المدن - لبنان
ورأى السنيورة انطلاقاً من هذه المقاربة، كان يقتضي على فخامة الرئيس عون، وقبل تشكيل الوفد وقبل انعقاد المؤتمرات، أن يلتزم بأحكام الدستور الذي عليه أن يحترمه ويصونه. وبالتالي أن يقوم بالتشاور مع رئيس الحكومة حسب الدستور والأصول، لكي يستبعد التأثير السلبي على محاولات الإنقاذ الوطني، التي من الواجب ان يتضامن الجميع من أجل تحقيقها في هذه الظروف الصعبة والخطيرة.
رد بعبدا
كلام السنيورة استدعى رداً من رئاسة الجمهورية، التي أصدرت بياناً قالت فيه: "كثر الكلام في الأيام الأخيرة عن خرق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الدستور في معرض عطفه على المادة 52 منه للإعلان عن الوفد اللبناني الذي سيتولى التفاوض التقني لترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وأتى كلام مضاد أن رئيس الجمهورية عليه ألا يعطف على المادة 52 من الدستور، لأنها تلحظ المعاهدات الدولية، في حين أننا لسنا بصدد "معاهدة دولية" مع إسرائيل، تعني ما تعنيه على صعيد التطبيع والاعتراف. احتار المنتقدون والمتهمون ووقعوا في التضاد لجهلهم فقه الدستور، الذي يحرص عليه الرئيس، ويسهر على احترامه، عملاً بمستلزمات قسمه الدستوري".
ويضف: إن "المعاهدة الدولية" المشمولة بالتعبير الحرفي في المادة 52 من الدستور تشمل كل الصكوك الدولية على ما ينص عليه المقطع A من الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية فيينا حول المعاهدات الدولية لعام 1969، والتي أصبحت أحكامها جزءاً لا يتجزأ من المبادئ العامة من القانون الدولي.
وعليه، ان رئيس الجمهورية لم يتول لحينه عقد أي معاهدة دولية، أو إبرامها، كي يصار إلى الاتفاق بشأنها مع رئيس الحكومة، تلك المعاهدة التي لا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، ما لم يتطلب الابرام موافقة مجلس النواب على هذه المعاهدة بالشروط المنصوص عنها في المادة 52 من الدستور.
أما العطف على المادة 52 من الدستور، فهو لان من يتولى أي تفاوض بشأن أي صك دولي، مهما كان نوعه، انما هو رئيس الجمهورية، إذ لو كان القصد إشراك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في التفاوض لعقد المعاهدة، لكان الدستور نص صراحة على أن يتولى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التفاوض بدلاً من أن "يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة". ولو كانت المشاركة واجبة في المفاوضة لما كان من داع للنص على "وجوب الاتفاق" بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة باعتبار أن كليهما توليا المفاوضة.
ويتابع البيان: حيث لا يميز الدستور لا يسع أحد أن يميز، وبالتالي أن حدود الاختصاص متوافرة في النص الصريح والذي لا يحتمل التأويل. هكذا استقر الفقه والاجتهاد في تفسير المادة 52 من الدستور. وقد أكدت آراء هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في أكثر من مناسبة أن رئيس الجمهورية هو الجهة المختصة الوحيدة بتولي المفاوضة، حتى إن عقد أو أبرم وجب عليه الاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، قبل الانتقال إلى مجلس الوزراء ومن ثم إلى مجلس النواب في الحالات المحددة للموافقة.
أما لجهة أن رئيس الجمهورية " يطبِّع ويعترف" بمجرد عطفه على المادة 52 من الدستور عند اعلان الوفد اللبناني المفاوض، فهذا إنما يقع أيضاً في دائرة البطلان، لأن تولي المفاوضة شيء، وطبيعة التفاوض شيء آخر. إن اتفاق الاطار العملي للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، على ما أعلن رسمياً، إنما يبدأ على الصعيد العملي بتأليف الوفد اللبناني وبمسائل لوجستية أخرى برعاية الأمم المتحدة وضيافتها، وبحضور الوسيط الأميركي المسهل.
إن كل كلام آخر هو كلام تحريفي للدستور. والهدف منه إما التضليل أو ما هو أدهى من ذلك، إضعاف الموقف اللبناني في اللحظة الخاطئة، حيث أن لبنان يذهب للتفاوض العملي والتقني على ترسيم حدوده البحرية حفاظاً على سيادته وثروته الطبيعية على كل شبر من أرضه ومياهه.
وانتهى البيان: "كفانا مهاترة في زمن الجد، ونحن أحوج ما نكون عليه من تعاضد وتماسك وطني في سبيل الحفاظ على حقوقنا السيادية أو استعادتها".