خدعة إسرائيلية ورسالة نصر الله عبر الحريري لتل أبيب

سامي خليفة

الثلاثاء 2019/09/03

انشغلت الصحافة الإسرائيلية بتحليل الرد الذي قام به حزب الله، وطرحت تساؤلات عما إذا كان ما حصل يضع حداً لجولة العنف، مع استمرار التأهب الأمني على حدود لبنان، خوفاً من أي مفاجأت بعد الخدعة التي أحدثت جدلاً في تل أبيب.

عملية وهمية
كان لافتاً ما تحدثت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن خدعة قام بها الجيش الإسرائيلي لمنع الانزلاق إلى تصعيد أعنف، حين نشرت تفاصيل تنفيذ عملية وهمية لإجلاء جرحى من الجيش الإسرائيلي لمستشفى "رمبام" في حيفا، مشيرةً إلى أن ذلك كان تمريناً مخططاً له وحرباً نفسية.

تبين، حسب الصحيفة، أن عملية إخلاء الجرحى من الجنود الإسرائيليين من موقع العملية إلى مستشفى "رمبام" كانت عملية خداع وحرب نفسية ضد حزب الله أُعد لها مسبقاً. حيث تم صبغ الجنود باللون الأحمر، وجرى تعصيبهم، وأنزلوا من المروحيات بنقالات إسعاف. وبعد أن ساد الهدوء المنطقة الحدودية، تم تسريحهم من المستشفى.

وقد علق المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، على هذا التمويه، معتبراً أن ما قام به الجيش الإسرائيلي بعد إطلاق الحزب للقذاف بنقل جنود بمروحية عسكرية إلى مستشفى "رمبام" ليس سوى خدعة. متحدثاً عن احتمالين: إما أن حزب الله اختار عمداً هذه الأهداف لعلمه أنه لن يكون هناك مصابين لدى الجيش الإسرائيلي، أو أنه علم ببساطة أنه سقط في الفخ.

وافترض فيشمان أنه لم تعد هناك شرعية لنصر الله، لا داخل لبنان ولا خارجه، لشن هجوم ثانٍ. بل على العكس، أي هجوم جديد سيصوره كمن يستبيح أمن لبنان ويمنح إسرائيل شرعية لتوسيع نيرانها. وإذا نجح في إقناع الجمهور اللبناني بأنه سجل "إنجازاً عسكرياً" بإصابة موقع الجيش الإسرائيلي، فعلى الأرجح أنه سينزل عن الشجرة. أما إذا تحول هذا الحدث إلى سلاح سياسي ضده داخل لبنان، فإنه قد يزج به في الزاوية ويرتكب الخطأ الذي سيشعل حدود لبنان.

جدل كبير
أحدثت الخدعة التي تحدثت عنها "يديعوت أحرونوت"، جدلاً كبيراً داخل إسرائيل، وسط تساؤلات عن الهدف المنشود من الكشف عن الموضوع، وربطه بتحريض الحزب على القيام بهجوم أخر.

وبعد أن وضع المحللون والسياسيون الإسرائيليون، ما جرى في سياق كسب النقاط الانتخابية، وتضليل الجمهور وبث حالة من الرعب، طرح تساحي دافوش المراسل العسكري في إذاعة الجيش الإسرائيلي، تساؤلات عن الأمر المنطقي في نشر هذا التضليل بعد بضع ساعات مما حصل. وعما إذا كان ليفهم حزب الله أنه وقع في فخ وتُثار الرغبة لديه بتنفيذ رد إضافي بسبب الشعور بالإهانة.

ولم يتوانَ زعيم حزب أزرق-أبيض الإسرائيلي، بيني غانتس، عن انتقاد نتنياهو لابتعاده عن سياسة الغموض الطويلة الأمد للجيش الإسرائيلي بشأن العمليات الإسرائيلية في الدول المجاورة، واصفاً إياها بأنها محاولة لحشد الدعم السياسي قبل انتخابات 17 أيلول.

