صرف العاملين في "تيار المستقبل": الضباط على حساب الجنود

جنى الدهيبي

الجمعة 2019/09/27

يمكن القول أنّ العام 2019، كان مصيريًا في مسيرة تيّار المستقبل، سياسيًا وتنظيميًا وإعلاميًا. انهيارات كاملة من جهة، وتضييق وتقشّف من جهة أخرى. ثمّة ما أوحى أنّه في عهد "الابن الوريث" ضربَ دمارٌ كبيرٌ منظومة "الحريرية السياسية" التي أسسها الرئيس الراحل رفيق الحريري، بمشاريعه ومؤسساته على امتداد الوطن. وبعد اختفاء صوت "المستقبل"، مع اقفال الجريدة والتلفزيون، جاء الدّور على موظفي الأمانة العامة واللجنة المركزية في التيّار، حتّى يشربوا من كأس الأزمة المالية، التي وقع فيها رئيس الحكومة سعد الحريري.

ليست أزمة كوادر موظفي التّيار، الذين يشرف عليهم مباشرة أمينه العام أحمد الحريري، وليد لحظة خروجه إلى العلن. فعمر أزمة هؤلاء الموظفين المكتومة، التي سبق أن أشرنا إلى احتمال تفجرها، هي من عمر أزمة مصروفي الجريدة والتلفزيون و"المستقبل" بكامله، وما يجمعهم هو الدَيْن الذي يحمله لهم الرئيس الحريري في ذمّته.

ما يميّز قضيّة موظفي التيار عن غيرها من قضايا مصروفي "المستقبل"، هو أنّه لا يوجد في الأساس تيّار سياسي يوظّف كوادره ومحازبيه ويدخلهم إلى صندوق الضمان الاجتماعي، ويتعاطى معهم كموظفين في القطاع الخاص. هذا التعاطي مع المحازبين، الذي يشرح في بعض أوجهه أسباب الهدر وغياب سياسة ترشيد النفقات، التي دفع "المستقبل" ثمنه غاليًا نتيجة "الفلتان" الحاصل داخل مؤسساته، استطاع أن يقدّم لهم الكثير، على مستوى الرواتب الوظيفية والتسجيل في الضمان وتلقي بدل تعليم. وهذا الحال "التوظيفي" للمحازبين، رضي به المستقبل ومشى فيه سنوات طويلة، هو ما جعل مسألة "التّنصل" منه، لا سيما بحقّ الذين علّقوا آمالهم وحياتهم على هذه الوظيفة، أمرًا صعبًا للغاية.

رسميًا، يعتبر "المستقبل" أنّ ما يقوم به هو مسار طبيعي، وخطوات جريئة خلافًا لكثير من الأحزاب التي تتحفظ عن ذكر ما يدور في أروقتها، بغية خوض مضمار الاجراءات التقشفية التي سبق أن بشّر بها الرئيس الحريري بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في العام 2018.

صرف بالجملة
يتولى مدير مكتب أحمد الحريري غسان كلش مهمة تبليغ الموظفين بصرفهم في مكاتبهم ومقراتهم، بدل استدعائهم إلى الأمانة العامة منعًا لأيّ حشدٍ أو سجال. وحسب معلومات خاصة بـ "المدن"، فإنّ ما بين 70 و90 موظفًا، جرى تبليغهم بصرفهم، وهم من أصل ما يقارب 300 موظف. أغلب المصروفين، هم من "الجنود" وليسوا "ضباطًا". أمّا "الضباط"، فيُقصد بهم المنسقين، الذين يتقاضون مخصصات وليس رواتب، وهي لا تكون خاضعة لقانون العمل، ومعظمهم يمسك بمراكز حزبية، وبعضهم لديه وظائف أشغال منفصلة، خلافًا لموظفي التيار العاديين المسجلين في الضمان، أيّ الجنود، يتحملون وحدهم ثمن الخسارة.

في الواقع، ليست أزمة موظفي التيار مالية وحسب، وإنّما هناك سبب آخر. ووفق المعلومات نفسها، فإنّ تيار المستقبل يستعجل عملية الصرف لأنه يرتبط بمهلة معينة من أجل تسليم قصر القنطاري مع تبعاته، بعد أن جرى بيعه لرجل الأعمال الأردني – المصري علاء الخواجة. أما ما يتبقى من موظفين، فهناك معلومات عن احتمال جمعهم في طابقين فقط من المبنى المؤلف من 11 طابقًا، في المقر الرئيسي الملاصق لمبنى تلفزيون المستقبل.

وتفيد مصادر "المدن" في أوساط التيّار، أنّ مصير هؤلاء المصروفين الذين يُضافون إلى تخمة المصروفين من مؤسسات أخرى للحريري، ليس كامل الوضوح بعد. وهؤلاء، لديهم في ذمة التيار 20 راتبًا متأخرًا، وبعضهم يمكن أن يحصل على 6 أشهر طرد تعسفي، وآخرون على 4 أو 3 أشهر. وقد قيل لهم أيضًا أنّ تقسيط هذا المبلغ في المبدأ سيكون على مدار 24 شهرًا، أيّ عامين كاملين.

أحمد الحريري
الحديث عن كوادر التيار لا يمكن فصله عن أحمد الحريري. وفي المبدأ، قد لا يرتد عليه انعكاسات سلبية. إذ كلّما قلّ عدد الموظفين قد تصبح المسؤوليات أقلّ على عاتقه. ومن بين مسارب الهدر التي تعصف في تيار المستقبل، كان في الرحلة الأخير التي قام بها أحمد الحريري إلى الصين، قبل فترة، وأخذ معه وفدًا مستقبليًا كبيرًا، تكبّد مبلغًا باهظًا من ميزانية التيار التي كانت تقبع في حالةٍ اقتصادية مزرية. بعض المصروفين، يحكي أنّ الوضع داخل مبنى التيار بلغ من السوء لدرجة فقدان أدنى حاجيات الموظفين في المطبخ ولوازمه. بل وقد قطعوا عنهم الكهرباء، وهو ما دفع كثيرين إلى الامتناع عن النزول إلى المكاتب، نتيجة هذا الوضع ولعدم تقاضيهم أجورهم، لا سيما أنّهم لا يعملون في شركة انتاجية وإنما في خدمات سياسية.

وعلى وقع كلّ هذا، وفيما يُصرف هؤلاء الموظفون إداريًا وليس تنظيميًا من التيّار، تلقوا على مضض وبغضب خبر احتمال زيارة الوزير جبران باسيل إلى مركز التيار الرئيسي، بدعوة من التيار للقاء كوادره لأول مرّة!

فهل سيقف هؤلاء المصروفون الغاضبون داخل مركزهم لاستقبال "صديق" وحليف رئيسهم الذي لم يتقبلوه ولم يهضموه يومًا ؟!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024