الصفقة الكبرى: توطين 70 ألف فلسطيني وتهجير البقية

منير الربيع

الخميس 2019/07/18

ليس كل شيء يحدث بالصدفة. وحتى الصدف تتحول إلى أحداث يبنى عليها، وترتبط بها أحداث أخرى وتتناسل. فتوضع في سياق متكامل من السببية تؤسس لوجهة واضحة. هذا بالتحديد ما ينطبق على إجراءات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.

نقول هذا، تناولاً لمسألة حق لبنان بتنظيم قطاعات العمل فيه، وفق القانون الذي يحمي اليد العاملة اللبنانية (وغير اللبنانية)، ويحمي خزينة الدولة. السلوك المزمن والمديد في الخروج عن تطبيق القانون، بات يفرض الاستغراب أو التساؤل عن الدوافع التي تستدعي راهناً تطبيق القانون! فعندها تكثر التحليلات والتساؤلات.خصوصاً، عندما يتزامن قرار وزارة العمل بتطبيق القانون، من دون يلحظ "خصوصية" الفلسطينيين، مع ما يحكى عن "صفقة القرن".

أبعد من وزارة العمل
القضية لم تبدأ من قرار وزارة العمل، التي يتمّ تحميلها حالياً مسؤولية كل ما يجري، ويتم استهدافها فقط بسبب الخلفية السياسية للوزير. القضية بالتأكيد خارج منطق المزايدات والانقسامات اللبنانية، والتي تقوم على تعبئة شعبوية، تدّعي وتروّج أن القوات اللبنانية بحاجة إلى "إنجاز" يقوي شعبيتها لمواجهة حملات "شد العصب" التي يقوم بها التيار الوطني الحرّ تجاه اللاجئين السوريين، فوجدت وزارة العمل شعار "ما بيحرك شغلك إلا إبن بلدك"، سعياً لتحقيق التوازن مع التيار الذي يتولى التشدد تجاه السوريين، مقابل القوات التي تتبنى التشدد ضد الفلسطينيين. هذا التحليل المبالغ به، قد يجد قابلية للتصديق، خصوصاً في المناخات اللبنانية السائدة.

المسألة أبعد من ذلك.. وإن كان البعض يحاول إنزالها إلى هذا الدرك. ويمكن القول أن هناك ثابتة لبنانية مكرّسة، مفادها أن في كل قضية ثمة طرف وحيد يجد نفسه بفوهة المدفع يسدد ثمن توافق الجميع، أو يتكلف ثمن التقاء مصالح إقليمية ودولية، كحال وزارة العمل اليوم، التي وُضعت وحدها بوجه الفلسطينيين (صدفة أو عمداً)، فيما وُضع التيار الوطني الحرّ وحده في فوهة مدفع المواجهة مع اللاجئين السوريين، بعنصرية فاقعة.

قرار التهجير 
ليكن معلوماً، هناك منذ أشهر قرار ضمني واضح في لبنان، بوجوب تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين. وهناك تسهيلات لبنانية ودولية، عبر بعض السفارات، لفتح أبواب الهجرة أمام اللاجئين الفلسطينيين. وفي آخر إحصاء للاجئين الفلسطينيين في لبنان، تثبت الأرقام وجود حوالى 175 ألفاً، مقابل إصرار لبناني على تضخيم الرقم إلى نصف مليون. من الـ 175 ألف لاجئ، هناك احتمال (وقبول) أن تستقبل الضفة الغربية في فلسطين حوالى 50 ألف لاجئ. والدول الأوروبية قابلة لاستقبال العدد نفسه، على أن يبقى في لبنان العدد المتبقي، أي ما يوازي 75 ألفاً.

ومنذ أشهر أيضاً، نشطت عمليات تهريب الفلسطينيين عبر البحر أو عبر المطار، بتسهيلات متعددة من قبل الدولة اللبنانية، بالتعاون مع بعض السفارات، على قاعدة إخراج أكبر عدد ممكن من اللاجئين. وكان ذلك قبل الإعلان عن انطلاق ورش صفقة القرن والمؤتمرات الممهدة لها. العديد من المسؤولين الغربيين حضر إلى لبنان وبحث مع المسؤولين اللبنانيين إمكانية توطين حوالى 70 ألف فلسطيني، مقابل نيل الكثير من المساعدات.

مزايدات فلسطينية - فلسطينية
صحيح أن وزارة العمل، تعمل على تطبيق القانون، مع عدم التمييز بين الفلسطيني وغيره، ولكن يفترض أن يكون للفلسطينيين خصوصية معينة، لا سيما أن المجتمع اللبناني بكامله استثمر باليد العاملة الفلسطينية، المنخفضة الأجر، والمحرومة من أي ضمانات أو تأمينات. وهذا مسار تاريخي منذ عام النكبة إلى اليوم. كما أن الاقتصاد اللبناني استفاد من الرأسمال الفلسطيني، لتأسيس قطاعات منتجة واستثمارات مربحة. ولطالما كان هناك خصوصية في التعامل مع الفلسطينيين، الذين يعيشون ظروفاً غير طبيعية وقاسية، كسجناء داخل المخيمات محرومين من أبسط حقوق العيش.

لا شك أن هناك جهات متعددة من مصلحتها إثارة الكثير من الضجيج للاستثمار سياسياً بإجراءات وزارة العمل، كما أن هناك مصلحة لدى بعض القوى في تكبير حجر التحركات الاحتجاجية لتوجيه الاتهام إلى الوزير، انطلاقاً من انتمائه لـ"القوات اللبنانية"، في حين أن القوات ليست هي التي تتحمل مسؤولية ما يجري وحدها، والتنسيق واضح بينها وبين "السلطة الفلسطينية" عبر السفير أشرف دبور، ومع لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني.

التحريض على التظاهرات والاحتجاجات، متصل إلى حد بعيد بالانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، وبالمزايدات بين الفصائل. إذ لا يمكن فصل ما يجري في لبنان عن التنسيق مع السلطة الفلسطينية. تنسيق يزعج تنظيمات وأحزاب لبنانية وفلسطينية تدور في فلك "الممانعة".

وعلى أي حال، ما تطبقه وزارة العمل، لن ينفصل عما ستطبّقه إدارات ووزارات أخرى، وبالترابط مع وقف المساعدات للأونروا. ما يؤشر إلى أن التضييق على الفلسطينيين سيتزايد في المرحلة المقبلة، بهدف واضح، هو إخراج أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، والتمهيد لتوطين الأقلية الباقية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024