الحوار الوطني اللبناني حالة مخبرية فاشلة

وليد حسين

الخميس 2018/12/06
ما الفائدة من "الحوارات الوطنية" إذا لم تكن قائمة ومُؤسّسة على مبدأ التوصّل إلى حلّ النزاعات الوطنية سلمياً، صوناً للاستقرار السياسي وبناء السلم الأهلي الدائم؟ وما الفائدة منه، في حال لم تلتزم القوى المتحاورة بالخلاصات التي يُتّفق عليها على طاولة الحوار؟ وهل يستقيم الحوار أساساً، في ظلّ وجود قوى مسيطرة وقادرة على قلب الطاولة، ساعة تشاء، وقوى مغلوب على أمرها؟

السنيورة، سليمان، جابر
للحوار الوطني أسس ومبادئ، في حال عدم توفّرها يكون الحوار لتمرير الوقت، في انتظار تغيّر المناخات المحلّية والاقليمية والدولية، تحقيقاً لرغبات الفئوية، على حساب الشركاء الآخرين في الوطن وعلى طاولات الحوار. وهذا هو حال لبنان في جميع الحوارات الوطنية التي أُطلقت منذ العام 2005، وصولاً إلى الشلل الحالي في عدم تشكيل الحكومة. إذ وبعد جولات طويلة من المفاوضات والحوارات بين جميع الفرقاء السياسيين، امتدّت لأكثر من خمسة أشهر، عاد حزب الله وقلب الطاولة على رؤوس الجميع عبر اختلاق عقدة "سنّية" كانت منسّية وغير موجودة.

خلاصة أساسيّة ومؤلمة يخرج بها المتابع لحلقة النقاش، التي جمعت بين رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والنائب ياسين جابر، بدعوة من مؤسسة بيرغهوف الألمانية لإطلاق كتاب "الحوار الوطني-دليل الممارسين"(*): "ضرب حزب الله وحلفاؤه جميع التزامات الحوارات الوطنية عرض الحائط"، كما ركّز السنيورة، عدم الالتزام بمقررات "اعلان بعبدا" لتحييد لبنان عن الصراعات الخارجية، حسب سليمان، وتفلّت معظم الوزراء والوزارات من عدم تطبيق القوانين اللبنانية، أو الاستنسابية في تطبيقها، كما أشار جابر.

لا إرادة سياسية فعلية في إنجاح الحوار لدى فرقائه، إذ لا ينفع الإنكار، في ظلّ ما شهده لبنان على مرّ السنوات الثلاث عشرة الأخيرة. وإذا كان الحوار يعني بشكل أساسي "الرغبة في الاستماع والتعاون"، سواء أكان "لدرء نشوء الأزمات والعمل على إدارتها"، أو بهدف "التغيير السياسي لوضع أسس دستورية وعقد اجتماعي جديدين"، فتجربة لبنان مريرة على الصعد كافّة. ورغم كون تجربة لبنان مع الحوار تعتبر ضيّقة، لكونها كانت مركّزة على مواضيع محدّدة وقليلة، ولم تشمل وضع أسس جديدة للنظام السياسي، حسب توصيف المؤسسة الألمانية، إلا أنها عانت من محدودية وقلّة الإنجاز رغم غناها كحالة مخبرية. ولم يستفد لبنان من مساعدة المؤسسة التي رعت الحوارات ومدّته بالخبراء والمدربين، لا بل على العكس أمعن الفرقاء السياسيين في ممارسة دور "النعامة"، ودفنوا الحوار إلى جانب رؤوسهم في الرمال اللبنانية والاقليمية المتحركة.

جولات ميتة
وإذا كانت ضرورات الحوار تقتضي تقديم التطمينات لجميع الأطراف، بعدم هيمنة أي فريق على آخر، وعدم النكث بالاتفاقات التي يتوصلون إليها، فجولة الحوار الأولى التي امتدت من العام 2005 إلى منتصف العام 2006، دُفنت في مهدها بعد حرب تمّوز، بعد أن كانت قد توّصلت إلى بعض التوافقات حول العمل على الكشف عن الاغتيالات السياسية التي وقعت، ووضع أسس جديدة للعلاقات اللبنانية السورية، ونقاش كيفية تطبيق القرار الدولي 1559 حول سلاح حزب الله. ولم يلتزم حزب الله وحلفاؤه بالوعود القليلة المقطوعة. وهذا كان مصير جولة الحوار الثانية التي نشأت بعد حرب تمّوز وانتهت "بغزوة" السابع من أيار التي قام بها الحزب لبيروت، رغم جميع التعهدات بعدم اللجوء إلى تحصيل المكاسب السياسية من طريق استخدام السلاح، التي تمّ التوافق عليها قبل "الغزوة" واتفاق الدوحة.

أما الحوار الرابع الذي تألف من ثلاث عشرة جلسة عقدت في قصر بعبدا وتمّ التوصّل بموجبها إلى وضع "إعلان بعبدا" في العام 2012، فقد لقي  مصير الحوارات السابقة ذاته. وعوضاً عن تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، تخلّى حزب الله عنه بعد أيام قليلة على التوافق عليه، وانغمس في الحرب السورية وفي صراعات المنطقة لاحقاً.

لم يكن الحوار الخامس الذي رعاه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي أفضل حالاً، بل على العكس، أدى عدم نجاحه إلى تكريس فكرة "الرئيس القوي" لتمثيل المسيحيين في سدّة الحكم، وما لحقها من ممارسات سياسية كرّست تعديلات على إتفاق الطائف بالممارسة السياسية وليس على مستوى النصوص.

لعل أبلغ توصيف يخرج به المستمع لكلمات المتحاورين في هذه الجلسة الصباحية التي عقدتها "بيرغهوف" في بيروت يوم الأربعاء في 5 تشرين الثاني، ما جاء على لسان السنيورة: "الحوار في الأحاديث شيء، وعلى أرض الواقع شيء آخر". 

(*) مناسبة هذه الحلقة الحوارية، أتت ضمن يوم عمل، نظّمته مؤسسة "بيرغهوف" الألمانية، بالتعاون مع سفارتي ألمانيا وسويسرا، لإطلاق النسخة العربية من كتاب "الحوار الوطني - دليل للممارسين"، في فندق "فينيسيا". وجرى برعاية الرئيس المكلف سعد الحريري، ممثلاً بوزير الدولة لشؤون المرأة في حكومة تصريف الأعمال جان أوغاسبيان، وفي حضور ممثلة الأمين العام للامم المتحدة في لبنان فرنل كاردل، ومسؤولين وخبراء لبنانيين وعرب. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024