ترسيم الحدود..لإيصال سوريا ولبنان إلى مفاوضات مع إسرائيل؟

منير الربيع

الأحد 2020/09/27
بعد العُقد التي أطاحت بتشكيل الحكومة، عاد الحديث إلى مسألة ترسيم الحدود. وأعاد الحرجُ القوى اللبنانية إلى استخدام ورقة من أوراقها الكثيرة. ولا بد من تعداد هذه الأوراق، في مقابل أوراق دولية ضاغطة على لبنان.

تتوزع الأوراق اللبنانية على قوى متعددة، متنافسة ومتنازعة في تصعيدها وتنازلاتها للحصول على مكاسب. والورقة الأساسية والأهم، هي ورقة ترسيم الحدود المرتبطة بأوراق الضغط الدولي.

حدود عون وحزب الله
ومسألة ترسيم الحدود ترتبط بتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتنقيب عن النفط، وباختيار وجهة سير لبنان في إطار تحالفات النفط والغاز في شرق المتوسط. وهذه الأوراق إلى جانب ورقة المعابر بين لبنان وسوريا والاستقرار المحلي، يملكها حزب الله.

وحاول كل من الرئيس سعد الحريري والرئيس عون انتزاع ورقة ترسيم الحدود، فلم يتمكن أي منهما من ذلك. لكن عون يمتلك ورقة أخرى أيضاً يلوّح بها دوماً: الدولة المدنية وتعديل الدستور أو تطويره. وعون ومن خلفه جبران باسيل يعتبران أن حلّ مسألة ترسيم الحدود هو المدخل لتحسين علاقات لبنان ووضعيته، وإبعاده عن الصراعات الدائرة في المنطقة.

اتفاق حول إطار الترسيم 
في المقابل، أوراق الضغط الدولي، والأميركية منها خصوصاً، واضحة: ترسيم الحدود، نزع سلاح حزب الله المتطور وصواريخه الدقيقة، ضبط المعابر ووقف تهريب السلاح، ولاحقاً فرض المؤسسات الدولية أو صندوق النقد الدولي شروطاً مالية قاسية، لإجراء إصلاحات جذرية في البنيتين المالية والاقتصادية اللبنانيتين. وهذه لها تداعياتها السياسية.

ومع اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة، عاد الحديث سريعاً عن ترسيم الحدود. وبدأ الكلام عن قرب إعلان اتفاق إطارها. والموقف الآن يشبه موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الخامس من آب، عندما أعلن أن المفاوضات حول الترسيم أصبحت في خواتيمها.

وقصد بري آنذاك وضعَ اتفاق إطار للمفاوضات، وليس التوصل إلى اتفاق على الترسيم. واتفاق الإطار يعني تحديد الجهات المفاوضة، بأسمائها وأسماء ممثليها، ومهمة كل من أطرافها، وتحديد موعدها، وإنجاز الإجراءات اللوجستية لجلساتها، ومن هي الجهات الراعية للمفاوضات، والتي أصبح معروفاً أنها الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة. هذا إضافة إلى آلية التفاوض، ووفق أية خرائط، وانطلاقاً من أية نقطة. واتفاق الإطار لا يعني الاتفاق على الترسيم وإعلان إنتهاء المهمة. بل إعلان بدء المفاوضات الجدية.

وتؤكد المعطيات أن لبنان قدم، بعد انفجار مرفأ بيروت، موقفاً إيجابياً حول ترسيم الحدود. لكنه سرعان ما تراجع عنه. لذا لم يلتق ديفيد شينكر المسؤولين السياسيين، في زيارته الأخيرة لبنان، بل التقى بعض المقربين منهم، وكان كلامه واضحاً في شأن ترسيم الحدود: واشنطن على شروطها وجاهزة، لكن لبنان تراجع.

وبعد فرض عقوبات على الوزير علي حسن خليل، ردّ الرئيس نبيه بري قائلاً إن المفاوضات منجزة، وليست معروفة الأسباب التي تؤدي إلى تأخير إعلانها وإطلاقها. وفي الأسبوعين المقبلين يفترض أن يزور شينكر لبنان، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الإطار، وليس على الاتفاق على الترسيم.

سوف يُسحب الملف من يد الرئيس نبيه بري بعد إعلان اتفاق الإطار، فتتولاه الحكومة اللبنانية ورئاسة الجمهورية والجيش اللبناني، المعنيين بمتابعة التفاصيل وآلية الترسيم. أما المفاوضات الجدية فستخضع لحسابات متعددة، وقد تطول مدتها أو تقصر.

وحدة المسار والمصير
لكن الضغوط الأميركية ستتزايد طوال الفترة التي تسبق الانتخابات الأميركية لتحقيق إنجاز في هذا الملف، لإضافته إلى إنجازات دونالد ترامب الخارجية التي يريدها أن تصب في صالحه انتخابياً، على غرار ملفات التطبيع والاتفاقات الخليجية - الإسرائيلية.

وهنا قد تعود "وحدة المسار والمصير" إلى الضوء. فالضغوط الأميركية على لبنان، تقابلها ضغوط أميركية - روسية على النظام السوري، للذهاب إلى فتح مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، تمهيداً لمفاوضات مباشرة. وذلك على قاعدة غياب أي خيار لبشار الأسد يضمن إنقاذه، سوى إسرائيل. وهذا كان دوماً خياره الحاضر كلما تعرض  نظامه لمنعطفات خطيرة.

ودخول سوريا ولبنان في مفاوضات مع إسرائيل، سيكون السبيل الوحيد لتخفيف الضغوط عليهما. ولكن الوضع في لبنان يختلف عنه في سوريا، حول من هي الجهة التي تحقق المكاسب جراء التنازل، وكيف تكون هذه المكاسب؟ هل هي سياسية موقتة، أم تطال بنية النظامين والدستورين  اللبناني والسوري.

ويأتي هذا في إطار الاهتمام الغربي بتطوير النظام اللبناني وتعديله. وهذا ما كانت تنطوي عليه الشروط المرتفعة في عملية تشكيل الحكومة، وانعكاسها على أي عملية سياسية مستقبلية في لبنان. سواء في حال بقاء الصيغة على حالها، أو في الوصول إلى صيغة جديدة قوامها اللامركزية المالية والإدارية الموسعة. وهذه تجد بعض القوى المحلية والخارجية مثالاً عنها في سويسرا. وخصوصاً في ضوء نقاش فرنسي - سويسري حول آلية تطوير الصيغة اللبنانية. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024