تأخر تشكيلها للأسف، من جهة، بسبب ربط البعض عملية التشكيل بأمور من الخارج انتظاراً لتطورات ومنعاً لعقوبات؛ ومن جهة أخرى، بسبب محاولة البعض الاستقواء بالمبادرة الفرنسية وبالوضع الاقتصادي المزري، لفرض شروط غير معهودة خلافاً للدستور والميثاق وضرباً للتوازن الوطني والاستقرار السياسي؛ وهذا ما يمنع بالتالي قيام أي جوّ سياسي مستقر ومؤاتٍ للإصلاح.

كل ذلك، سعينا لتخطّيه ولا نزال، حرصاً على الإصلاح وعلى نجاح مبادرتكم، إلّا أن النكسة الكبرى كانت بإلغاء عقد التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان مع شركة دولية متخصصة، لأن المنظومة السياسية المالية المتحكمة بالبلاد لا ترى فيه مصلحةً لها، لا بل ترى فيه انكشافاً لمصالحها، وكشفاً للرأي العام اللبناني لحقيقة إرتكاباتها.

وفيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومنذ كان على رأس تكتلنا النيابي يسعى منذ العام 2005 إلى تنفيذ هذا التدقيق الجنائي، فإن المتضررين يسعون إلى منعه، ولم يتركوا في الفترة الأخيرة وسيلةً إلّا واستعملوها للإنقضاض عليه، ونجحوا فعلاً بتهشيل الشركة المكلّفة بإجراء التدقيق عبر رفض تزويدها بالمعلومات المطلوبة. لقد وجّه الرئيس عون كتاباً إلى المجلس النيابي لحثّه على اتخاذ كل ما يلزم للسير بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، واعتباره مدخلاً للتدقيق في كل انفاقٍ عام. ونحن معه سنسعى الى إحقاق هذا الأمر، ونحن ندرك كم أنتم متفقون مع الرئيس عون على أولوية هذا التحقيق كمدخل طبيعي وبديهي لبدء عملية التصحيح المالي وكشف واستعادة الأموال المنهوبة والموهوبة والمحوّلة. ومن هذا الباب، أي حرصكم على لبنان، نكتب لكم بسبب خوفنا على مبادرتكم الخاصة بإنقاذ لبنان، وبسبب تيقننا أنه بامكانكم الضغط على هذه المنظومة الرافضة للتدقيق المالي من خلال كشفها، بما لكم من قدرات في كشف الحقائق عبر النظام المصرفي الأوروبي والدولي.
السيد الرئيس،
إننا مصمّمون، على السير بالتدقيق الجنائي وبالإصلاح حتى النهاية وإني على يقين بأنّكم، وفرنسا، لن تتركوا الشعب اللبناني وحيداً في هذه المعركة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024