تحدّي الثلاثاء.. مبارزة بين برّي والشارع

المدن - لبنان

الإثنين 2019/11/18

لم تعد الحياة السياسية كما كانت، مغلقة ورتيبة ومعلومة المسار. كسرت الثورة اليوميات المبتذلة لأعمال الحكم وأعمال الدولة ورجالاتها. لقد جعلت كل شيء خاضعاً للامتحان وللنقد وللاعتراض وللمراجعة. كسرت الثورة أيضاً اللامبالاة اليائسة من هذه المنظومة السياسية التي كانت تشتغل بلا حسيب ولا رقيب.

هكذا، باتت جلسة مجلس النواب مثلاً غير معلومة المصير.

صراع إرادات
حتى الآن لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري مصراً على عقد الجلسة التشريعية يوم الثلاثاء، تحت شعار تفعيل عمل المؤسسات. إصرار برّي متأتٍ من اعتباره هذه الجلسة بالغة الأهمية لما يتضمنه جدول أعمالها من اقتراحات ومشاريع قوانين، وليست محصورة فقط بقانون العفو العام المثير للجدل.. و"الشبهات"، مشيراً إلى أن هذه القوانين تلاقي مطالب الناس. لكن الأهم من هذا، أن السلطة تطمع بتفعيل عمل مجلس النواب كجزء من صراع الإرادات مع المنتفضين، وسحب ورقة قوية منهم، بإضعافهم وإثبات أنهم فشلوا في تعطيل الجلسة، ما سيُحسب كنقطة لصالح السلطة، على حساب الانتفاضة.

اجتماعات الكتل  
في هذا الوقت، تناقش الكتل النيابية مبدأ مشاركتها في الجلسة، على الرغم من اتصالات تلقاها النواب من الأمانة العامة للمجلس النيابي، تشديداً وإلحاحاً على ضرورة الحضور في موعد الجلسة يوم الثلاثاء، أي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر. وبينما تعقد الكتل النيابية اجتماعات لها للبحث في مصير الجلسة. فالرئيس سعد الحريري جمع مكتبه السياسي وكتلته النيابية بعيداً من الإعلام للتباحث بقرار حضور الجلسة من عدمه، وبالتطورات التفاوضية حول تشكيل حكومة جديدة. كذلك دعا تكتل لبنان القوي إلى اجتماع برئاسة الوزير جبران باسيل أيضاً للبحث في المشاركة بالجلسة، مع التوجه للاستجابة، لكن بطلب تأجيل إقرار قانون العفو العام، مقابل تمرير القوانين الأخرى.

الأمر نفسه ينسحب على نواب القوات اللبنانية، الذين سيعقدون اجتماعاً بعد ظهر الإثنين لحسم موقفهم من الجلسة.

وفي حال عقدت الجلسة، ستحاول كل كتلة نيابية تجيير المناسبة لصالحها سياسياً وإعلامياً، سواء في تقديم اقتراحات إرتجالية لقوانين تتعلق بمكافحة الفساد ومحاسبة الرؤساء والوزراء، وربما ستتعمد كتل أخرى ملاقاة مطالب الانتفاضة، بطرح البحث في صياغة قانون انتخابي جديد يلبي تطلعات الناس. أي أن ثمة احتمالاً أن تتحول الجلسة إلى هايد بارك يقارب المهزلة.

مخاوف من تظاهرة مضادة
على أي حال، وبمواجهة الجمهور الرافض لعقد الجلسة، تستند السلطة على القرار الصادر من قائد الجيش بمنع قطع الطرق، لتأمين وصول النواب إلى الجلسة. وحسب المعلومات، هناك عدد من النواب يميلون إلى إلغاء الجلسة وتأجيلها تحاشياً لاستفزاز الرأي العام، وتفادياً لما قد ينتج عن غضب المتظاهرين وصعوبة ضبطهم. وهناك أيضاً من يتخوف من لجوء بعض السلطة إلى أهالي الموقوفين والمسجونين، الذين سيستفيدون من قانون العفو، ويحرضهم على التحرك والتظاهر (على مثال تظاهراتهم في الضاحية الجنوبية)، للمطالبة بعقد الجلسة وإقرار هذه القانون. الأمر الذي قد يؤدي إلى صدامات بينهم وبين المتظاهرين الرافضين لعقد الجلسة. 

مقابل هذا الاحتمال "الخطير"، هناك ما هو أخطر، أن يتشظى مجلس النواب في اشتباكات كلامية بين مختلف الكتل، في مشهد يعكس تصدع المنظومة السياسية، وتفاقم خصوماتها التي برزت منذ استقالة رئيس الحكومة. وعن السيناريو الأخير نتشجع ونقول: هذا ما نأمله. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024