جنبلاط يورّث تيمور المختارة وفلسطين وثورة 1958

منير الربيع

الأحد 2017/03/19

بصورة جديدة تحمل رمزية، استرجع النائب وليد جنبلاط مشهدية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات خلال خطابه الشهير في الأمم المتحدة. آنذاك، رفع عرفات يديه عالياً، وقال: "آتيكم حاملاً غصن الزيتون بيد والبندقية بيدي الأخرى فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي". لم يقل جنبلاط ذلك صراحة في الاحتفال الجماهيري الحاشد الذي شهدته المختارة، في 19 آذار، لمناسبة الذكرى الأربعين لاستشهاد كمال جنبلاط. لكنّه عناها، ومرّرها مع أكثر من رسالة أرادها أن تكون بالغة. استعاد المشهد في كلامه تلميحاً، ومن خلال الحضور مباشرة. على يمينه عدد من ثوار العام 1958، بسراوليهم التقليدية، وبنادقهم القديمة التي يحتفظون بها منذ تلك الأيام، لكنهم وضعوا وردة حمراء في فوهاتها. وعلى يساره عدد من عناصر جيش التحرير الشعبي قوات كمال جنبلاط. والطرفان حضرا في كلمته.

هي أوّل الرسائل. ثورة العام 1958، حصلت بعد أقل من سنة على انتخابات نيابية أجريت في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، وفيها أسقط كمال جنبلاط في الشوف، فكانت الثورة في جزء أساسي منها على محاولات الإلغاء من خلال مشاريع انتخابية إلغائية أو تحجيمية. هذه الذهنية بالنسبة إلى جنبلاط تراود البعض اليوم. لذلك كان لا بد من الرسالة مترافقة مع كلام إنفتاحي يتمسّك بالحوار، والحفاظ على التنوّع ورعاية مصالحة الجبل.

للحشد دلالته أيضاً. آلاف المواطنين، خصوصاً من الدروز، مشوا من مسافة بعيدة، للوصول إلى قصر المختارة، وتجديد الولاء، تحت عنوان "أربعون سنة، ونجدد العهد". الرسالة من ذلك واضحة، وهي أن الزعامة الجنبلاطية ثابتة وواسعة بين الدروز، بمعزل عن الأصوات الأخرى من هنا وهناك. ولم يكن حضور هذا العدد من المشايخ برمزيتهم، وعلى رأسهم شيخ العقل، سوى الرسالة الأكبر لأبناء الطائفة، أن تيمور، الذي ألبسه وليد كوفية الزعامة، يحظى بإحاطة الجميع، وذلك رداً على كل من اعتبر أن تيمور لن يحظى بغطاء المشايخ.


عملياً، كان الاحتفال المناسبة الرسمية والشعبية لإطلاق مسيرة تيمور السياسية. وهذا ما أعلنه جنبلاط خلال كلمته، والتي في ختامها، دعا نجله ووضع الكوفية حول عنقه، فيما العباءة التي ألبسه إياها شيخ العقل الراحل محمد أبو شقرا يوم اغتيل كمال جنبلاط، كانت تظلّل المنبر. وتوجه إليه قائلاً: "يا تيمور سر رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، وإشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية مقاومي إسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة. واحضن أصلان بيمينك وعانق داليا بشمالك، وعند قدوم الساعة ادفنوا أمواتكم وانهضوا، وسيروا قدماً فالحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء".

في المناسبة، أكثر من صورة وإشارة. كانت المختارة جامعة لكل الأطراف السياسية. وهي أيضاً مشاركة لافتة وإقرار ضمني بشرعية الوراثة وإعتراف سياسي بها.

لم توجّه دعوات رسمية إلى الشخصيات، بل كانت مشاركتهم عفوية، وفق ما يؤكد أكثر من طرف منهم. المفاجأة كانت حضور رئيس الحكومة سعد الحريري شخصياً، وقد وضع كوفية حول عنقه أيضاً، وسار إلى جانب وليد جنبلاط. المشهد يشبه وقفة جنبلاط إلى جانب الحريري في العام 2005. بقي الحريري على يسار جنبلاط طوال إلقائه كلمته، وعلى يمينه الوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله، ممثلين عن حزب الله، والنائب علي بزّي ممثلاً الرئيس نبيه برّي على رأس وفد من حركة أمل.

أما حضور مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان، فكان أيضاً مناسبة لتجديد المختارة تأكيدها الحفاظ على عروبة الدروز وإسلامهم. ومن بين الحشود المشاركة أيضاً، وفد من القوات اللبنانية برئاسة النائب جورج عدوان، ووفد من التيار الوطني الحر على رأسه مستشار رئيس الجمهورية جان عزيز، بالإضافة إلى حشد من السفراء العرب والأجانب. ووفد من مختلف الفصائل الفلسطينية.


بنشيد موطني، أراد جنبلاط تتويج اليوم الحافل، وبهذه العفوية "الفلسطينية" كانت تسير مجريات النهار. وأبرزها أن جنبلاط لم يحتاج إلى عريف حفل. فما إن وصل إلى المنصة قدّم نفسه بنفسه، مردداً كلمات الشاعر الفلسطيني توفيق الزياد "ادفنوا موتاكم وانهضوا". قبلها، كان جنبلاط يجول في أروقة القصر، يلتقي الجميع، ويلقي بنظراته على آخر التحضيرات والإستعدادات. إلى أن وصل الحريري، فتعانقا وتوجها إلى أحد الصالونات، لتعقد خلوة بينهما، إلى جانب الحاج حسن وفضل الله وبزي.

واضحة كانت كلمة جنبلاط. فهو حرص على التوازن وعدم مواجهة أحد. وفي الوقت نفسه أراد شدّ العصب، في لحظة مفصلية. لذلك، كانت الكوفية الفلسطينية هي الخيار الجامع. والغاية منها توفير جوّ ملائم لأخذ توقيع الجميع، على بيان التوريث وتمريره بسلاسة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024