النازحون في عرسال وإجراءات العودة: ارتباك ومواقف متضاربة

لوسي بارسخيان

الأربعاء 2018/06/13

لم يتمكن وزير الخارجية جبران باسيل من خلال توجهه شخصياً إلى عرسال للوقوف على آراء نازحي القلمون الغربي الراغبين بالعودة إلى قراهم، الأربعاء في 13 حزيران 2018، من تكوين صورة شاملة عن المخاوف التي تحيط بأكثر من 50 ألف نازح مقيم في عرسال، لم يقدم سوى 3200 نازح منهم على تسجيل أسمائهم في لوائح العودة التي باتت جاهزة لدى الأمن العام اللبناني، في انتظار تذليل المعوقات اللوجستية أمام العودة، التي ذكر أن أبرزها هو اصرار العائدين على أن تكون مغادرتهم ضمن قافلة واحدة لا تجزأ، على أن يسمح لهم باصطحاب أمتعتهم ومصادر رزقهم، ولا تتزامن العودة مع عطلة الأعياد التي من شأنها ارباكهم في ديارهم.

فلقاءات باسيل أحيطت بالمجموعة نفسها التي تحاول التسويق، السياسي والإعلامي، إلى سهولة هذه العودة واكتمال ظروفها، فيما تجمعات السوريين تغص بمئات النازحين المرتبكين تجاه هذه العودة. وقد زاد السجال بين باسيل ومفوضية اللاجئين خلال الأيام الماضية من ارتباكهم.

عملياً، هناك 3200 نازح سوري من 800 عائلة ستشملهم الدفعة الأولى من المغادرين إلى مناطق القلمون الغربي التي تضم الفليطا، رأس المعرة، قارة، السهل، جريجير، يبرود، الصرخم ورأس العين. عودة بعض هؤلاء ترتبط بالمخاوف من خسارة أملاكهم نتيجة القرار رقم 10 الذي حثت فيه السلطات السورية مواطنيها على إعادة اثبات ملكياتهم في مناطقهم. بالإضافة إلى تراجع تقديمات الأمم المتحدة، والتضييق الذي يتعرض له البعض من جراء الإقامة غير الشرعية، والضيق الذي أصاب العائلات من جراء طول الإقامة المؤقتة في لبنان. 

إلا أن ذلك لا يعني أن هؤلاء هم كل أهل القلمون الغربي الذي نزحوا إلى عرسال في بداية الأحداث السورية. وإذا كان العدد المقدر للنازحين الباقين في عرسال يصل إلى 50 ألفاً، وفق رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري، توضح نائب رئيس بلدية عرسال ريما الفليطي أن نسبة النازحين السوريين الباقية في عرسال تتوزع مناصفة بين أهل القلمون وأهل حمص والقصير. بالتالي، فإن هناك أكثرية قلمونية لم تبادر إلى المغادرة حتى الآن، وقسم كبير من هؤلاء ربما ينتظر المصير الذي ستلاقيه الدفعة الأولى من العائدين، فيما عودة أهل حمص مؤجلة في انتظار تسويات إضافية تبدو القصير غير مشمولة بها، وفقاً لما قاله باسيل أيضاً.

ليس سهلاً أن تعثر على العائدين بين بحر المخيمات التي غزت عرسال في 136 تجمعاً منذ بداية الأحداث السورية. بعض هؤلاء استقروا في تجمعاتهم الأخيرة، اثر المواجهات مع مسلحي النصرة وداعش التي هجّرتهم من التجمعات الجردية. هؤلاء رفضوا ويرفضون العودة إلى درعا وادلب، التي رحل إليها المسلحون مع عائلاتهم، طالما أنهم "نظيفون"، أي لم يتورطوا بأي نوع من المواجهات، لا مع النظام السوري ولا في الأراضي اللبنانية. بعضهم كقاسم دياب الصلح، حمل امتعته مع بعض مصادر الرزق قبل 4 سنوات ونصف من بلدة المشرفة في فليطا، آملاً العودة إليها خلال عشرة أيام، إلا أن الإقامة المؤقتة تمددت.

إلا أن السبعيني الذي ادمعت عيناه وهو يتحدث عن اشتياقه "لبيتي وأرضي" لن ترافقه إلا زوجته وبعض ممتلكاته التي يصر على اصطحابها، فيما أولاده الخمسة مع زوجاتهم، كما يقول، يرفضون العودة إلا من ضمن حل شامل يجنبهم الاقتتال مع أهل بلدهم "كمجندين الزاميين" وهو ما يبرز كعائق أمام رغبات العودة لدى الشبان وذويهم.

بالنسبة إلى الشبان، الخدمة العسكرية في الظروف الحالية تورطهم بدماء أبناء بلدهم، وتدفعهم إلى موت مجاني في معارك عبثية، بعضهم لم يكن قد بلغ سن الرشد عندما انطلقت شرارتها منذ أكثر من خمس سنوات.

