"الزعيم" سعد الحريري يطهّر تيار "المستقبل" ويطيح بالصقور

جنى الدهيبي

الإثنين 2019/02/04
كأنّ رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وبعد إعلانه تشكيلة الحكومة الجديدة، يستكمل داخل تيّاره السياسي، ما بدأه في انتخابات أيار 2018. تحطيم قادة التيار وكبار الفاعلين فيه منذ ما قبل التأسيس حتى. الصورة باتت واضحة. وما كان يدور في الصالونات الداخليّة، ويُسرّب منه إلى الإعلام، ثمّ يضعه الزعيم الأزرق في سياق الشائعات المغرضة، لم يعد قابلًا للشكّ. القاعدة تبدو على الشكل الآتي: في "المستقبل"، لا مكان لـ"الصقور" بعد اليوم.


"مستقبل" جديد
ثمّة معايير مختلفة، يجب أن تتطابق مع "كتالوغ" الحريري الجديد، لمن أراد أن يبقى منضوياً تحت أجنحته، برلمانيًا وحكوميًا. المضمون السياسي آخر هذه المعايير. أو بالأحرى، أحد أبرز شروط المعايير الحريرية الحديثة، هو الخلوّ من "عبء" هذا المضمون. يكفي أن يكون "الطامح" لإعتلاء سدّة البرلمان أو حمل حقيبة وزارية، من فئة حديثي الولادة في الشأن العام السياسي، أو من ورثة بيوت سياسية لا يحملون منها غير اسم عائلتهم الكريمة.

هذا ما يريده سعد الحريري الجديد. نوابٌ يحملون مواصفات رولا الطبش، ديما جمالي، سامي فتفت ووليد البعريني. لديهم من المؤهلات العلميّة ما يكفي (وهذا بديهيٌّ أصلًا)، وعند سقوطهم في فخّ الهفوات، تتكشف فداحة الافتقار للمنطق والحنكة في السياسة. لا بأس لدى الحريري. فكلفة "الهفوة"، بيانٌ توضيحي جاهزٌ من "المطبخ"، باسم من لا يفقه كتابته وصوغ معناه. المنطق نفسه، نفّذه الرجل في اختيار وزرائه في الحكومة التي يرأسها. لم يسمِ الحريري أحدًا من "صقور" تيّار المستقبل أو من ما يمكن تسميته "حريريي" رفيق الحريري. اكتفى بشخصيات لم يسبق أن خاضت إلى جانبه معركةً سياسيةً واحدة. حتّى أن البعض وجد في تسليم الحريري للوزيرة ريا الحسن حقيبة الداخلية، أهدافًا سياسيةً أخرى - بعيدًا عن "كليشيه" دعم النساء في المناصب القيادية – أحد شروطها أن تنفذ قراراته المباشرة في الداخلية، كنوعٍ من التعويض لما بعد "عهد نهاد المشنوق".

"خديعة" مصطفى علوش
على مدار تسعة أشهر من التكليف، كان الاسم الأكثر جديّة من حصة الحريري في الحكومة، هو النائب السابق، وعضو المكتب السياسي مصطفى علوش. تلقى علوش من الحريري وعدًا قاطعًا بضمّ اسمه إلى التشكيلة الحكومية. وكالعادة من دون مبرر، قابله بالمكث والاستبعاد. غرّد الطبيب الجرّاح فور إعلان التشكيلة الحكومية، بمقطعٍ من قصيدة كامل الشناوي "لا تكذبي" مما جاء فيها: "رأيت أنك كنت لي قيدًا حرصت العمر ألا أكسره فكسرته".

علوش وهو واحدٌ من أبرز الصقور الزرق المخضرمين، الذي سبق أن تلقى وعودًا من الحريري بتسميته أو ترشيحه لمناصب كانت تؤول لغيره، يرفض التعليق على تشكيل الحكومة، وخطواته التي يخطط لها  لاحقًا، وإن كان مكوثه في التيّار أصبح أمرًا مستبعدًا، بعد أن استنفد قدرته على اختراع أسبابٍ للبقاء. الأخبار المتداولة من المحيطين به، تحكي عن سوءٍ في المعاملة تعرّض لها طبيب طرابلس، الذي كان مع الحريري في بيت الوسط قبل ساعتين من توجهه إلى قصر بعبدا. غير أنه عرف عدم ورود اسمه في التشكيلة الحكومية، بواسطة راديو السيارة.

