الحريري: 15 سنة طُحنت فيها.. واجهت وتعلمت وأخطأت

المدن - لبنان

الجمعة 2020/02/14

أكد الرئيس سعد الحريري أنه أينما كان موقعه السياسي، لن يترك سبيلا، ولا طريقة، وسيدور العالم، ليدافع عن لبنان، وعن اللبنانيين، وقال: "كلنا سويا، سنواجه الصعوبات، ونقف بوجه الازمات ونخرج من الانهيار ونقول لكل الناس، أنه بعد 15 سنة، ليس فقط رفيق الحريري باق، رفيق الحريري يبدأ... من أول وجديد!

باق في البلد و"المستقبل" باق
وأضاف الرئيس الحريري خلال الخطاب الذي ألقاه عصر اليوم لمناسبة إحياء الذكرى الـ15 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط بـ"بيت الوسط": أنا خرجت بإرادتي. الديموقراطية لا تسير من دون مسؤولين ديموقراطيين. مسؤولون يسمعون صوت الشعب، صوت الناس. أنا سمعت صوت الناس. الناس طالبوا باستقالة الحكومة. قدمت الاستقالة. الناس طالبوا بحكومة تكنوقراط من خارج الأحزاب. وعندما رأينا نوع الحكومة التي يتم تركيبها، قلت بصراحة: لا أريد أن تتم تسميتي. ما يفعله غيري هو شأنه. ولن أزيد كلمة على كلام مطران بيروت قبل بضعة أيام في عيد مار مارون.

وأكد الرئيس الحريري أنه لن يذهب لأي مكان. وهو باق في بلده، وبيته وبين أهليه، وبالعمل السياسي أيضا. وأن تيار المستقبل باق، وأن أهل السنة من أساسات هذا البلد، وهذا المجتمع، واللبنانيون الأحرار، الوطنيون، السياديون، الذين يريدون بلدا يليق بهم وبأولادهم باقون ولا أحد قادر على أن يهول عليهم بشيء.

ونعى الرئيس الحريري التسوية الرئاسية مؤكدا أنها عاشت ثلاث سنوات، واليوم صارت من الماضي، وبذمة التاريخ. وقال: "لقد قمت بالتسوية لإنهاء الفراغ الرئاسي وإعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية، وأخذت التسوية بصدري، لانتخاب الرئيس، وسرت عكس المزاج العام ولمنع انهيار البلد، في حين أن البعض كان يرى في التسوية توزيعا للسلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. لكننا كنا نراها حماية للبلد من فتنة أهلية ومنع انتقال الحريق السوري إلى لبنان".

وانتقد الرئيس الحريري عقلية حروب الإلغاء. وقال: "ساعة تريد أن تلغي الاشتراكي، وتلغي وليد بك، وساعة تريد أن تلغي القوات، قوات ما بعد اتفاق معراب! وساعة تريد أن تلغي الحراك، والآن تريد أن تلغي الحريرية وتيار المستقبل! كاشفا أنه كان المطلوب منه دائماً، أن يؤمِّن العلاقة مع رئيس الظل، ليحمي الاستقرار مع الرئيس الأصلي. وقال: "طيب. تفضل. الآن باتت لديك حكومة العهد. "طيرتَ نصف العهد بالتعطيل وحروب الإلغاء، وخربتَ العهد، وسجلتَ انهيار البلد على اسمك واسم العهد... برافو!

أين أنت يا رفيق الحريري
وجاء في نص الكلمة: أنا متأكد أن كل واحد وواحدة فيكم، ومعكم غالبية اللبنانيين، أمام الأزمة المعيشية والمالية والاقتصادية التي نواجهها، تسألون: أين أنت يا رفيق الحريري؟ أين العملاق ليواجه هذه الأزمة العملاقة؟

الآن بتم تعرفون شعوري في آخر 15 سنة، حين كنت عند كل طلعة صبح، وكل ساعة وكل لحظة أقول لنفسي: أين أنت يا رفيق الحريري؟

اغتيال الرئيس رفيق الحريري منذ 15 سنة، كان منعطفا تاريخيا في حياة لبنان، تغيرّت فيه معادلات سياسية وأمنية واقليمية... وبعد 15 سنة، لبنان أمام منعطف تاريخي جديد.

