صورة حكّام لبنان في الصحافة الدولية: "براند" عالمي للفساد

نبيل الخوري

الأحد 2020/12/13

هل أصبح حكّام لبنان أشبه بـ"براند" (Brand) أمام الرأي العام الدولي؟ سؤال يفرض نفسه على قارئ مقالات وتقارير في الصحافة الغربية، التي دأبت على تناول أخبار هؤلاء الحكّام وتصويرهم بأعتى الصور المخزية.

بات لهؤلاء إذاً سمعة دولية مشينة. لا يتعلق الأمر بحملات افتراء أو بفبركة أخبار كاذبة عنهم. بل على العكس تماماً. الصورة النمطية التي باتت مكرّسة عالمياً عن حكّام لبنان هي، في الواقع، مفصّلة على قياس إفراطهم في الفساد والزبائنية والمحسوبية، والإثراء غير المشروع، والإهمال، وعدم الكفاءة، وانعدام المسؤولية، والخفّة، واللامبالاة في إدارة شؤون البلد، خصوصاً في وقت الأزمات.

ذمَ وتقبيح
بمعنى آخر، وعلى عكس كل من الأم تيريزا التي ترمز إلى فعل الخير والعمل الإنساني والتضامن مع الفقراء والمعدمين، وتشي غيفارا الذي يرمز إلى نضال القارة اللاتينية من أجل التحرر الاجتماعي، أو نيلسون مانديلا الذي يرمز إلى الكفاح الأفريقي ضد العنصرية ونظام الفصل العنصري، فإن حكّام لبنان يرمزون إلى الأعمال السياسية الرذيلة التي تسببت بظلم وشقاء شعبهم، وإلى انحراف السياسة وابتعادها كل البعد عن الكمال. هذا ما جعلهم موضع ذمّ وتقبيح، ليس فقط في الصحافة المحلية المستقلة بل في الصحافة الدولية أيضاً، لا سيما بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020.

العيّنات لا تحصى. إحداها ما نشرته أخيراً صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في 30 تشرين الثاني، عن عرقلة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان بهدف الحؤول دون الكشف عن "عمليات غسيل أموال" يستفيد منها حزب الله وغيره في لبنان. وأوضحت الصحيفة أنه "من بين الذين يقومون بعرقلة التدقيق، حاكم بنك لبنان (رياض سلامة) والمسؤولون اللبنانيون (...)". ما تنشره وسائل الإعلام من تقارير أو بيانات يترك انطباعات غير ملائمة عن صانعي القرار اللبنانيين لدى الرأي العام الدولي. وإذا أرادت الماكينات الإعلامية التابعة لهؤلاء السياسيين أن تتهم أجهزة ما بالوقوف وراء حملات دعائية للإساءة إلى صورة هذا السياسي أو ذاك، فإن بعض التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية رسمية تأتي لتؤكد المؤكد. المثال على ذلك، تقرير "البنك الدولي" الأخير عن مسار الانهيار الاقتصادي في لبنان، والذي حمل عنوان "الكساد المتعمّد". انتشر هذا التقرير بسرعة في العالم. ويتضمن اتهاماً مباشراً للحكّام اللبنانيين بأنهم امتنعوا عن سابق تصور وتصميم، عن اتخاذ "إجراءات سياسية فعالة"، ما "أدى إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل".

أسلوب المافيا
مثال آخر عن الصورة النتنة، القذرة، الدنيئة، التي تعكسها الصحافة الدولية، يتمثل في افتتاحية صحيفة "لوموند" الفرنسية، في 30 تشرين الثاني أيضاً، والتي حملت عنوان "لبنان: الدولة، وحش غير قابل للحكم". إنها توليفة تمثل ربما ذروة عملية تهشيم صورة المسؤولين والنظام في هذا البلد. بالمفيد المختصر ولكن الفتّاك، كتبت أنه في لبنان "باتت السلطة أكثر من أي وقت مضى في قبضة عصابة مؤلفة من أحزاب طائفية، ويتعايش فيها الزعماء التقليديون وزعماء الحرب السابقون وأولئك الذين استغلوا الفساد لجمع ثروات طائلة. زمرة من الفاشلين في السياسة العامة ومن البارعين في السياسة الفئوية". وعن التواطؤ بين "رأسَيْ" النظام اللبناني، "الأوليغارشية المالية" من جهة، وحزب الله كـ"سلطة موازية" من جهة ثانية، تقول الصحيفة إن حزب الله "ليس متورطاً بشكل مباشر في الانهيار المالي للبلد"، لكنه "يلتزم الصمت، تضامناً مع بعض حلفائه (المتورطين فيه). ويتغاضى عن الفساد مقابل تغاضي الأوليغارشية عن سلاحه". وإذ تشير الصحيفة إلى نقمة المجتمع الدولي والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على هذا النظام، تعود وتصوّر حالة لامبالاة الحكام بأبشع الصور: "الطبقة الحاكمة تواصل تصرفها وكأن شيئاً لم يحدث. تمعن في إخفاقاتها المتعاقبة، وفي النهب والتهرب " من المساءلة والمحاسبة.

