أربعاء الثورة: انتفاضة طلابية غير مسبوقة ومقاومة مدنية متوسعة

وليد حسين

الأربعاء 2019/11/06
بعد أكثر من عشرين يوماً على انتفاضة 17 تشرين الأول، بدأت الاحتجاجات تتوسع كماً ونوعاً، ووصلت إلى خروج عشرات الآلاف من طلاب المدارس والجامعات إلى الشوارع، ضد النظام الطائفي وضد النظام التعليمي، وضد محاولات القمع والترهيب، الذي تمارسه بعض إدارات المدارس.

لم يعد يقتصر الأمر على التظاهرات الكبيرة في المدن أو بقطع الطرق لشل حركة البلد، بل باتت الاعتصامات التي تحاصر المؤسسات العامة تعمّ كل المناطق اللبنانية.

مقاومة مدنية
تحركات واحتجاجات متنقلة ومتفرقة، أتت كرد مباشر على محاولات الترهيب لوقف قطع الطرق، وبعد الهجمة الإعلامية المنظمة على المتظاهرين ووصفهم بقطاع طرق وزعران فرض الخوّات. فهب الناشطون والمجموعات إلى تنفيذ تحركات ميدانية أمام المرافق العامة والمصارف وشركات الكهرباء والهاتف لفضح مكامن الهدر والفساد طوال ثلاثة عقود. حتى الأفراد راحوا ينفّذون نوعاً من المقاومة المدنية لفضح ممارسات المصارف أمام الرأي العام، التي تكدّس الدولارات، فارضة خوة تتراوح بين 5 و10 بالألف، ورافضة تسديد القروض والأقساط بالعملة المحلية، كما حصل اليوم في طرابلس.

تمدد هذه الاحتجاجات التي كللها طلاب لبنان اليوم، الذين خرجوا في تظاهرات كبيرة، في النبطية وصيدا وبيروت وجبل لبنان وطرابلس وغيرها من المناطق، وجالوا في الشوارع واعترضوا على إدارات المدارس، أعطت "الثورة" بعداً جديداً. فالطلاب كانوا يخرجون في التظاهرات العامة، لكن لم نشهد تظاهرات قطاعية بهذا الحجم والنوع من قبل. هي هبة طلابية غير مسبوقة شملت معظم المناطق اللبنانية، في رد مباشر على محاولات السلطة إعادتهم إلى مقاعد الدراسة، وإعادة اللبنانيين إلى أعمالهم وحياتهم الرتيبة، كأن شيئاً لم يحصل في لبنان.

تغيُّرُ شكل التحركات يؤسس لمرحلة جديدة من العمل المدني. إذ تكاد لا تسلم منطقة معينة في لبنان من غضب المتظاهرين الذين توزّعوا على مجموعات صغيرة وكبيرة وراحوا يقفلون مداخل المؤسسات العامة، وانتشرت "عدوى" فضح ممارسات المصارف، وبات كل فرد يمتلك هاتف ينشر تسجيلاته، على نحو جعلت الإدارات تخضع وتستلم أمام غضب الشارع.

أمام القصر العدلي في بيروت (علي علّوش)


من "العدلية" إلى "التربية"
وإذا كان التحرك أمام قصر العدل، الذي شارك فيه مئات المواطنين، من أبرز التحركات الرمزية ليوم الأربعاء في 6 تشرين الثاني، مطالبين باستقلالية القضاء ومحاسبة الفاسدين وإخلاء سبيل معتقلي الرأي، فإن تحرك مئات طلاب المدارس أمام وزارة التربية، للاحتجاج على النظام التعليمي وتراجع فرص العمل، وتحرك طلاب الجامعات في شوارع بيروت، كانا من أبرز التحركات التي انتجتها انتفاضة 17 تشرين.

هذا الوعي الطلابي المستجد، تزامن مع تنفيذ المجموعات الناشطة تحركات متفرقة كما حصل في اليومين السابقين، لم تقتصر على المصارف وبعض المؤسسات العامة، بل طالت مرافق حيوية يفترض أنها أملاك عامة لجميع المواطنين، حولتها السلطة وأزلامها إلى أملاك خاصة، مثل "الزيتونة باي" وشاطئ الرملة البيضاء، التي شهدت اعتصامات وتظاهرات لإعادتها إلى الناس، أي أصحابها الفعليين. احتجاجات مختلفة، كماً ونوعاً، جعلت اللبنانيين كأنهم أشبه بجمهرة لرجم الشيطان، يلتقط كل واحد منهم حجراً، أو أي شيء يقع تحت يده، ويرمي به هذا الكائن الغريب.

استرداد الفضاء العام
بات لبنان أمام هذا المشهد على مفترق طرق يصعب العودة فيه إلى الوراء بسهولة. فشبكة التحركات تشمل جميع مكامن النهب المنظم الذي عانى منه اللبنانيون. ما يعني أن المتظاهرين لم يعد يكتفون بإسقاط حكومة من هنا أو تخفيض وعدم فرض ضريبة من هناك. بل يريدون استرداد الفضاء العام من يد "الخاصّة" (الحرامية، بلغة الثورة) التي استولت عليه. يريدون إشراكهم في إدارة أمورهم لا تأدية فروض الطاعة، فتراهم مدفوعين إلى شل البلد.

المتظاهرون فرادة وجماعات، بتحركاتهم المنظمة أو العفوية، من بساطة التشهير الفردي بمصرف ما، إلى إقفال الإدارات عنوة، باتوا أشبه بـ"وباء" عام يفتك بهيكل الدولة المتهالك. وباء يشي بمستقبل واعد، ينظر إليه حراس الهيكل كآفة يجب التخلص منها وبكل الأثمان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024