لهذا السبب سأتحدث بما في قلبي مع كل الأصدقاء الذين شرفونا، ومع الجمهور الوفي الذي رافقني في أصعب الظروف، في زمن صار الوفاء فيه عملة نادرة، وصارت العملة النادرة سببا لقلة الوفاء.

دعونا في البداية نوجه تحية لروح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأـرواح رفاقه الشهداء، وكل شهداء ثورة 14 آذار، التي تبقى عنوانا لنهاية الوصاية والنظام الأمني.

تضحيات الشهداء فتحت أبواب السجن الكبير، وحررت قرارات وزعامات من الهيمنة والأسر والنفي.

15 سنة طُحنت فيها. واجهت، وتعلمت، وأخطأت، وربحت، وطُعنت، وصبرت، وتعرفت على أوادم وصادقين ورفاق درب، وعلى وصوليين وانتهازيين، واكتشفت الأهوال في نادي السياسيين والزعماء... لكن بعد كل طعنة، بعد كل جرح، وبعد كل معركة، وبعد كل محاولة اغتيال سياسي، كنت أقف من جديد، وأنظر حولي، وأرى وجوهكم وأسمع صوتكم وأشعر بوفائكم، وأعود وأقول لنفسي: "ما بيصح إلا الصحيح"...

في الشهرين الأخيرين، سمعنا وقرأنا ورأينا أنه "يا لطيف.. راح تيار المستقبل، وسعد سافر، ومش راجع، والسعودية ما بدها اياه، وأميركا ما بدها اياه، وبعد شوي الصين كمان".

والأجمل أنهم يريدون أن يقفلوا بيت الوسط. دعوهم يكتبون، ودعوهم يبثون.. ودعونا نحن نخبرهم الحقيقة: أن تيار المستقبل، تيار شهيدنا، تيار العروبة والاعتدال والدولة المدنية، باق في قلوبكم.. وعلى قلوب الحاسدين!

ومفاتيح بيت الوسط في بيوت عكار وطرابلس والمنية والضنية والكورة وزغرتا والبترون، وبيوت بيروت وصيدا وصور وشبعا والشوف والإقليم والمتن وكسروان، والبقاع بكل جهاته وبلداته وعشائره ... فأهلا وسهلا بكم في بيتكم. البيت الذي مفاتيحه معكم، لا يمكن أن يقفل

موجة الغضب الشعبي
في هذه الأيام، "القيامة قايمة بالبلد على كل السياسيين.. كلن يعني كلن". لا أحكام عفو عن أحد، ولا أسباب تخفيفية لأحد. ونحن بكل صراحة، لسنا بوارد ركوب موجة الغضب الشعبي، وتحييد أنفسنا عن الطبقة السياسية، في الوقت الذي نرى فيه وجوها سياسية كثيرة أصبحت نجوم ثورة على الشاشات.

لكن المشكلة، أن رفيق الحريري مطلوب رأسه من جديد.. وهناك سياسيون لا يزالون "مرعوبين من هيبتو". وهناك منظومة سياسية، بدأت تفتح ملفات وتتحدث عن بدائل الحريرية وسقوط الحريريين، ولا تزال تلاحق الرئيس الشهيد منذ التسعين، لتحميله مسؤولية التدهور الاقتصادي والدين العام... ليس ذلك فقط، "فلتانين على مواقع التواصل" لتحميله مسؤولية صفقة القرن ومسخرة فزاعة التوطين.

نعم أقول: مسخرة التوطين! "حاج بقا لاحقينا إنو نحنا بدنا التوطين. وحاج تهولوا على اللبنانيين بهذه الكذبة".  نحن ضد أي توطين، والدستور يمنع التوطين، والتوطين غير وارد. نقطة على السطر!

أخطر من ذلك كله، الكلام عن بدء العد العكسي لاتفاق الطائف، وإعادة لبنان الى ما قبل 1989، لفتح الطريق لصيغة جديدة. وليس صدفة ما يُكتب ويقال أن اتفاق الطائف وصل على نهايته. وحتى يسقط الاتفاق يجب أن تسقط الحريرية، وحتى تنتهي الحريرية لا بد من القضاء على سعد الحريري.