ولما كانت بعض العائلات ترفض أن يشتتها هذا الواقع، عزمت على البقاء في لبنان بانتظار الحل الشامل. أما أحمد رمضان فعزم على العودة مع عائلته المؤلفة من زوجته وثمانية أولاد بعضهم مطلوب للخدمة العسكرية، لأنه كما يقول "معي عملة كثير سأدفعها كي لا يذهب أبنائي إلى الجيش". يكرر رمضان عبارة "الموت ولا المذلة"، وهو يستمع إلى قصة فضة، السيدة الثمانينية من بلدة القصير التي فقدت كل امتيازات النازح وتركت وحيدة بعدما قبض على اثنين من أبنائها، اثر مشاركتهما في معارك الجرود الأخيرة. بالنسبة إلى فضة حتى لو غادر كل النازحين إلى بلادها، ستلازم خيمتها "الخالية" من كل مقومات العيش، حتى ترى ولديها ثانية.

داخل المخيمات يدور جدل كبير فاقمته الضجة التي أثيرت إعلامياً بين مفوضية اللاجئين وباسيل. وثمة من يعتبر أن هناك استغلالاً سياسياً لما نسب إلى المفوضية من محاولات لعرقلة قافلة العودة، هدفه تضييق هامش "الدعم" الذي تقدمه للنازحين، وبالتالي حملهم على العودة "الطوعية" بأعداد أكبر. فرغم كل "الظروف القاسية" التي "جعلت نازحي عرسال معتقلين في تجمعاتهم" تبقى بالنسبة إلى الأكثرية أفضل من المجهول الذي ينتظرهم في بلدهم، خصوصاً أن لا تفاصيل لدى الذين سجلوا للعودة بشأن ظروفها.

ينظر كثيرون إلى المبادرة بريبة كبيرة أيضاً. وفي أوساط النازحين ثمة من يتحدث عن دور مشبوه لخالد عبد العزيز رئيس لجنة العودة إلى القلمون، ويتهمونه أنه مخبر للنظام السوري، متحدثين عن محاولته مع شقيقه قاسم وشخص آخر من آل قرقور وآخر من آل حورية، لاستغلال قافلة العودة الإنسانية لتمرير آليات ضخمة تستخدم في الاعمار هربت إلى لبنان خلال الاحداث، لإعادة استخدامها في مسيرة الاعمار المرتقبة في سوريا، من دون أن يقدم مطلقو المبادرة أي ضمانات للعائدين بشأن ظروف عودتهم، التي حاولت مفوضية اللاجئين الاضاءة على بعض مخاطرها.

في المقابل، يصر عبد العزيز على أن فكرة العودة مرتبطة بالأمن الذي ساد في منطقة القلمون الغربي منذ سنتين، عندما بدأ تسجيل أسماء الراغبين بالعودة، وتألفت لجنة رفعت لائحة بها إلى سوريا لمتابعة الأمر، فتألفت لجنة مصالحة على الفور برعاية وزير المصالحة المستحدثة في سوريا علي حيدر.

قبل شهرين دخلت بلدية عرسال كوسيط إضافي بين الراغبين بالعودة واللجنة، وعملت وفقاً للحجيري على نقل رغبات هؤلاء إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي سعى مع الجانب السوري لتسهيل "المصالحة". وما يصطلح على تسميته "مصالحة"، يصر عبدالعزيز على أنه اجراءات "ورقية" لتسوية أوضاع النازحين الذين دخل معظمهم لبنان عبر المعابر غير الشرعية.

ويؤكد عبدالعزيز أن عودة أهل القلمون مضمونة إلى مناطقهم الامنة، خصوصاً أن أهالي هذه المناطق لم يستدرجوا إلا بأعداد قليلة لمعارك مع النظام، تسبب بها مسلحون من خارج المنطقة. والبنية التحتية المطلوبة لاستعادة حياتهم متوفرة بشكل كبير. ما سيوفر للنازحين ظروفاً أفضل من التي يواجهونها في المخيمات، حتى لو اضطروا إلى العيش في الخيم داخل بلدهم. 

ويتفق رئيس بلدية عرسال مع عبدالعزيز على الدور غير المشجع الذي لعبته المفوضية، لأن المفوضية التي كانت بداية تحاول مساعدة النازحين على استعادة بعض وثائقهم الثبوتية والمستندات المطلوبة لالتحاق الأطفال بمدارس سوريا لدى عودتهم، حاولت بتفردها بالنازحين وتكرار الأسئلة عليهم بشأن مدى اطلاعهم على ظروف العودة وما ينتظرهم في بلدهم والصعوبات والمخاطر التي قد يواجهونها هناك، زرع الشك لدى الراغبين بالعودة. ما تسبب بإنقسام بشأنها حتى داخل العائلة الواحدة.

إلا أن هذا الدور لا يمكن أن "يعد سلبياً" إلا بمقدار ما يتضرر منه الملحون على ترحيل السوريين، وفق نائب رئيس البلدية ريما الفليطي، التي تؤكد ضرورة أن يوضع النازحين في كامل صورة العودة، قبل اتخاذهم القرار، مشددة على الدور الايجابي الذي لعبته المفوضية ولا تزال تلعبه طيلة فترة احتضان النازحين في عرسال، في وقت بقيت الدولة وكل أجهزتها مقصرة بمشاركة الحمل، الذي يبقى ثقيلاً على عرسال سواءً في أيام السلم أو الحرب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024