تمام سلام: هذا عهد النشوة بالمنصب وبممارسة النفوذ

منير الربيع

السبت 2019/06/29

في قلب الرئيس تمام سلام، حنين لزمن مضى. لزمن كان للسياسة نكهة أخرى، حين الخصام فيها ممتع وشريف، وذو معنى، وليس على هذه الخفة السائدة، الممعنة بشعبوية قد تودي إلى الهاوية.

يحّن سلام إلى طيبة شعبية لم تكن تستثار بالعواطف الزائفة والشعارات الطنانة. لكن الزمن قد تغيّر. انحدر مستوى السياسة في لبنان. والدليل هذه التجاوزات الفاحشة التي تحدث، خصوصاً مع ما يحكى في الفساد وما يصاحبه من وعود رنّانة بمكافحته، وحملات تقاذف للاتهامات، من دون سعي أي طرف في وضع حدّ لهذا الفساد. فالجميع يخوض حملاته الدعائية وفق منطق الإستعراض.

الثقة قبل الأرقام
يعرف سلام أنه لكل زمن دولة ورجال. لهذا الزمن رجالاته، ولذلك لا بد من التعامل مع الواقع كما هو. يتحسر بحنينه قائلاً: "بس متل القديم ما في". يفتقد لرجالات من طينة ريمون إده، في السياسة والمجلس النيابي، ولكبار في القضاء، كانت مهمتهم موازنة الأمور ووضع حدّ للتجاوزات. ويستطرد: "كان من المفترض تعزيز دور القضاء في هذا العهد، من أجل محاربة الفساد، على الأقل انسجاماً مع الطروحات التي يتقدّم بها أركان العهد أنفسهم".

يسيطر القلق على تمام سلام: "ليس هناك ما يطمئن الناس إلى أحوال البلد وأيامه المقبلة، خصوصاً في الشأن الاقتصادي"، يقول في معرض تعليقه على مناقشات الموازنة، معتبراً أنها يجب أن تكون "ثقة" قبل الأرقام. "فالحفاظ على تخفيض العجز سيكون خطوة جيدة، لكن المطلوب تحفيز النمو". ويرى أن "القوى السياسية ومرجعياتها لا تدرك خطورة ودقة المرحلة التي تمر فيها البلاد. إلا إذا كان الإهمال والاستسهال مرده الرهان الكسول على استخراج النفط والغاز. المشكلة تطال كل الإدارة والمؤسسات، وهناك شعور أن ليس هناك انتظام أو ضوابط". وهذا ما يصيب الحكومة وأدائها بالضعف.

تمزيق النسيج اللبناني
وضع البلد كما هو "مش ماشي"، فكيف يخرج أحد الوزراء مهدداً، بأنه اذا كان لا بد من ذهاب الحكومة فلتذهب؟ هل هكذا تكون العهود قوية؟

في تقييمه للعهد، يشير إلى مضي ثلاث سنوات، لا نجد فيها غير النشوة بالمنصب وبممارسة النفوذ، ومحاولة نفخ وتضخيم هذا النفوذ، على حساب التوازن القائم في البلاد. والأبرز خلال هذه السنوات الثلاث هو التسلط والاستحواذ على مراكز ومؤسسات، للإستيلاء على مستقبل البلد. فإبقاء المسار على حاله، ومحاولة فرض أعراف جديدة، وعدم احترام الدستور والطائف، سيؤدي إلى المزيد من الوهن. وهذا لا يمكن أن نرضى به.

يعترف سلام أنه في ظل غياب "معارضة"، قد لا تكون هناك مواجهة فعالة لهذا النهج. هناك قوى سياسية تعبر عن امتعاضها وانزعاجها. لكن من دون فعالية، لأن هناك توافقاً على تقاسم المناصب والمكاسب. وهذه المحاصصات المندرجة في خانة "التسوية" (الرئاسية)، لم تأتِ بالخير على لبنان حتى هذه اللحظة. وهنا يسأل سلام: "ما الذي أُنتج طوال هذه الأشهر؟ فليكفوا عن تمنين اللبنانيين بإقرار قانون انتخابي. هذا أقل الواجب. والأسوأ هو شكل قانون الانتخاب الذي مزق النسيج اللبناني، ودفع بالكثيرين إلى المقاطعة.

صون التوازن
لا يقتصر العمل السياسي بالنسبة إلى تمام سلام على المنصب. العمل الوطني وحماية التوازن مهمة تقع على عاتق كل لبناني. لأن لبنان لا يمكن أن يستمرّ من دون التوازن بين مختلف مكوناته. وكما كنّا ذات يوم إلى جانب حماية المسيحيين ودورهم، لا بد من الوقوف ضد استهداف دور أي مكون.

