من جهنم إلى افغانستان!

عارف العبد

الجمعة 2021/10/08

الكلام الذي صدر عن رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، السيد هاشم صفي الدين، يوم الأحد في الثالث من هذا الشهر، لم يكن كلاماً عادياً أو موقفاً سياسياً أراد حزب الله إعلانه أو الترويج له لتسويقه. بل هو كلام لا بدّ من التوقف عنده والتأمل في تجلياته، خلفياته وأهدافه، والاحتمالات التي يطرحها. فهو قد قال: في مناسبة خاصة بالحزب خصصها لعرض ما يعتقد انها انتصاراته على العدو الأكبر أميركا: "الأمريكان يؤثّرون في لبنان أمنياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً، وهم أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم الكثير داخلها". مضيفاً: "حتى الآن، لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة. ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، فسيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر"!

إلا أن السيد صفي الدين، استدرك قائلاً: "لم نخض هذه المعركة (مع الأميركي في أجهزة الدولة)، لأننا نعرف ما هي قدرة تحمّل لبنان، فأميركا عدوّ لا يقل عداوة عن إسرائيل".

الملاحظ في هذا الكلام أنه لم يصدر عن الأمين للحزب، السيد حسن نصرالله، ولا عن نائبه، بل عن رئيس المجلس التنفيذي. وفي هذا الشأن، إشارة إلى أن الأمر مطروح للدرس والبحث والتقليب والتفكير. فحين يصدر هكذا كلام عن الأمين العام فهذا يعني أنه أمر للتنفيذ، كما درجت العادة في أمور وتجارب سبق أن أعلنها الحزب ونفذها، حتى لو كانت جديدة أو كبيرة أو خطيرة. وهذا ما حدث تجاه قضايا ومواضيع متعددة تعلقت بإسرائيل أو بأطراف ومواقف أخرى، ومنها حين قرر الحزب مثلاً التوجه نحو سوريا، والانخراط في حربها "لحماية المزارات المقدسة"، كما قال يومها. فقد تولى حينها التمهيد لهذا الأمر السيد نصرالله شخصياً عبر إطلالات متعددة وكثيفة.

لماذا كلام السيد صفي الدين الآن وإلى ماذا يهدف؟

ببساطة، يأتي كلام المسؤول في حزب الله الآن مترافقاً مع مرحلة مهمة وحساسة وخطيرة وأساسية، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة ككل. فكما هو معروف، المفاوضات النووية الإيرانية الغربية كانت قد انطلقت في فيينا بطريقة غير مباشرة بين طهران وواشنطن، بواسطة أطراف الاتفاق النووي، فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا، خلال نيسان الماضي، وعُقدت ست جولات منها، لكنها لم تفض إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي، وعودة الولايات المتحدة الأميركية وإيران إلى التزاماتهما بموجب الاتفاق، الذي كان دونالد ترامب قد خرج منه.

لكن هذه المفاوضات توقفت يوم 20 حزيران الماضي بطلب من طهران، بحجة انتقال السلطة التنفيذية في إيران. ورغم انتقال السلطة من الرئيس السابق حسن روحاني إلى الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي منذ قرابة شهرين، إلا أنه مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على وقفها ولم تستأنف إلى الآن.

لقد أعلنت طهران، في وقت متأخر من مساء السبت، في اليوم ذاته الذي تحدث فيه صفي الدين (يا للصدفة)، أنها ستعود "قريباً" إلى مفاوضات فيينا بشأن ملفها النووي، من دون أن تعلن موعداً محدداً لذلك.

إذاً، بكل بساطة، الأمر يثار ويطرح بالتوازي مع المساعي الدولية والإقليمية لعودة المفاوضات بين إيران والدول الغربية، ولبنان في النهاية ورقة من الأوراق يجري تحريكها وفق الطلب والحاجة للاستخدام على طاولة المفاوضات والضغوط الجارية والمتبادلة.

لكن هل يمكن أن يقدم حزب الله على إعلان معركة تحرير لبنان من النفوذ الأميركي كما ألمح صفي الدين؟ وما هي المتوجبات والخطوات المنتظرة في هذه الحالة؟

في حالة لبنان الحاضرة، ما من أمر مستبعد. فاستناداً إلى التجارب السابقة، كل الأمور واردة،  وكل الاحتمالات ممكنة، حتى لو استبعدنا حدوثها.

في حال تبين لصناع القرار الإقليمي أنه يجب ممارسة القليل من الضغوط المتبادلة لتبديل نقطة من المفاوضات الدائرة،  فإن الحزب لن يتردد في الانتقال إلى المعركة التي تحدث عنها السيد صفي الدين ـ وفي هذه الحالة يجب رد آخر دفعة من المساعدات العسكرية التي حصل عليها لبنان من الولايات المتحدة للجيش اللبناني، ووقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الأميركي الصبغة والصفة.

وإذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد خالف توجهات دونالد ترامب، وقرر مساعدة لبنان مادياً فيجب الاعتذار منه تنفيذاً لرغبة السيد صفي الدين.

بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان سارعت طهران لاستيعاب الأمر والإعلان عن ترحيبها بهذا التطور، والتأكيد انها على استعداد للمساعدة على تثبيت الاستقرار في الدولة الجارة المحررة من النفوذ الأميركي، حيث اتسع وكبر محور المقاومة في المنطقة.

الرئيس ميشال عون كان قد توقع لنا الذهاب إلى جهنم. وقد نجح في توقعه بجدارة وتفوق.

وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان الذي زار بيروت والتقى المسؤولين فيها، أكد استعداد بلاده للوقوف بقوة إلى جانب لبنان  المحاصر من أميركا، حسب قوله، ومساعدته بكل ما يطلب ويريد.

فهل ينتقل لبنان إذا ما نفذ حزب الله كلام السيد صفي الدين إلى حالة افغانستان؟  

ما من أمر يثبت العكس حتى الآن!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024