أجواء "المصالحة" في طرابلس: الحماسة المفقودة

جنى الدهيبي

الخميس 2019/03/14

أحدثت المصالحة التي عُقدت بين رئيس الحكومة سعد الحريري واللواء أشرف ريفي، في دارة الرئيس فؤاد السنيورة، مفعولًا كبيرًا باتجاهات مختلفة في عاصمة الشمال. رمزية توقيت المصالحة، عشية ذكرى مرور 14 عامًا على "ثورة الأرز" في 14 آذار 2005، صبّت في مصلحتها، أو بالأحرى، أعطت مبررًا لركنيّها أمام قاعدتهما الشعبيّة.

إيجابيات الصورة
العنوان العريض المشترك لهذين الركنين، هو "إراحة الشارع السنّي" من التشرذم، وضرورة رصّ صفّه، مع تفاقم الإحساس بالضيق والضعف والاستهداف. لكنّ هذه الخلاصة، ما كانت لتأتي لولا غطاءٍ إقليمي – سعودي، ترجمه السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، أمس بالصورة التي نشرها على حسابه في تويتر، تجمع الحريري والسنيورة وريفي، من دون التعليق عليها، وكأنّها دلالة للقول أنّ الصورة "وحدها تحكي". وكذلك، بفضل جهود حثيثة بذلها الرئيس السنيورة، وأطراف سنيّة أخرى. إذ تفيد المعطيات أنّ رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، كان على تنسيقٍ كاملٍ وتواصل دائم مع الرئيس السنيورة، لتأسيس أرضية المصالحة وعقدها. لا سيما أنّه كان أول من اعتكف عن خوض الانتخابات الفرعية في طرابلس، ضدّ مرشحة المستقبل ديما جمالي، تفاديًا للوقوع في فخّ المعركة والتشنجات البالغة الثمن في هذه المرحلة، وما قد يترتب عليها من تدحرج علاقته مع الحريري نحو نقطة الصفر، هما بغنى عنها.  

لكن، ما سعت هذه المصالحة السنيّة – السنيّة أن تبثّه من جوّ إيجابي، لم ينسحب كاملًا على الشارع الطرابلسي، الذي يتحضّر للانتخابات الفرعية في 14 نيسان 2019، وإنما أحدث انقسامًا واضحًا حيالها. بدا واضحًا أنّ القيادات تحاول التأثير على قواعدها الشعبيّة، بأنّ توافقَا يشمل الحريري – ميقاتي – ريفي – الصفدي، لمصلحة المرشحة الزرقاء، يعني ممارسة التحجيم والتضييق على سنة 8 آذار في المدينة، بعد تجاوز مرحلة الانشقاق الكبير داخل البيت السّني وتيار المستقبل، ولو شكليًا. غير أنّ الواقع، هو أنّ هذه القواعد الشعبية التي تستهدفها قيادتها في خطاباتها، ما زالت في مكانٍ آخر. إذ لم تبادر حتّى اللحظة إلى التعبير عن اندفاعٍ وحماسةٍ لخوض غمار الانتخابات بالتصويت لجمالي، التي تواجه قياداتها صعوبة "التسويق" لها من مختلف الأطراف، حتّى من تيار المستقبل نفسه، الذي لم يستطع تقديم حجّة مقنعة، حول سبب "التسرع" والإصرار على ترشيحها من دون غيرها.

كما أنّ ما آلت إليه المصالحة بين الحريري وريفي، إلى جانب السؤال عن المصير السياسي للأخير في المرحلة المقبلة، وعلى المدى البعيد، لا سيما أنّ حيثيّته بناها بخروجه "المعارض" من عباءة "المستقبل"..  أحدثت نوعًا من الإحباط لدى شريحة واسعة من قاعدته الشعبية. وحسب المعلومات، فإنّ الماكينة الانتخابية لريفي سمعت خبر مصالحته مع الحريري أثناء اجتماعها، تحضيرًا لخوض المعركة الانتخابية. إلّا أنّ الامتعاض الكبير، كان بعقد هذه المصالحة مع المضي بترشيح جمالي، بدلًا من إعلان مرشح توافقي، يكلل معناها العميق، خارج الإطار الشكلي. يدرك ريفي أنّه سيلقى ردودًا من هذا النوع داخل بيئته. وتشير أوساطه أنه ينتظر أن "تبرد النفوس"، وأنّه سيوضح موقفه كاملًا في المؤتمر الصحافي الذي سيعقده مساء يوم 14 آذار.

سامر كبارة وكرامي
هذا الجوّ، أعطى دافعًا لكثيرٍ من الشخصيات المستقلة، التي تنوي إعلان ترشيحها رسميًا تباعًا، رفضًا لما اعتبروه محاولة فرض مصالحات لتأمين مقعد جمالي بالتزكية، مع توقع أن تكون نسبة الإقبال على الإقتراع متدنيّة جديًا، في ظلّ غياب تشغيل الماكينات الانتخابية، "ماليًا" ودعائياً. وفي الأمس، عقد المرشح سامر كبارة، نجل شقيق النائب محمد كبارة مؤتمرًا صحافيًا بحضور شعبي، لتثبيت ترشحيه رسميًا. وإن بدا مرتبكاً ومتناقضًا إلى حدٍّ ما، بين علاقاته مع الأطراف السياسية والدخول في معركة ضدّها حاملاً شعارًا إنمائيًا، يتناوله جميع المرشحين المستقلين وغير المستقلين، فاستمر في تركيزه على شعاريّ "لا للتزكية لديما جمالي، على حساب حقوق المدينة وأهلها"، و"من أجل طرابلس".

وفيما يخصّ تيّار الكرامة الذي يرأسه النائب فيصل كرامي، فهو لا يزال متريثًا. لكنّ أوساطه الشعبية أيضًا تصف المصالحة، وما تشهده التحضيرات للمعركة الفرعية، بـ"المسرحية المدبّرة"، التي تكللت بمصالحة تهدف إلى تزكية المقعد للمرشحة التي قبل المجلس الدستوري طعنهم بنيابتها. حاليًا، ينتظر كرامي القرار النهائي الذي سيتبلّغه من مرشح جمعية المشاريع طه ناجي، في هذين اليومين، سواء للترشح أو عدمه. وفي حال رفض ناجي الترشح، وهو الاحتمال المرجح، قد يكون كرامي أمام خيارين. إمّا أن يدعم أحد المرشحين المستقلين، وقد يكون ذلك مستبعدًا، أو أن يعلن مقاطعة الانتخابات.

وحيال كلّ ما سبق، ثمّة آمالٌ يُحكى عنها، بأن تمتدّ المصالحة السنيّة إلى مختلف أطراف قوى 14 آذار، وإعادة لمّ شملهم تحضيرًا لإعادة تكوين جبهتهم "السيادية". لكنّ هذه الآمال، قد تتبدد كلّها، لمجرد السؤال عن المشروع السياسي لهذه القوى، في بلدٍ فرضت عليه التسويات، تقديم مصالح "الشراكات" الاقتصادية على أي عناوين سياسية أخرى، قد تطيح بها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024