في هذا الإطار، يضع سلام تحرك رؤساء الحكومات السابقين: "من الواضح أن هناك استهدافاً لصلاحيات رئاسة الحكومة، وأنا أعود إلى بداية العهد، حين وقعت أول خطوة ناقصة، عندما تم توجيه الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء من القصر الجمهوري. وبعدها حدثت أمور كثيرة ومحاولات لتجاوز الصلاحيات والأدوار، فاضطررنا للوقوف بوجهها كرؤساء حكومات سابقين. وسنتصدى لكل محاولات إضعاف رئاسة الحكومة.

محاولات إضعاف موقع الرئاسة الثالثة ليست جديدة. لكنها تتزايد في هذه المرحلة. وهي محاولات بدأت بعد "اتفاق الدوحة" (2008)، الذي جاء في فترة عصيبة، وعلى حساب اتفاق الطائف وما نتج عنه كأصول وترتيبات وأعراف في مقاربة تشكيل الحكومات، وفق ضوابط ونسب محددة. اتفاق الدوحة أضعف مكانة رئيس الحكومة أيضاً، فمع فرض بدعة "الديموقراطية التوافقية" (ورافقتها بدعة "الفيتو" بيد كل طائفة رئيسية) لم يعد هناك مجال لتشكيل حكومات منسجمة، مقابل معارضة. أصبحت الحكومة رهينة التجاذب والتناتش والتنازع، وخاضعة للشروط المتضاربة من كل الأفرقاء. ونجد اليوم أيضاً محاولات لفرض الأعراف والسوابق على آلية تشكيل الحكومة وتسيير شؤونها. وهنا يقول سلام: "نتحرك لأن هناك ضعفاً في كل الممارسة الرسمية، والمطلوب تحمل المسؤوليات والإعلان عنها، درءاً لإمكانية تدهورنا نحو المزيد من الضعف. نتحرك لأننا لا نؤمن بالبدع، ولن نؤمن بها، ولن نسمح بالتجاوزات. وهذا أمر خطير يمارسه مسؤولون كبار".

إلى جانب الحريري 
وعلى الرغم من كل الملاحظات التي يسجّلها البيروتي العتيق، لكنه يؤكد أن ليس من المفيد جلد الذات، ويجب الوقوف إلى جانب رئيس الحكومة سعد الحريري، لأن استهدافه سيضعف الجميع، وغايتنا تحصين رئيس الحكومة. فعلى الرغم من مآخذ كثيرة على الأداء بشكل عام، لا يجوز استهداف رئاسة الحكومة. والرئيس الحريري يبذل جهده لحماية البلد، بينما تحوم حوله دبابير يريدون تحصيل مكاسبهم الخاصة على حساب البلد. وسوء الأحوال بالنسبة إليه، أوصل الوضع في البلاد إلى درجة لم يعد بالإمكان فيها التمييز بين أدوار المرجعيات السياسية إن كانت تستحق الثقة، وقادرة على الاستمرار بعملها، أم لا. لكن الأكيد أن الحكومة اليوم أضعف بكثير من يوم تشكيلها.

وما يضعف الحكومة وعملها والبلد ككل، يعود - حسب سلام - إلى وجود قوى سياسية "جشعة" تريد الاستئثار بكل شيء، وهم يعتبرون أنهم أكبر كتلة وأصحاب النفوذ الأقوى، معقّباً: "منطق القوة الذي يستخدمونه مردود عليهم، فالقوة على من؟ القوة في غير محلها مؤذية، والمطلوب التواضع لمواجهة الأزمات".

باسيل وطموح الرئاسة 
يشيد سلام بنشاط الوزير جبران باسيل، وبحيويتة، لكنه يعتبر أن وزير الخارجية يعمل على جبهات عديدة: "مع الأسف ذهب إلى أماكن أظهر فيها بعداً عنصرياً واستئثارياً في مواقفه، وعدم مبالاة بأدوار الآخرين. وهذا لا يستقيم في لبنان، ولا يمكن الإرتكاز عليه لتلبية طموحات مستقبلية". ويرى سلام أن باسيل يريد الأحادية في الممارسة. وهو يعتقد أنه يخدم نفسه وتياره وجماعته، لتحقيق مكاسب ضيقة، بينما المطلوب خدمة البلاد والعباد. ولدى سؤاله عن احتمال وصول باسيل إلى رئاسة الجمهورية يجيب: "رئاسة الجمهورية لا تستقيم بخطاب عنصري تصعيدي. وهذا لا يتناسب مع رغبة تولي هذا المنصب، إنما يؤسس لمنطق انعزالي وفئوي.

نسأل: ولكن الرئيس عون انتخب رئيساً ولم تكن توجهاته بعيدة عن توجهات باسيل؟ فيجيب: "مع الأسف أن البعض يعتبر العرقلة والتعطيل تأتي بنتيجة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024