رسائل نصرالله لإيقاف الأعمال القتالية
من ناحية ثانية، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، عن مصدر أمني إسرائيلي بارز، قوله أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، نقل رسالة من خلال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وعبر فرنسا ومصر والولايات المتحدة، تطالب بإنهاء القتال بشرف.

وقال المصدر الأمني ​​إن التهديدات قد أعيد ترتيبها، فمشروع صواريخ الحزب أصبح الآن الأولوية الثانية. وأضاف "في لبنان، نريد تغيير المعادلة، بحيث تناسب أهدافنا فيما يتعلق بالتهديدات، ونحن ندير الأمور بعناية".

تجنب الخسائر
من جهتها، اعتبرت صحيفة "جيروزاليم بوست"، أن إيران والحزب يرغبان في تجنب التسبب في خسائر بشرية أميركية وإسرائيلية، لأنهما يعلمان أن الانتقام سيكون قاسياً.

وحسب الصحيفة، تظهر الاشتباكات الأخيرة مع الولايات المتحدة في حزيران ثم بين الحزب وإسرائيل في 1 أيلول، أن هناك حسابات أعمق. وعلى سبيل المثال، قرأت إيران رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء غارة جوية انتقامية كانت ستقتل إيرانيين عندما أسقطت طائرة أميركية من دون طيار، بشكل صحيح. وهذا ما يطرح تساؤلات إذا ما كان الحزب سيستمر بحساباته كما هي.

انتهاء النشاط العسكري واستمرار حالة التأهب
بدورها، استنتجت صحيفة "هآرتس" بأن الحزب غير مهتم بتوسيع صراعه مع إسرائيل، وبالتالي فإن النشاط العسكري على الحدود الشمالية لإسرائيل قد وصل إلى نهايته. وأن موقف الحزب ينبع من عدة تطورات جديدة، دولية ومحلية، تتطلب منه أن يتصرف بطريقة محسوبة وحكيمة حتى لا يضر حلفاؤه داخل لبنان أو الدعم الاستراتيجي الذي يحصل عليه من إيران وسوريا.

بما أن الحزب يسيطر على بعض الوزارات، فهو مهتم جداً، كما ترى "هآرتس"، بوصول أموال المانحين، ويدرك أن المسؤولية الوزارية والرغبة في الحصول على تمويل حكومي سخي تلزمه بتخفيف أنشطته وبياناته المعادية لإسرائيل. وفي الوقت نفسه، هو مُلزم بدعم المصالح الإيرانية في لبنان، لا سيما بالنظر إلى المنافسة القوية بين الجمهورية الإسلامية وروسيا في الأراضي السورية.

هذا، وكتب المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، بأنه كما تبدو الأمور الآن، فإنه من الجائز القول بنهاية جولة العنف الحالية، رغم أن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى الحفاظ على مستوى تأهب مرتفع على طول الحدود، لعدة أيام مقبلة على الأقل، من أجل التأكد من أن الحزب لا يُعدّ له مفاجأة أخرى. مضيفاً أن الردع المتبادل ما زال مؤثراً. ويبدو أن أمين عام حزب الله، لجم أفكاراً ربما تعالت في القيادة العملياتية في الحزب حول تشديد الرد المخطط تجاه الجيش الإسرائيلي.

تحذيرات
رغم عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي في البلدات الحدودية، فإن الجيش الإسرائيلي يواصل البقاء في حالة تأهب قصوى على طول الحدود مع سوريا ولبنان، تحسباً من تجدد المواجهات. وفي هذا السياق، قال المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، إن هناك جملة تحذيرات مهمة، لعل أهمها احتمالية عدم اكتفاء نصر الله بما حصل، وأن يرسل عناصره لتنفيذ عمليات انتقام أخرى تسقط قتلى إسرائيليين، ما يتطلب من الجيش والمستوطنين في الشمال المحافظة على مستوى كبير من اليقظة والانتباه.

كما تحدثت بعض التحليلات العبرية، أن "حادثة واحدة" (بالإشارة إلى هجوم الضاحية الجنوبية)، على الأقل، لا تزال مفتوحة، لذلك لا يمكن التيقن الآن من حال الهدوء على الحدود.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024