يرفضون أن يروا كيف كان لبنان قبل رفيق الحريري، ومن خربه في الحرب الأهلية، ومن انتشله من خراب الحرب بأربع سنين. اللبنانيون يعرفون ماذا فعل رفيق الحريري، وكيف أعاد لبنان إلى خارطة العالم. الناس يعرفون ويرون ألا شيء له قيمة، أقيم أو تم إعماره بعد اغتيال رفيق الحريري... لم يتركوا للبلد صديقا، ولم يعقدوا اتفاقا مع دولة، ولا فتحوا مستشفى او جامعة او طريق او مطار، ولا حتى مجرور صحي... ويعملون فقط على فتح القبور وفبركة الملفات وتوزيع الاتهامات.

سنوات التعطيل والسبعة وذمتها
بعد الاغتيال، تم تنظيم أكبر مسلسل تعطيل في تاريخ لبنان للدولة والمؤسسات الدستورية. سبع سنين بالتمام والكمال، ضاعت من عمر البلد بالتعطيل، بعد اغتيال الرئيس، اقفال وسط بيروت، وبعدها 6 اشهر من التعطيل قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وسنتين ونصف من التعطيل قبل انتخاب العماد ميشال عون.

اغتيالات وحروب إسرائيلية وتورط في حرب سوريا وإرهاب، وتعليق عمل مجلس النواب أكثر من سنة ونصف السنة، وتأخير تشكيل الحكومات وتعطيل جلسات مجلس الوزراء.

سبع سنين من أصل 14 سنة، ضاعت بالعناد والسلبطة باسم الميثاقية وحقوق الطوائف. وفوق هذا كله بقوا يقولون: الحق على الحريرية.

30 سنة، كان جميعهم فيها، وكثر كانوا قبلها، متربعين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة. شاركوا في مجالسها وحكوماتها ومحاصصاتها وزعرناتها. "عملوا فيها السبعة وذمتها". وفي نهاية المطاف لم يفعلوا سوى تحميل رفيق الحريري وسياسات الحريري مسؤولية الدين العام والانهيار الاقتصادي.

رفيق الحريري أتى بالكهرباء 24 على 24 ساعة، مين أعادنا إلى التقنين والموتورات؟ وزارة الطاقة، ولم يستلمها مرة بالتاريخ وزير محسوب على الحريرية أو المستقبل. من استلم وزارة الطاقة بعد 1999؟ ومن يستلمها منذ 2005 وما بعد؟ ولماذا وصلت كلفة الكهرباء لخمسين بالمئة من الدين العام؟ كل هذا غير محسوب في دفاتر تزوير التاريخ.

يا أخي، أنا أتحمل مسؤولية، مستعد أن أتحمل المسؤولية. لكن المسؤولية كانت مشتركة على الجميع، في رئاسة الجمهورية، الحكومة، ومجلس النواب وجلسات الحوار.

بذمة التاريخ
حين أخذت في صدري التسوية لانتخاب رئيس جمهورية، وسرت عكس المزاج العام، كنت أرى منذ العام 2014، كيف يتغير المشهد السوري، وكيف فُتحت الحدود لموجات النزوح، وبدأ لبنان يغرق بمشاكل أمنية ومذهبية، وتفجيرات في البقاع والضاحية وفي مسجدين بطرابلس.

البعض كان يرى التسوية توزيعا للسلطة بين رئيس جمهورية ورئيس حكومة. لكننا رأيناها حماية للبلد من فتنة أهلية، ومنع انتقال الحريق السوري لطرابلس وبيروت وبعلبك وصيدا وعرسال وغيرها، والسبيل الممكن لوقف الدوران بالفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات.

قبل التسوية حاولت أن أفتح الطريق، للتوافق على اسم الصديق سليمان بك فرنجية للرئاسة، لنفس الأهداف، لكن ماذا أفعل إذا كان حلفاؤه، حلفاء سليمان بك، منعوا انتخابه؟ التسوية عاشت 3 سنين، واليوم صارت من الماضي، وبذمة التاريخ. أعرف أن كثر منكم سعداء لكون التسوية انتهت. لكن دعوني أقول لكم من الآخر. هل ترون كل ما يحدث اليوم؟ النقص الحاد بالسيولة، انهيار الليرة، مشاكل المودعين، تسريح العمال،

والغلاء والفقر؟ كل ذلك كان سيحصل سنة 2016. يومها تحملت مسؤولياتي وقلت أنه لمنع الانهيار، بلدنا بحاجة لأمرين: ضمان الاستقرار، وتحريك الاقتصاد.

