الحصار الأميركي ينهك لبنان.. وحزب الله يقوى بالجوع

منير الربيع

الأربعاء 2020/07/08
تستمر بهلوانيات الحكومة اللبنانية. الضغوط الدولية لإنجاز الإصلاح في قطاع الكهرباء لم تصل إلى مكان. فكان الحلّ بخلق مسرحية جديدة: تعديل قانون الهيئة الناظمة، لسحب صلاحياتها وإبقائها بيد الوزير. وهذا من ابتكارات جبران باسيل طبعاً، ليظل ممسكاً بكل تفاصيل الكهرباء، بواسطة الوزير، ومجلس الإدارة الذي اتفق على تعيينه.

انها محاولة "باسيلية" للضحك على المجتمع الدولي، وتقديم إنجاز أجوف، يكسب الحكومة وقتاً لتعيد إحياء المفاوضات، وتبحث في الحصول على مساعدات.

فزاعة الإرهاب وتركيا
ومن البهلوانيات الحكومية الأخرى المعتادة: تحميل مسؤولية كل ما يجري للآخرين، وتحميل مسؤولية الانهيار إلى جهات خارجية، سواء باتهامها بالتلاعب بسعر صرف الدولار، أو بتحريك الشارع والمجموعات. وذلك على غرار الاتهام الموجه إلى تركيا، والواضح أنه ناجم عن تزييف الحقائق والوقائع، والبحث عن شمّاعات تعلق عليها مسؤولية التدهور وعدم القدرة على إنجاز الحلول. وهذه أسهل الطرق: اختراع فزّاعة اسمها الإرهاب، لينسى اللبنانيون جوعهم ويخافون على حياتهم.

لكن اللعبة مفضوحة. وحسبما أشارت مصادر ديبلوماسية متابعة، كل هذه "البهلوانيات" لن تؤدي إلى تغيير الموقف الدولي من لبنان ومن الحكومة.

وتكشف المعلومات أن تواصلاً أميركياً فرنسياً حصل في الأيام القليلة الماضية، خلص إلى أن واشنطن ماضية في ضغوطها على لبنان وعلى حزب الله، ولا مجال للمواربة أو المناورة في هذا الأمر. ما يعني أن لا مساعدات، ليس قبل تحقيق الإصلاحات فحسب، بل بعد وضع إطار لاتفاق سياسي على كل المواضيع العالقة. وتشير المصادر إلى أن الأميركيين أكدوا أن لا مجال لمنح حكومة حسان دياب أي فرصة جديدة، ولا مجال لمنحها الوقت، بعد كل ممارساتها غير المقبولة.

خطط حزب الله
وبمعزل عن انعدام جدوى خطط باسيل ومشاريعه في أعراف المجتمع الدولي، تفيد المعيطات أن الهامش الذي كان يتمتع به صهر الرئيس في علاقته مع حزب الله ومع الأميركيين يضيق أكثر فأكثر.

خطط حزب الله بدورها لا تفيد. فهو يتعرض لأقصى أنواع الضغوط، ولا يزال يبحث عن أفق للصمود والاستمرار، سواء من خلال ترتيب زيارة الوفد العراقي إلى لبنان، أو من خلال السعي للحصول على الفيول الإيراني. وبحال لم توافق الحكومة اللبنانية على هذه الخطوة رسمياً، فإن الحزب سيأخذ على عاتقه تأمين إيصال الفيول الإيراني إلى لبنان عبر سوريا. وهذا إلى جانب استمراره في العمل على تأمين مواد غذائية وطبية عبر الطريق البرية من سوريا إلى لبنان.

ويبحث حزب الله عن معالجات موضعية أو عن سبل لتوفير مقومات الصمود. فيما تستمر الولايات المتحدة الأميركية بأقصى ضغوطها على الحزب وحلفائه. أما من يُعتبرون في خانة حلفائها، فيقفون متفرجين، ليس لديهم ما يقومون به: لا مبادرة ولا قدرة لديهم على توفير مقومات صمودهم.

وبيئة هؤلاء ستجد نفسها ذاهبة إلى مناطق حزب الله وتعاونياته التي يستحدثها للتبضع والحصول على الحاجيات. ما سيؤدي إلى مزيد من الوهن والاستسلام في صفوف معارضي الحزب الذين يفقتدون أي رؤية.

مبادرات قاصرة 
وسط هذه المعركة الطاحنة، واستسلام القوى السياسية المعارضة لحزب الله وخياراته، برز في الساعات الأخيرة موقفان للبطريرك الماروني بشارة الراعي وللمطران الياس عودة، يبقيان حتى الآن بلا أي إطار عملاني في المجال السياسي. بينما يستمر التحرك الديبلوماسي العربي والخليجي من خلال سفراء السعودية، مصر، الإمارات والكويت. ولكن هذا لم يبرز أي إطار عملاني أو فعلي بعد لهذه التحركات. فيما الجميع يضعها في خانة الزيارات الاستطلاعية لمواكبة التطورات. وهي زيارات لمواساة الحلفاء في جوعهم وافتقادهم إلى المبادرة. 

خطاب نصرالله
موقف نصر الله ليل الثلاثاء يتلاقى مع هذه القراءة. فيبدو مرتاحاً لمسار الأمور. حاول تقديم نفسه كمنقذ للبنانيين، معلناً الجهاد الزراعي للدفاع عن لبنان، واعتبر أن سياسة الضغوط الأميركية والعقوبات والحصار لن تضعف حزب الله بل ستقوّيه، بينما الآخرون هم الذين سيضعفون. لم يقل نصر الله هذا الكلام إلا عندما نظر إلى ما يجري على الساحة المحلية والضياع الذي يصيب خصومه وافتقادهم لأي حيلة. وكأنه يقول للأميركيين إن حلفاءكم لا يمتلكون أي قدرة على المبادرة أو على التأثير، وفي نهاية المطاف ستعودون إلينا للتفاهم. انطلق نصر الله في هذا التصور من مبدأ أساسي، وهو حالة الفراغ الهائل التي تصيب كل المحسوبين على العلاقة الجيدة مع الأميركيين. فليس لهم من يساعدهم، أو من يدعمهم، ولا خطة سياسية واضحة لديهم، بعد أن نجح الحزب بتشتيتهم واللعب على أهوائهم ونوازعهم. وهم سيواجهون الأزمات والجوع، ولن يجدوا إلا حزب الله ليرفدهم بما يعين بيئاتهم، طالما أن الدعم عنهم مقطوع من الحلفاء. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024