منير الربيع
لم يكن صدفة اختيار برّي لمحمد داوود داوود وزيراً في الحكومة الجديدة، هو أراد إرسال رسالة إلى الجميع بأنه يحيي من استُهدف من قادة الحركة، في إشارة إلى نيته لمواجهة أي محاولة للحصار. وهذا أسلوب يمتاز به برّي، ويستكمل ما بدأه في لبنان من خلال لقاءات وزيارات خارجية، والتي أراد لها أن تنطلق من العراق، خصوصاً بعد تطورات عديدة حدثت، عنوانها محاربة الفساد بين لبنان والعراق، والتي، حسب ما تشير مصادر متابعة، دفعت به إلى إقالة أحد المقربين إليه من مهامه، وكان ممثلاً له في العراق، وقد عمل برّي على إقالته لاتهامه بالتورط بملفات فساد.
بين النظام السوري وأميركا
أما في البعد السياسي الأبعد، فيلجأ برّي إلى إيصال رسالة إلى جميع القوى السياسية الداخلية اللبنانية أو الخارجية، بأنه أصعب من أن يُحاصر، لا سيما في ضوء الأجواء التي كانت تفيد بأن من يتهجم على برّي في لبنان، يرتكزون في ذلك على دعم من قبل النظام السوري، أو هم في صدد تقديم أوراق الاعتماد لصالح النظام، فكان لبرّي مواقف لافتة سابقاً حيال العلاقة الممتازة مع سوريا، وإعلانه مقاطعة أي إجتماع عربي لا تدعى إليه سوريا، بالإضافة إلى موقفه من القمة الاقتصادية في بيروت، ودعواته إلى ضرورة تطبيع العلاقات مع سوريا. هذه كلّها في كفّة، وثمة مواقف أخرى لرئيس المجلس في كفة أخرى، تتعلق أيضاً بالرد على الأميركيين، الذين حاولوا استفزازه وإرسال رسائل سلبية إليه، على خلفية موقفه من ترسيم الحدود البحرية والبرية. وهو أكد من العراق أن لبنان لن يتخلّى عن كوب ماء واحد من مياهه الإقليمية، كما لن يتخلى عن ذرة تراب واحدة.
خلال زيارة مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد إلى لبنان، والتي مهدت لزيارة وزير الخارجية مايك بومبيو، كان لافتاً عدم لقاء ساترفيلد مع برّي، ولا مع رئيس الجمهورية. وحسب ما تؤكد المصادر المتابعة، فإن عدم اللقاء لم يكن صدفة. وبخلاف كل الأجواء اللبنانية التي تسرّبت، تلفت المصادر إلى أن ساترفيلد هو الذي لم يطلب عقد اللقاءات، ما اعتبر بأنه رسالة أميركية سلبية إلى كل من برّي وعون.
لقاء السيستاني
وجد برّي نفسه يتعرض لهجومين متزامنين، من قبل قوى لبنانية من جهة، ومن قبل الأميركيين من جهة أخرى، فجاء ترتيب زيارته إلى العراق، ولقائه مع السيستاني، الذي يعتبر أهم لقاءاته في بلاد الرافدين. ما يهدف إلى إيصال رسائل عديدة، بأنه عصي على المحاصرة والتطويق، فهو يلتقي السيستاني بعد لقاء الأخير مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، كما أن لبرّي علاقات ممتازة مع الإيرانيين، وأيضاً للسيستاني علاقات جيدة مع الأميركيين. لا بد لهذا اللقاء مع السيستاني أن يسلّط الضوء على أهمية أدوار برّي السياسية .
وقد أصدر مكتب السيستاني بياناً حول اللقاء مع بري، أشار فيه إلى أن رئيس البرلمان اللبناني هنأ المرجع "على ما حققه العراقيون من انتصار باهر في حربهم على "داعش"، وتمكنهم من تحرير أراضيهم من سيطرة هذا التنظيم الإرهابي". وأضاف البيان أن السيستاني شكر بري على تهنئته، وأشار إلى "التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب العراقي لتحقيق هذا الانتصار التاريخي"، مؤكداً في الوقت نفسه "أهمية تطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين، العراق ولبنان، في مختلف المجالات".
كما أشار البيان إلى أن السيستاني أكد على "أهمية أن يعمل الجميع على تثبيت قيم التعايش السلمي، المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل، بين مختلف المكونات الدينية والإثنية في منطقتنا، في سبيل توفير الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار لشعوبها".
خطوة برّي تهدف إلى استجماع أكثر من ورقة في يديه. فهو أيضاً يمثّل دوراً أساسياً إلى جانب حزب الله، وكحليف وظهير له في الجولات الخارجية، لا سيما أن مواقفه تنسجم إلى حدّ بعيد مع مواقف الحزب. وهذه سيبنى عليها في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل تشديد العقوبات الأميركية على الحزب. وبعد العراق، سيتوجه برّي إلى دولة قطر للمشاركة بإجتماع برلماني عربي. وفي الزيارة أيضاً رسالة بارزة، حول علاقاته وآفاقه العربية، التي تتمتع بعلاقات جدية وممتازة مع الأميركيين، وفي الوقت نفسه ليست عدائية مع طهران، وإن كانت على خصومة مع النظام السوري.
ومن الواضح تعويل برّي على زيارته العراقية في ملفات مختلفة، إذ برز تأكيده خلال لقائه رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، قائلاً:"أحد أهم أسباب زيارتي للعراق، أولاً أنها واجب قومي وديني، ولأقول إن العراق يستطيع أن يلعب دوراً كبيراً على الصعيد الاقليمي، تحديداً في المصالحة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في إيران، وبهذه السياسة يستطيع العراق أن يقوي جبهته الداخلية ودوره الخارجي". كما عبّر عن "أهمية البحث في العمل على إعادة تشغيل خط كركوك طرابلس النفطي". فيما عبد المهدي أكد أن: "لبنان يستطيع أن يقدم الكثير للعراق، وكذلك يستطيع العراق أن يقدم الكثير له أيضاً".