بعد أن أقمنا التسوية، أي الاستقرار السياسي والأمني، بقي علينا تحريك الاقتصاد.  نظمنا مؤتمر "سيدر"، وأمنا فيه 12 مليار دولار للاقتصاد، بناء على إصلاحات نحن توافقنا عليها ووعدنا أن ننفذها. لو نفذنا الإصلاحات، لو نفذنا ما توافقنا عليه، ما كنا هنا اليوم، وما كان الانهيار عاد ووقع على كل البلد.

أساساً، لو نُفذت إصلاحات باريس 2 منذ 18 سنة أيام رفيق الحريري، ما كان البلد وصل إلى هنا! ولكن ماذا يمكنني أن أفعل إذا كان هناك من لا يلتزم بكلامه؟ البعض يلومني، يقولون لي: كان يجب أن تجعله يوقع ورقة. "إيه لإنو اتفاق معراب، يللي عملوا وجابوا وطوبوا، كتير احترم توقيعو عليه؟".

أريد أن أذكركم أن "سيدر" كان مباشرة قبل الانتخابات، وتنفيذه كان على حكومة ما بعد الانتخابات. دعوني أقول لكم كم عملت هذه الحكومة. لتشكيل الحكومة، بقينا 6 اشهر تعطيل، لأن هناك من كان يريد أن يحجب وزراء عن القوات، ومن ثم أن يحجب وزراء عن الحزب الاشتراكي.. محاولات فاشلة طبعا.

الرئيس الظل
وهذه مناسبة لأوجه تحية للصديق وليد بك جنبلاط، وأؤكد تحالفنا الثابت معه، بالأمس واليوم وغدا! وأريد أن أحيي السيدة مي شدياق التي ليست هي فقط من القوات اللبنانية، وإنما هي الشهيدة الحية بيننا.

ومن ثم، شهران تعطيل لفرض توزير اللقاء التشاوري. أي 8 اشهر تأخير في تشكيل الحكومة. وبعدما تشكلت، عاشت الحكومة 9 اشهر. منها شهر مماطلة بالموازنة، وشهران من التعطيل بعد حادثة قبرشمون. والنتيجة، من بعد مؤتمر "سيدر"، حكومة عملت فعليا 6 اشهر.

عقلية حروب الإلغاء. ساعة تريد أن تلغي الاشتراكي، وتلغي وليد بك، وساعة تريد أن تلغي القوات، قوات ما بعد اتفاق معراب! وساعة تريد أن تلغي الحراك، والآن تريد أن تلغي الحريرية وتيار المستقبل!

حاولت تأمين استقرار للعلاقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، اولاً لأن الاستقرار يستحق الصبر وطول البال، وثانياً لأن الخلاف بين الرئاسات نتيجته الوحيدة شل المؤسسات.

الرئيس عون يعرف احترامه عندي، ويعرف كم أنا أحفظ له مواقفه معي، تماما كما هو يحفظ لي مواقفي معه، لكن مع الأسف وصلت إلى مكان مضطر أن أقول فيه، أني تعاملت مع رئيسين. وكان المطلوب مني دائماً، أن أؤمِّن العلاقة مع رئيس الظل، لأحمي الاستقرار مع الرئيس الأصلي.

أول حكومة بعد التسوية، قال: هذه ليست حكومة العهد، لأن حكومة العهد لا تكون إلا بعد الانتخابات النيابية. ثاني حكومة بعد الانتخابات، قال: حكومة العهد. وحين لم يحصل ما يريده، بعد 8 اشهر تعطيل، وُشكلت، نام وأفاق وقال: حكومة العهد هي التي ستأتي من دون سعد الحريري..."صحتين على قلبه".

طيب. تفضل. الآن باتت لديك حكومة العهد. "طيرتَ نصف العهد بالتعطيل وحروب الإلغاء، وخربتَ العهد، وسجلتَ انهيار البلد على اسمك واسم العهد.. برافو!

