14 شباط جديد أو 7 أيار أسوأ

منير الربيع

السبت 2018/12/01

على مدى يومين متتاليين فلتت الأمور من عقالها. على الأرض كما في السياسة، وإن تلازم ذلك مع إعادة تحريك رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، لمساعيه.. بطرح عدد من الأفكار، للخروج من المأزق الحكومي. لكن التلازم بين المسعى السياسي والتصعيد، في المواقف وعلى الأرض، يوحي وكأن ما يجري ليس إلا كسباً للوقت، وربما يصل إلى لعبة توزيع الأدوار بين بعض القوى. الخروج بهجوم شخصي وسياسي جارح على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وما استدعاه ذلك من الردّ على الإساءات بالشارع، يعني أن الأمور أصبحت في مكان آخر. وهي لا شك ستكون بحاجة إلى منْفَذ لتنفيس الإحتقان، الذي قد يجد متنفّسه بتشكيل الحكومة، أو تستمر العرقلة، فينفجر في سياق آخر.

توزيع الأدوار
الخطوات التي حدثت تشير إلى أن الأمور باتت أبعد من مجرّد مقعد وزاري، وهذا ما عبّر عنه النواب السنّة الستة التابعين لقوى 8 آذار في موقفهم التصعيدي، بسحبهم التنازل والإنتقال من المطالبة بمجرد مقعد وزاري إلى المطالبة بحقيبة وزارية. يعني ذلك أن الأزمة مستمرة، وذاهبة نحو التعقيد أكثر، خصوصاً في ضوء ما يشير  إليه البعض، من أن هناك توزيعاً للأدوار بين قوى الثامن من آذار. لكن من غير المعروف حتى الآن ما هو الهدف من ذلك التصعيد، بمعزل عن ما يقال أن حزب الله لا يريد حكومة أصلاً، في ظل التصعيد الإقليمي والدولي بوجهه، وبانتظار ما سيحصل بين إيران وأميركا.

يعتبر البعض أن توزيع الأدوار انعكس تغيرّاً بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان يعتبر أن الحلّ لدى رئيس الجمهورية، بمعنى أن يتنازل من حصته لتوزير سنة 8 آذار. لكنه عاد وتراجع عن موقفه بعد لقائه باسيل، الذي قدّم عدداً من الأفكار، هي ليست جديدة وكانت قد طرحت في السابق وجرى رفضها. هذه الأفكار تنص على التبادل بين الثنائي الشيعي ورئيس الجمهورية بوزير سنيّ من حصة الثنائي، مقابل توزير عون لشخص شيعي من حصته، لكن الطرح رُفض، و كان حزب الله قد أسقطه في اليوم الأول لبروز العقدة السنية، لأنه لا يريد التخلّي عن أي مقعد وزاري من حصته، انسجاماً مع نتائج الإنتخابات.

الفكرة الثانية تتعلق بتنازل النواب الستة عن تسمية شخص منهم حصراً، واختيار لائحة بالأسماء البديلة، وتقديمها لرئيس الجمهورية ليجد مخرجاً مع رئيس الحكومة، لكن النواب الستة رفضوا ذلك، وأصروا على مطلبهم، لا بل ذهبوا إلى موقف أكثر تصعيداً. أما الفكرة الثالثة فتتعلق برفع عدد الوزراء في الحكومة إلى 32 وزيراً، على أن يحصل الحريري على وزير علوي والتنازل عن سني من حصته لصالح النواب الستة، مقابل توزير رئيس الجمهورية لوزير للأقليات، لكن الطرح رفض من قبل الحريري جملة ومضموناً، خصوصاً أنه لا يريد تكريس عرف توزير العلويين، وهذا سيفتح الباب أمام طوائف أخرى للمطالبة برفع نسبة تمثيلها الحكومي. تبقى الفكرة الرابعة وهي أن يتنازل عون من حصته لصالح وزير يمثّل سنة 8 آذار، لكن رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ ليسا بوارد التخلّي عن الثلث المعطّل، والذي عبّر عنه النائب جهاد الصمد، باعتباره أن الحكومة لن تتشكل طالما باسيل سيحتفظ بأحد عشر وزيراً.

بوجه باسيل أم ضد الحريري؟
وهنا تصح قراءتان للمشهد، البعض يضع هذا الكلام في إطار التنافس الضمني بين حزب الله ورئيس الجمهورية، وفتح معركة الحصص والثقة، مقابل نفي حزب الله لذلك بشكل قاطع، معتبراً أنه كلما ارتفعت حصة الرئيس كلما زادت حصة حلفه. أما القراءة الثانية بخصوص موقف الصمد، فهي ناجمة عن حساباته السنية في الضنية، كي لا يخسر شعبيته، ولذلك يحوّل وجهة الصراع نحو باسيل، وليس ضد صلاحيات الرئيس المكلف لاعتبارات شعبية وانتخابية.

التصعيد بوجه الحريري قابله رئيس تيار المستقبل بتصعيد مضاد، عبر الإصرار على موقفه، واعتباره كل الطروحات التي تتقدّم تتضارب مع مصلحة البلد، تمسّك بموقفه وأعلن أنه لن يتراجع، فيما بعض المتحمسين إلى جانبه، يشيرون عليه بإعادة الأمور إلى النقطة الصفر، والعودة إلى طرح مسألة الحصص والحقائب من جديد، عبر التلويح بإعادة البحث بوزارة الصحة ورفض منحها لحزب الله، بسبب الضغوط الدولية لا سيما الأميركية، وانسجاماً مع الضغط الذي يتعرّض له الحزب في هذه الفترة. لكن هذا أمر مستبعد، حسب مصادر متابعة، تعتبر أن الحريري ملتزم مع الحزب ولن يكون قادراً على التراجع.

أمر عمليات بالهجوم 
ما يزيد من المؤشرات حول تخطّي التطورات الأخيرة لمسألة وزير من هنا أو من هناك، هو ما قرأه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، بأن أمر عمليات قد صدر، دفع إلى تركيز الهجوم على الحريري. وهذا ما انعكس توتراً في الشارع، وصلت أصداؤه إلى الجبل، حيث عمل شبان موالون للنظام السوري على تسيير مواكب سيارة في قرى الشوف، ما أدى إلى استفزاز الإشتراكيين، الذين عملوا على محاصرة هذا الموكب، ورفضوا السماح له بالتوجه نحو المختارة أو نحو الباروك، إلى أن تدخل الجيش وعمل على إعادة هؤلاء إلى الجاهلية، عن طريق البقاع نحو بيروت، بسبب رفض الإشتراكيين السماح بمرورهم في الشوف.

هذا الأمر دفع جنبلاط إلى التغريد، بما يؤكد أن ما يجري أبعد من الحكومة، إذ اعتبر أن: "حملات التشهير وصلت إلى حدود الشغب والتحدي على طرقات الجبل، وأشكر الجيش الذي اعتقل المشاغبين. لكنني أوضح أن المختارة خط أحمر أياً كانت الموازين الإقليمية". وهذه إشارة لافتة من جنبلاط إلى ما تحمله كل هذه التطورات، التي قرأ فيها رسائل أساسية موجهة إليه وإلى الحريري، وكأن المرحلة تشبه ما قبل 14 شباط 2005، خصوصاً أن جنبلاط يحمّل مسؤولية ما يجري إلى النظام السوري، الذي يسعى للإنتقام من المعارضين له. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024