واقعةُ علوش، أحدثت حالةً من السجالات والخلافات والبلبلة، في أروقة التيّار والمكتب السياسي. وإن كان الحريري أصبح أكثر حذرًا وأقلّ طموحًا بمن يجب أن يحيطه، بعد تجربته مع الوزيرين السابقين أشرف ريفي ونهاد المشنوق، فهذا لم يمنع "صقور" تيّاره من سؤال: ماذا يفعل سعد الحريري بنا؟

العائلة الحاكمة
شخصيات بارزة صنعت أمجاد "الحريرية السياسية"، مثل الرئيس فؤاد السنيورة وغيره من رفاق الرئيس الراحل رفيق الحريري، ضرب غيابها، والتهميش القسري لدورها، ركائز رئيسية قام عليها تيّار المستقبل. حتّى أن البعض بدأ مرحلة من النقاش تحمل شعار: "لا وجود لتيّار المستقبل من الأصل". التيار اليوم، يختصر نفسه بثلاثية العائلة الحاكمة: سعد الحريري، بهية الحريري وأحمد الحريري.

وسعد الحريري، على ما يبدو، يؤسس لمرحلة استكمال التسوية الرئاسية، وهي مرحلة ثنائية يديرها بالشراكة مع رئيس تيار لبنان القوي جبران باسيل، كأنه يريد فيها الخلاص من "عقبات" تركة والده، أي التخلص من أولئك الذين أرسوا قواعد جمهور رفيق الحريري لا فقط جمهور تيار المستقبل.

تبعات سياسة سعد الحريري الجديدة، حسب المعطيات، انسحبت على المكتب السياسي لتيّار المستقبل. فبين عامي 2010 و2016، كان هناك محاولة لإنشاء حزب سياسي، دفع "صقور" المستقبل ثمنها من اللحم الحيّ ماديًا ومعنويًا. في البدء، ظنوا أنّ هناك نفضة حقيقية. لكنّ طريقة إنشاء المكتب السياسي، وإعادة رسمه، أكدت على نظريةٍ تداولها بعض المستقبليين المستائين: "نحن نشبه حزب البعث السوري، لكن الفرق أننا نحكي عن الديموقراطية"، في ظلّ إقصاء الأسماء الفاعلة في صناعة صورة التيّار وسياسته. والمكتب السياسي نفسه، لم يجتمع منذ انتخابات أيار 2018، أكثر من خمس مرات. وفي هذا النهج من الركود، ثمة ما يشي أن سعد الحريري يهيء أسباب الترحيل لكلّ من يعترض أو ينتقد. ومن يبقى عليه أن يبقى شاهد زورٍ، لا سيما أن هناك من يوشوش له: "ما تقوّي حدا حتّى ما يقلب عليك".

منذ فترة طويلة، بدأت المطالب داخل "المستقبل" بالانتقال من مرحلة الزعامة إلى مرحلة التنظيم الحزبي، نتيجة غياب الرؤية والمشروع السياسي. لكنّ الحريري الذي يرى تيّاره تارةً ديموقراطياً أو ليبرالياً أوعابراً للطوائف، وطورًا محافظاً ويتنكب "أبوة" السنّة، اصطدم بتعريف هويته أمام شارعه، الذي يهابه. وما أذاه فعليًا، ليس شعوره أن السنّة صوتوا ضدّه، وإنما لأنهم لم يصوتوا معه. وعليه، بدا سعد الحريري كأنه يطمح لفريق يفهم طبيعة المرحلة. وهي مرحلة "الشركات المساهمة" أكثر مما هي مرحلة السياسة، لا سيما أنّ لبنان خرج كليًا من المنطق السياسي ودخل في منطق "البزنس"، الطائفي حتماً.

"سعودي ستايل"
يقول أحد العارفين في شؤون تيّار المستقبل، أنّ مضيّه في هذا الطريق، سيجعل مصيره شبيهًا بمصير حزب الكتائب، بعد أن كان أقوى الأحزاب التاريخية في لبنان. يدرك "صقور" المستقبل أنّ زعيم تيارهم يعاني من أزمة "حماية"، يفتش عنها بما يتقاطع مع مصلحته وضمان ديمومته. وهو وإن كان محميًا بغطاءٍ دولي، لكنّ الغطاء السعودي له، ضبابي وهشّ.

ولدى سؤال إحدى الشخصيات البارزة عن رأيها بالسلوك الذي يتّبعه رئيس الحكومة سعد الحريري، في تعاطيه مع الملقبين بـ "صقور" تيّار المستقبل، تشير أنّ ثمّة مسألةً واضحةً، في النهج الجديد الذي يتّبعه الحريري داخل تيّاره: الرجل بعد إطلاق سراحه من الإقامة الجبريّة في الرياض، في تشرين الثاني 2017، أصبح من مجموعة الأفراد المنتمين للظاهرة النفسية المعروفة بـ "متلازمة ستوكهولم" Stockholm Syndrome، وهي حالة، يتعاون الفرد فيها مع عدّوه أو من أساء إليه، فتظهر عليه بعض علامات الولاء، مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختطِف، ويتعلم منه كيفيّة التصرف.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024