وليد حسين
خرجوا شباناً وشابات، رجالاً ونساء، أولاداً وأمهات، وعائلات بأكملها، رافعين العلم اللبناني، واندفعوا بالآلاف إلى الساحات غير عائبين بالقمع الأمني المفرط. ولا مبالغة في الوصف أن أعداد الناس المتجمهرين فاق عشرات آلاف الأشخاص الذين تجمعوا أمس. فقد غصّ الشارع المؤدي إلى رياض الصلح بالجموع ولم يعد هناك من متسع للمرور والانتقال بين ساحتي رياض الصلح وساحة الشهداء، بعدما كان سهل المنال أمس، رغم كثافة المتظاهرين.
بعد الخطب السياسية التي سمعها اللبنانيون والمتظاهرون، والتي لم يروا فيها أي جديد يعوّل عليه، خرجوا بتصميم أكبر من الأيام الفائتة إلى الشارع، كما دلّت أعدادهم المضاعفة عن التظاهرات السابقة. وربما ساهم خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله - الذي رفض ما يطالب به المحتجون بإسقاط رئيس الجمهورية والحكومة وكل السلطة في الشارع - في خروج اللبنانيين من بيوتهم بهذه الكثافة اليوم. أو ربما شعروا باستفزاز ما في تقليل نصر الله من شأن وقدرة المتظاهرين المدنيين السلميين، عندما قال أنهم يستطيعون التظاهر ليوم أو يوم وثلاثة، بينما تظاهرات حزب الله، فيما لو حصلت، لن تترك الشارع قبل تحقيق الأهداف.
ساحة السلطة الفارغة
تكدس المتظاهرون وحشروا أجسادهم وأعلامهم ولافتاتهم وصراخهم في كل المنطقة الممتدة بين الساحتين، حتى كاد الراغب بالتجوال بينها يقضي أكثر من ساعة من المشي ليجتاز هذا المشهد غير المألوف. وعمدت القوى الأمنية إلى وضع جدار حديدي مرتفع، وأكثر من كومة من الشريط الشائك، في الطريق المؤدي إلى السرايا الحكومية، حيث حصلت المواجهات مع المتظاهرين يوم أمس.
وإسوة بتلك الجدران والأسلاك الشائكة التي فصلت بين القوى الأمنية والمتظاهرين بأمتار عدّة، كان بعض العمال يكدسون الأسلاك الشائكة أمام المدخل المؤدي إلى ساحة النجمة التي بدت فارغة وخاوية حتى من الطيور التي تنتشر بكثافة فيها. وأخليت هذه الساحة تماماً إلا من بعض العناصر الأمنية وشرطة المجلس. كما لو أن السلطة خائفة من هذه الجموع البشرية، حتى لو تطلب الأمر حكم البلد والناس بمجلس نواب ومجلس وزراء فارغين.
كسر المتظاهرون جميع المحرمات. شتائم وسباب وهتافات طالت جميع السياسيين ولم تستثن أحداً. كما لو أن اللبنانيين خرجوا من جلدهم وما عادوا يريدون الإنصات إلى أحد. وإذ سقطت المحرمات عند المتظاهرين، في تناولهم جميع المسؤولين بأسمائهم بالشتائم والسباب، لم يسلم حتى نصر الله من هتافاتهم: "كلن يعني كلن ونصر الله واحد منن"، فبدوا غير عابئين بأي شيء غير الخلاص من الطبقة السياسية الحاكمة.