الحريري يصارح عون بحزم.. لا تنازلات لباسيل

منير الربيع

الجمعة 2020/10/23
نجح الرئيس سعد الحريري بفرض أمر واقع من دون إرضاء رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. ما كان غير متوقع أصبح واقعاً. لم يكن أحد في لبنان يتخيل أن يتنازل عون إلى هذا الحدّ. تنازلٌ قدّ يجرّ غيره من التنازلات في مسار تشكيل الحكومة. وما فُرض في التكليف قابل لأن يُفرض بالتأليف.

مصارحة بين الرؤساء

أنجزت الاستشارات النيابية الملزمة، كُلف الحريري برئاسة الحكومة، بينما باسيل بقي معارضاً. وستنجز الاستشارات غير الملزمة، من دون أن يتمكن باسيل من فرض شروطه وتصوراته. ووفق القاعدة المعروفة، التنازل الأول يجرّ تنازلات بعده، قد تسير عملية تشكيل الحكومة، ويجد رئيس الجمهورية نفسه محرجاً، إذا ما قرر الاستمرار بالتعطيل، فيضطر إلى التنازل مجدداً. إنها فرصة الحريري الأخيرة، كما وصفها هو من القصر الجمهوري.

لقاء التكليف الذي جمع رئيس الجمهورية ميشال عون مع الرئيسين سعد الحريري ونبيه برّي كان في منتهى الصراحة، وفق ما تقول المصادر. حاول عون أن يغمز من قناة ضرورة التفاهم بين الحريري وباسيل، لتوفير ظروف تشكيل الحكومة. فكان الحريري بمنتهى الصراحة، وهو الذي كان يقول دوماً إن امكانية التفاهم مع رئيس الجمهورية قائمة ومرتفعة، ولكن العقبة تبقى في باسيل الذي يأسر عقل الرئيس وقلبه، ما يعيق أي مجال للتفاهم. هكذا، وبهدوء انتفض على هذه المعادلة، متوجهاً إلى عون قائلاً: "يا فخامة الرئيس، نحن ثلاثة رؤساء، والتفاهم بيننا ممكن، لماذا تريد أن تحشر جبران بين ثلاثة رؤساء، لا يمكنك أن تساويني به، أنا أتواصل معه كرئيس كتلة نيابية. لا يمكنه أن يكون شريكاً معي في عملية التأليف".

باسيل غير المرغوب
حسمُ الحريري وحزمه، يفترض أن يبقيه على الشروط نفسها التي استمر عليها ما قبل عملية تكليفه، وكأنه يخوض معركة بمفعول رجعي، أسس لها في خطابه بـ14 شباط 2020، عندما قال إنه استقال لأنه اضطر إلى التعامل مع رئيسين للجمهورية، الرئيس الفعلي ورئيس الظل، وهو لم يعد قادراً على التعاطي مع رئيس الظل. وقد تكرس ذلك في إصرار الحريري على نسف معادلة التلازم مع باسيل داخل الحكومة أو خارجها. وما هو مؤكد أن أي حكومة سيشكلها الحريري لن يكون باسيل مشاركاً فيها. وهذه هزيمة أساسية سيُمنى بها باسيل.. في حال تشكلت الحكومة.

هنا لا بد من الإشارة إلى طبيعة الحكم والنظام اللبناني، والذي يتمكن من إنتاج نفسه، ونبذ أي طرف يريد كسر التوازنات. وهناك عشرات التجارب في التاريخ اللبناني لنبذ مثل هذه النزعات. صحيح أن عودة الحريري تذكر بالعودة إلى الأيام الأولى لثورة 17 تشرين، لكن يومها كانت غالبية جموع اللبنانيين في الثورة على حكومة الحريري لأنها كانت موصوفة بحكومة جبران باسيل، والذي تحكّم بكل مفاصلها وتفاصيلها. وظهر أن الرجل غير مرغوب على الإطلاق وغير محبب لجموع اللبنانيين، بسبب خطابه وطبيعة حركته السياسية، والتي لا تقوم إلا على التعالي والابتزاز وتنزيه النفس. لا يمثل سعد الحريري استفزازاً للناس بالقدر نفسه من الاستفزاز الذي يجلبه وجود باسيل في مثل هذه الحكومة. فلو حضر فيها وشارك في تأليفها، عندها لا بد أن تتكرر الانفجارات المتتالية في الشارع اللبناني.

طبعاً سيحاول باسيل بذل الكثير من الجهود لعرقلة مساعي الحريري، أو لرفض عودته، وبحال فشل، سيعود إلى استخدام لعبة المظلومية المستهلكة. المظلومية السياسية بتظهير الحال وكأنها عودة إلى العام 1990، ومظلومية طائفية باللعب على الوتر المسيحي، علماً ان هذه شعارات كلها لن تغني ولن تسمن، وأصبحت الناس في مكان آخر، خصوصاً في ظل مواقف كل القوى المسيحية المناهضة لمواقف التيار الوطني الحرّ، من البطريرك الماروني بشارة الراعي، والمطران الياس عودة، إلى كل الأحزاب والقوى السياسية المسيحية، كحزب القوات اللبنانية، تيار المردة، حزب، وغيرها من الشخصيات المستقلة.

حلفاء النظام السوري أيضاً
لا يمكن إغفال موقف حلفاء النظام السوري، الذين اتخذوا موقفاً إلى جانب الحريري. وهذا تحول "صادم" في المواقف. فبينما كان السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم علي، يمارس الضغط عليهم لعدم السير بتسمية الحريري، إلا أنهم خالفوا هذه الضغوط. ولا بد هنا من الحديث عن دور حزب الله في إقناع هؤلاء النواب بالتصويت للحريري، فيما بدا اللقاء التشاوري متشظياً، بعد تصويت النائبين جهاد الصمد وعدنان طرابلسي. أيضاً يجب التذكير أن الدعم الروسي للحريري معروف. وهنا لا بد من الأخذ بالاعتبار الحسابات الروسية التي أثرت على موقف هؤلاء النواب. لا بد للموقف الروسي أن يكون له انعكاسات متعددة في المرحلة المقبلة.

بحال نجح الحريري بتشكيل حكومة اختصاصيين، واستبعد منها جبران باسيل، يعني أن الرجل نجح في إحالة رئيس التيار الوطني الحرّ إلى تقاعد مبكر، ومستقبل مؤجل. مستقبل كان يستعجله باسيل منذ سنوات العهد الأولى، ليحتكر الجلوس على كرسي بعبدا، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. بخطوته هذه، يكون الحريري قد نجح باستمالة كل القوى السياسية، وفرض نفسه كأمر واقع لا يمكن استبعاده. وأبرز الدلائل هو فشل حكومة حسان دياب، فيما يتوضح أنه يمكن استبعاد باسيل من كل المعادلات الحكومية، وتستمر المسارات على طبيعتها. الأمر الواقع الذي فرضه الحريري سيدفعه إلى الحصول على غطاء دولي لمسيرته أيضاً. هذا كله رهن منهج عمله.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024