الانتخابات المبكرة
ليس هناك من لبناني على وجه الأرض، لم ير أن البلد صار في مكان جديد، وأن 17 تشرين يوم مفصلي وجرس إنذار للعهد والحكومة ومجلس النواب.. شخص واحد فقط، لا يريد أن يرى، ولا يريد لأحد في قصر بعبدا أن يرى.

التحرك الشعبي صار شريكا بالقرار السياسي. الشابات والشباب يطالبون بفرصة لتغيير حقيقي وسلمي، عن طريق إجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وأنا سبق وأعلنت، من بعبدا، مباشرة بعد 17 تشرين، أني مع انتخابات مبكرة. والآن أعود وأقول: نحن مع انتخابات مبكرة، وأدعو الجميع للتفكير بهدوء ومن دون مزايدات.  وكتلة المستقبل، ستقدم اقتراح قانون جديد كما ورد في اتفاق الطائف، بأسرع وقت.

واذا كان يمكن للانتخابات أن تأتي بوجوه جديدة.. فأهلاً وسهلا. نضع تطعيم الحياة السياسية بدم جديد في خانة الربح لتيار المستقبل.

اللبنانيون باتوا خبراء في عالم الاقتصاد والمال، لما سمعوه من آراء ومعلومات واقتراحات وبرامج حلول. لكن اليوم، لا الموازنة باتت تكفي، ولا الورقة الاصلاحية تكفي، ولا هذا البيان الوزاري يكفي، وبالكاد برنامج سيدر اذا انطلق، يفتح الطريق لنقلة اقتصادية واستثمارية.

أموال إيران
نحن في لبنان لسنا في جزيرة اقتصادية بمعزل عن دعم الأصدقاء والدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، وبغياب الثقة مع الأشقاء العرب، وتحديداً مع مصر والسعودية والإمارات والكويت وباقي دول الخليج العربي. من يرى غير ذلك ليجرب كل النظريات الاقتصادية.

نحن لا نريد أن نغش اللبنانيين ولا نريد أن نقيم سباقا شعبويا:

هل نستطيع أن نعرف كيف نقيم سياحة بلا العرب والمواطن الخليجي؟ هل نستطيع أن نفهم كيف نفتح أسواقا للإنتاج اللبناني بدون الأسواق العربية والخليجية خصوصاً؟ هل يمكن لأحد أن يخبرنا كيف سنحمي مصالح ربع الشعب اللبناني، الذي يستفيد من فرص عمل اللبنانيين بالخليج، في وقت هناك من يفتح على حسابه مشاكل يومية مع هذه الدول؟

أموال إيران الكاش تحل أزمة حزب.. لكنها لا تحل أزمة بلد. الدولة لم يعد ممكنا أن تسير بالمفرّق بدون سياسات واضحة، وبدون مصالحات جدية مع الشعب اللبناني ومع الدول العربية ومع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية.

تغيير في التيار
أخيراً اسمحوا لي أن أختم بالبيت الداخلي.

نحن أمام مرحلة جديدة، وتيار المستقبل أمام تحديات مصيرية، على مستوى الخيارات السياسية والمستوى التنظيمي، والأهم على مستوى العلاقة مع جمهور واسع بكل لبنان. وبكل صراحة، هناك ملاحظات وانتقادات وصلتني من كل المنسقيات والمناطق، ومن حزبيين ومناصرين يطالبون بتغيير أساليب وأدوات العمل. ويُقال: ليس مقبولا أن يعمل التيار باللحم الحي، ويكون ملجأ لمتسلقين ووصوليين ومستوزرين.

بعض الانتقادات موجهة إلي شخصياً، ولحالة الانقطاع بين القيادة والقاعدة. وهناك شباب وشابات قالوها بوجهي، وطلبوا مني حضور أوسع بعمل التيار.

قراري واضح: قراري التغيير بالتيار. التغيير وإعادة الهيكلة. المؤتمر العام للتيار سيُعقد في الأشهر المقبلة، وستنتخبون قيادة جديدة، تكون شريكا فعليا بالقرار السياسي والتواصل المباشر مع الجمهور.

ليس سرا أبدا، أن الأزمة المالية انعكست على أنشطة التيار، وقد شددنا الحزام حتى النهاية، واضطررنا لوقف مؤسسات إعلامية وصحية وخدماتية، عمل فيها لسنوات شباب وشابات من أخلص الناس. ويهمني أن يعرف كل واحد وواحدة، لهم حقوق بمؤسساتنا، أنه لا يمكن أن أنسى حقوق الناس، مهما قست علي الإيام.

