احتجاجات لبنانية متفرقة لا تصنع حراكاً ولا معارضة

المدن - لبنان

الأحد 2019/10/06

يبدو أن مسلسل الاعتصامات المتواضعة والمتفرقة في بيروت والمدن والبلدات الأخرى لا يتوقف. لكن من دون تحوله إلى حركة احتجاجية عامة، ومن دون القدرة على صوغ خطاب مطلبي وسياسي. مسلسل أشبه بفورات موضعية متنقلة تعجز عن تكوين مشهد اعتراضي واسع.

مقتل ناشطة
على هذا النحو، اعتصم عشرات المواطنين في ساحة الشهداء ببيروت، قبل ظهر الأحد 6 تشرين الأول، بدعوة من "مبادرة وعي"، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية السيئة. وابتدأ الاعتصام بحادثة مأسوية، إذ قُتلت الناشطة الشابة نادين جوني في حادث سير، أثناء توجهها للمشاركة في التظاهرة.

وبعد أن اجتمع المعتصمون في الساحة، قرر قسم منهم التوجّه إلى السراي الحكومي حيث هددت امرأة بحرق ابنتيها بسبب رفض مدرسة بلال فحص في الجنوب إدخال أولادها إلى المدرسة، بسبب عدم قدرتها دفع القسط المدرسي. وأكدت انه في حال عدم حل مشكلتها فإنها ستلجأ إلى إحراق ابنتيها أمام السراي الحكومي. وعلى الفور، عززت القوى الامنية ومخابرات الجيش ومكافحة الشغب تواجدها على مداخل السراي الكبير ومجلس النواب، مستقدمة تعزيزات إضافية، علماً أنه لم تحدث أي احتكاكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية.

أغصان الزيتون
واكتفى المتظاهرون ببث الأناشيد والأغاني الوطنية عبر مكبرات للصوت، في حضور أمني كثيف للقوى الأمنية، ورفعوا الأعلام اللبنانية وأغصان الزيتون ولافتات كتبوا عليها "نازلين نتظاهر ضد اللي حكمونا من التسعينات لليوم ومصّوا دمنا وسرقوا خيرات بلادنا وأفقروا شعبنا وغرّبوا ولادنا وبعدن عم ينهبوا المال العام"، "نازلين نتظاهر ضد النظام السياسي الطائفي الفاسد"، "بدنا دولة عدالة اجتماعية وحريات عامة"، "بدنا حرية الرأي والتعبير بدل من سياسات كمّ الأفواه"، "نازلين كرمال نسترد الدولة المنهوبة ونحاسب مافيا السلطة". ثم بدأ المعتصمون بالتوقيع على عريضة ضخمة لتوحيد المطالب. ودعا المنظمون المواطنين إلى "أن يطلقوا صرختهم في وجه السلطة"، وأجمعت الكلمات المقتضبة على "وقف الهدر والسرقات وتجويع الناس والفساد المستشري في كل القطاعات، وعلى وجوب أن يتحمل الناس مسؤولياتهم ويتوقفوا عن انتخاب المسؤولين الذين أثبتوا فشلهم الذريع". وطالبت الكلمات الوسائلَ الإعلامية كافة إيصال صرختهم، وطالبوا بـ"استقالة المسؤول الفاشل من عمله ليحل مكانه الموظف الناجح والنظيف الكف"، مستنكرين "انتفاع الجمعيات والهيئات والمراكز الوهمية من مليارات الليرات من دون حسيب أو رقيب".

بولا يعقوبيان
النائبة بولا يعقوبيان شاركت في التظاهرة، واعتبرت "أن السلطة حتى اليوم فاشلة، ولم تحقق أي إنجاز يذكر. نحن أصبحنا في نصف العهد، فأين الإصلاح والتغيير؟ وأين باقي القوى السياسية؟ هم مسؤولون عما وصلنا إليه من انهيارات ومحاصصات ومافيات. سنظل ننزل لنتظاهر حتى تغيير كل هذا التعتير الذي تعيشه الناس، وسط لامبالاة السلطة".

وبعد حيرة المعتصمين بما يجب فعله بعد وصولهم إلى ساحة رياض الصلح، ووقوفهم أمام السراي، ألغوا فكرة التوجه كتظاهرة نحو مصرف لبنان. وبعد التشاور بين مسؤولي الحراك ولمزيد من التنسيق، قرروا أن يتم الإعلان عن التحرك المقبل بعد بضعة أيام.

وعند الساعة الواحدة ظهراً، بدأ المتظاهرون بإخلاء ساحة رياض الصلح. إلا أن قسماً من المشاركين قرر "الانشقاق" والسير بتظاهرة نحو مصرف لبنان، وحين وصولهم عمدت القوى الأمنية إلى منعهم من قطع الطريق، فتشتتوا بعدما قرروا العودة إلى ساحة رياض الصلح.