الفساد بات وسماً خاصاً بكل من له علاقة من قريب أو بعيد بإدارة الشأن العام في هذا البلد. هذا هو الانطباع الذي يتكون عند قارئ إحدى افتتاحيات صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 5 آب 2020، بعد يوم من جريمة المرفأ. تقول، على سبيل المثال لا الحصر، إن اللبنانيين اعتادوا على "إهمال الدولة التي وقعت أسيرة المصالح الطائفية"، والتي تُدار "الخدمات والمرافق (العامة) فيها بوصفها مصدراً لكسب الأموال بطريقة غير مشروعة، على غرار أسلوب المافيا".

لوحة مقززة
ثمة نظرة سلبية واضحة في الصحافة الغربية تجاه حكّام لبنان. وفيما كان ماكرون يبادر من أجل فرملة الانهيار المالي والاقتصادي، كان بعض الكتّاب يتوقعون الفشل. في 16 آب، كتب المؤرخ الفرنسي، جان بيار فيليو، في مقالته الأسبوعية في "لوموند"، إن "الرئيس (ميشال) عون يجسد (حالة) رفض الإصلاحات التي يشجع عليها الإليزيه في لبنان". بعده بأسبوعين، رسم الصحافي كريستيان شينو، في مجلة "شالانج" الفرنسية، في 30 آب، لوحة مقززة، بعنوان: "أهلاً وسهلاً في لبنان، بلد تحوّل فيه الفساد إلى صناعة محلية". ويسرد في تقريره كيف أن "تفجير المرفأ (...) كشف عن حجم زبائنية الطبقة اللبنانية الحاكمة". ويقول إن رئيس البرلمان، نبيه بري، "يجسد، في نظر اللبنانيين، فساد نظام لبناني متآكل ومحتضر".

هكذا، يتكرس الفساد بكل أسف، كسمة "زعامتية" لبنانية. صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مشهورة في منشوراتها عن لبنان وحكّامه في هذا الصدد. كعادتها تحمل بشدة على كيفية إدارة هؤلاء للأزمة. في 22 تشرين الأول، وصفت عملية إعادة تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة، مستخدمةً نعتاً يعكس ضمنياً الازدراء، بقولها إن "عودة الحريري قد تمثل استمرار قوة سماسرة السلطة الطائفية القائمة من زمن طويل" في هذا البلد. ليست صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أقل استهدافاً للحكّام اللبنانيين. في تعليقها على العقوبات الأميركية على النائب، جبران باسيل، في 9 تشرين الثاني، ذكرت أن باسيل "الذي تولى عدة مناصب وزارية من 2008 حتى 2020، من ضمنها وزارة الخارجية، ولكن أيضاً وزارة الطاقة، أحد بؤر الفساد، تمكن من توسيع نطاق سيطرته في البلد".

السقوط الديبلوماسي
هذه عيّنة محدودة وغير شاملة من أصل سلّة عيّنات يمكن أن تشكّل مادة دراسة في أطروحة دكتوراه. لكنها تكفي هنا للاستنتاج بأن هذه السمعة الملطخة، التي تُضاف إلى فقدان الثقة الدولية بالحكام ونظامهم، تعني أن هناك حاجة ماسة لاستبدال هؤلاء الحكّام بسياسيين جدد كفوئين وغير فاسدين. فهؤلاء الحاليين لم يعد لديهم أي صدقية في نظر قادة حكومات الدول الديموقراطية في العالم. خير دليل على ذلك يتمثل في رفض المانحين الدوليين تقديم أي دعم مالي للبنان من دون إصلاحات تضع حداً للفساد المستشري. ناهيك عن الشرط الدولي المتمثل في ضرورة المراقبة الدولية لكيفية صرف أموال المساعدات واستثمارها في مشاريع البنى التحتية.

بهذا المنحى، بات هؤلاء الحكام أشبه بالأشخاص غير المرحب بهم في دوائر المجتمع الدولي ومراكز صنع القرار المتعددة الأقطاب. إذا جلسوا في اجتماع ثنائي أو إذا تحدثوا في مؤتمر دولي، من سيصدّق كلامهم عن ضرورة مكافحة الفساد وإدانتهم للإثراء غير المشروع وتبييض الأموال في العالم؟ إذا كان يوجد عاقل في العالم يصدّق مثلاً، خطاباً لصدام حسين أو لمعمر القذافي أو لعمر البشير أو بشار الأسد عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية، وهم من أبرز الطغاة في العالم، وإذا كان هناك أحد يستطيع أن يصدق مثلاً، خطاباً لأرييل شارون يدين فيه جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو من أكبر مرتكبي المجازر في العالم، عندها سيجد هؤلاء الحكام اللبنانيين من يصدقهم.

سقوطهم المعنوي في الصحافة الدولية هو سقوطهم الدبلوماسي أيضاَ. أما سقوطهم السياسي في الداخل فقد بات ممراً إلزامياً وحصرياً لإنقاذ لبنان وحماية صورة دولة لبنان وسمعتها في العالم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024