بالنسبة للتيار أنا المسؤول، وأنا المعني الأول بتوفير شروط العمل، وهذا أمر سأستمر فيه مهما كانت الكلفة ومهما أقدرني عليه رب العالمين.

طبعا، ستستمرون بسماع مزايدات. لكن هناك أمر يجب أن يكون واضحا: اختلفت مع 80 بالمئة من السياسيين حول أمور داخلية واقليمية، وكنت على تناقض تام مع احزاب ورئاسات، حول دور ايران بالمنطقة وتدخلها بشؤون لبنان والعراق وسوريا واليمن ودول الخليج. وموقفي كان حاسما بموضوع رفض التطبيع مع النظام السوري، ورفض التطاول على الدول والزعامات العربية، والتورط بحروب المنطقة، لكن هذا لا يعني، أن أترك البلد للمجهول، وأن آخذ حرب سوريا نموذجا لتغيير المعادلات بلبنان.

اذا كان مصيري السياسي مرتبط بخيار منع الفتنة ومنع تكرار الحرب الأهلية، أهلا وسهلا. انا بكل صراحة لا يمكن أن أختار الفتنة، اولاً لأني ابن رفيق الحريري، وعملنا هو الإعمار وليس الدمار، وتاريخنا تعليم الشباب والشابات وليس حرقهم، وثانيا لأن تيار المستقبل "حيطو مش واطي"، ولا يعمل لخدمة أجندات أحد من القوى السياسية.

المزايدون يمكنهم أن يتحدثوا ويطلقوا خطابات... لكن الكلام عليهم، والكلفة علينا وعلى دار الفتوى وعلى الطائفة وعلى جمهور تيار المستقبل..

الطائفة ورفيق الحريري من أول وجديد
وهنا أود أن أقول كلمتين للطائفة السنية عموما، ولجمهور تيار المستقبل، عن شعور الإقصاء، أو شعور أنه وحده ممثلهم بالتركيبة، هو من دفع الثمن وخرج من رئاسة الحكومة.

أولا: أنا خرجت بإرادتي. الديمقراطية لا تسير من دون مسؤولين ديمقراطيين. مسؤولون يسمعون صوت الشعب، صوت الناس. أنا سمعت صوت الناس. الناس طالبوا باستقالة الحكومة. قدمت الاستقالة. الناس طالبوا بحكومة تكنوقراط من خارج الاحزاب. وعندما رأينا نوع الحكومة التي يتم تركيبها، قلت بصراحة: لا أريد أن تتم تسميتي.

ما يفعله غيري هو شأنه. ولن أزيد كلمة على كلام مطران بيروت قبل بضعة أيام في عيد مار مارون.

ثانيا: أنا لن أذهب لأي مكان. أنا باق، في بلدي، وبيتي وبين أهلي، وبالعمل السياسي أيضا.

ثالثا: تيار المستقبل باق. وأنتم "مش حبتين"!

رابعا: أهل السنة من أساسات هذا البلد، وهذا المجتمع. وأهل السنة باقون، ولن يذهبوا لأي مكان.

خامسا: اللبنانيون الأحرار، الوطنيون، السياديون، الذين يريدون بلدا يليق بهم وبأولادهم باقون ولا أحد قادر على أن يهول عليهم بشيء.

وأخيرا، لأعود إلى السؤال الأول. لو كان رفيق الحريري معنا، ويسمع صرخة الناس، ما كان ليفعل؟ "كان برم الدنيا بالطالع وبالنازل لوقف الانهيار".. وأنا أعدكم، أينما كان موقعي السياسي، لن أترك سبيلا، ولا طريقة، وسأدور العالم، لأدافع عن لبنان، وعن اللبنانيين، وكلنا سويا، مع بعضنا البعض، معكم أنتم، بإذن الله، سنواجه الصعوبات، ونقف بوجه الازمات ونخرج من الانهيار ونقول لكل الناس، أنه بعد 15 سنة، ليس فقط رفيق الحريري باق، رفيق الحريري يبدأ من أول وجديد!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024