ساحة سمير قصير
على مقربة من التظاهرة الأولى، كانت منظمة "الشباب التقدمي" تنظم وقفة رمزية دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير، ورفضاً للاستدعاءات المتكررة بحق الناشطين والصحافيين، في ساحة سمير قصير بوسط بيروت، في حضور عضو "اللقاء الديموقراطي" النائب هادي أبو الحسن، وأمين السر العام في "الحزب التقدمي الاشتراكي" ظافر ناصر، والأمين العام للمنظمة محمد منصور، وعدد من أعضاء مجلسي القيادة والمفوضين ووكلاء الداخلية والكوادر الشبابية والحزبية.

وألقت ديانا خداج كلمة باسم عائلات الموقوفين قالت فيها: "عندما يعجز الشعب عن تأمين لقمة العيش وعندما يفتقد لمقومات العيش الكريم بحده الأدنى ورغم الضغوطات الناجمة عن مشكلة النفايات والتلوث والكهرباء والتعليم والاستشفاء وتردي الوضع الاقتصادي في أزمة الدولار والبنزين، ماذا ينتظرون من شعب يعاني من كل هذه الأزمات بأن يصف واقع الحال بجنة الفردوس ويمدح المسؤولين الذين أوصلوا الناس إلى هذا الوضع؟ هل هو جرم التعبير عن القهر والواقع المرير الذي يرهق الشعب بما لا يطاق؟".

بدوره، قال منصور: "ليس غريبا أن تمارس السلطة محاولات القبض على أنفاس اللبنانيين وملاحقة المواطنين وتقييد حرية الرأي والتعبير عندما تكون سلطة قمعية بوليسية. الغريب أن يكون هذا الأمر في عهد من فاخر بأنه واجه القمع وحارب التعسف وناضل من أجل الحريات في 2001، وبات هو اليوم في إمساكه للسلطة يراقب ويمنع ويستدعي كل من يوجه أي انتقاد لأصحاب الألقاب الرسمية". وأضاف: "لأجل كل ذلك، تؤكد منظمة الشباب التقدمي رفض كل أشكال التعدي على قدسية حرية الرأي والتعبير، وترفض استدعاء أي مواطن أو صاحب رأي حر إلى مكاتب الأجهزة الأمنية من دون أي مسوغ قانوني، وترفض تحويل أجهزة الدولة إلى أجهزة مهمتها مراقبة واستدعاء الناشطين والصحافيين".

في بعلبك



في هذا الوقت، كان عشرات المواطنين ينفذون اعتصاماً في ساحة سراي بعلبك، أيضاً احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.  وتحدث باسم المعتصمين محمد ديب عثمان فقال: "بتنا عبيداً لسلطة فاسدة، تخطت كل الحدود بإذلال شعبها، فلا ماء ولا كهرباء ولا تعليم ولا طبابة واستشفاء، ولا نسمع بتلك الأمور إلا في موسم الانتخابات. فأين هو الإنماء المتوازن الموعود؟ إن السلطة الفاسدة أنتجت بيئة تستنشق الفساد وتفرزه سموماً على المواطنين، وإن سلطة تعاقبوا عليها واستولوا على مدخراتها منذ عام 1992 وتقاسموا حصصها على أساس مزرعتهم لا تستحق الاحترام".

نفايات إقليم الخروب
في إقليم الخروب كان التظاهر والاعتصام تحت عنوان مختلف نسبياً، إذ عبر أبناء الإقليم عن رفضهم المطلق وغضبهم وإستيائهم الشديد من خطة الحكومة في معالجة مشكلة النفايات "على حساب أرواح أبناء الإقليم وصحتهم" من خلال اعتماد كسارة الجية - بعاصير - ضهر المغارة، كموقع لمحرقة أو مطمر للنفايات.

وأطلق المحتشدون شعار "لن يمر لا بالعرض ولا بالطول، وإما قاتل أو مقتول"، خلال الإعتصام الذي نفذوه عند مدخل موقع الكسارة المذكورة، بدعوة من لجنة تنسيق أهالي الإقليم، بمشاركة حاشدة من مختلف الأحزاب والتيارات السياسية التي يتكون منها مجتمع الإقليم، إلى جانب بعض رؤساء البلديات ورجال الدين. وحرص المنظمون على عدم اطلاق الشعارات الحزبية، على اعتبار ان التحرك أهلي ومن المجتمع المدني، واقتصر الأمر أيضاً على رفع العلم اللبناني فقط وسط حضور كثيف من القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024