الحريري وباسيل يناوران وحزب الله يرفض التنازل للانتفاضة

منير الربيع

الأربعاء 2019/11/06

هل يمكن للقاء بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل أن يستمر لأربع ساعات من دون الوصول إلى أرضية مشتركة؟ أو أن يستمر التوتر بينهما؟

التلاعب بمشاعر الجمهور
العلاقة بين باسيل والحريري جدلية وشائكة، فيها الكثير من المصاعد والمهابط. الطرفان يرتبطان ببعضهما البعض بشكل وثيق، لكنهما يعلمان أيضاً أن إشاعة أجواء التوتر بينهما تفيدهما شعبياً. فالشعور العميق لدى جمهور "المستقبل"، هو النفورمن باسيل ومن العلاقة معه. ولذلك عندما استقال الحريري وكانت الأجواء تشير إلى الافتراق عن باسيل، شعر الحريري أنه يستعيد جمهوره وشعبيته. كذلك فإن الشعور العميق لدى جمهور التيار الوطني الحرّ متجذر في معارضته للحريري، فشعبية العونية أصلاً بُنيت على مواجهة الحريرية، واستعادة الصلاحيات الرئاسية التي انتزعها الطائف.

الأمر ببساطة هو أن الحريري وباسيل يستفيدان من خلافاتهما شعبياً، كما يستفيدان من عمق علاقتهما في السياسة، وفي توزيع المغانم والحصص. الحريري يهتم بمنصبه وموقعه، وباسيل أيضاً.. مع إعطاء أهمية قصوى لجمهوره وبيئته، يلعب بها على وتر استعادة الصلاحيات وتحفيز العصبية الطائفية.

باسيل ملاصقاً الحريري
بعيد تسريب الأجواء عن الخلاف بين الحريري وباسيل، استعاد الأول جزءاً واسعاً من جمهوره، لكن اللقاء الذي استمر لأربع ساعات، لا بد له أن ينطوي على خفايا عديدة، على الرغم من إظهار استمرار الخلاف. فلو فعلاً لا يزال قائماً، ما كان اللقاء قد استمر طوال هذه المدة، وتخلله غداء للإشارة إلى العلاقة الجيدة بين الرجلين.

كان الحريري يعرف أنه لا يمكن لحكومته أن تستمر. أقدم على الاستقالة بعد تنسيق مع حزب الله، بهدف تنفيس الشارع، والعودة إلى المشاورات من جديدة. حاول كل طرف الاستثمار بشارعه وتحسين شروطه، ثم عادوا إلى قواعدهم، أي الحوار في الغرف المغلقة، للبحث عن إعادة إنتاج تسوية جديدة. يريد الحريري العودة رئيساً للحكومة، للحفاظ على موقعه ودوره ولارتباط مؤتمرات المساعدات بشخصه. ويعتبر أنه يتمتع بدعم دولي لبقائه. ولذلك هو رفض تسمية أي شخص قريب منه. وباسيل يريد البقاء وزيراً ثابتاً، وتوسيع التسوية التي جرت بين الحريري وعون إلى تسوية تشمله وتستمر للمستقبل.

السلطة بدعم حزب الله
في رأي الرجلين، أن مستقبلهما يرتبط ببعضهما البعض. هما شابان في مقتبل العمر، لا يعتبران أن ثمة نقمة في الشارع المنتفض والملتهب، لانهما من خارج بطانة الحرب الأهلية، وبالتالي المستقبل لهما، بخلاف نقمة الشباب المنتفض على "زعماء الميليشيات" الذين أصبحوا متقدمين في السن. ويراهن الرجلان على تجربتهما طوال السنوات الثلاث الفائتة، بالقدرة على تهميش وتغييب القوى الأساسية، طبعاً باستثناء حزب الله والرئيس نبيه بري المدعوم من الحزب. وبالتالي هما يريدان الحفاظ على العلاقة مع الحزب، التي تؤمن لهما الإستمرارية في الحكم، تماماً كما كان حال الحزب كمدافع أساسي عن هذه التسوية وعن حكومة الحريري.

بعد انتهاء اللقاء بينهما، أصر الطرفان على عدم تسريب أي معلومات، مع التزام كل طرف بشروطه ومطالبه. أشاعت الأجواء القريبة من باسيل أن ما ينشر عن رفض الحريري لوجوده في الحكومة هو غير دقيق. بينما أجواء الحريري أشارت إلى تمسكه بشروطه.

لا تنازل!
حالياً، يؤكد الحريري أنه لا يريد باسيل في الحكومة، ومصرّ على ذلك. لكنه يعلم أنه في النهاية سيلتقي مع ندّه اللدود. لذلك، اقترح الحريري عدم ترؤسه الحكومة وخروجه منها، مقابل خروج باسيل وحزب الله، وتشكيل حكومة تكنوقراط، على أن تترأس هذه الحكومة الوزيرة ريا الحسن، وتضم وزراء من نوعية مختلفة وليس لهم علاقة بالسياسة من قبل.

لكن هذا العرض تم رفضه من قبل حزب الله، منعاً لأي تنازل أمام الانتفاضة، ويعتبر أن الحريري يناور في طروحاته، ويريد أن تتشكل حكومة بلا باسيل وحزب الله، فيظهر أن الانتفاضة قد حققت مطالب أساسية. ويعتبر الحزب أن هكذا تنازل سيفتح الطريق أمام الانتفاضة للمطالبة بالمزيد، وخصوصاً مطلب إجراء انتخابات نيابية مبكرة. وهو أمر غير وارد عند الحزب. وتشير المعلومات إلى أن ما يجري هو عملية شراء للوقت ريثما يعود الحريري ويشكل حكومة مع حزب الله وباسيل، بعد إنهاء التحركات الاحتجاجية أو اختراقها أو إضعافها وصولاً إلى تعب الناس.

فكرة الحريري التي يحاول إقناع باسيل بها هي: تأليف حكومة تكنوقراط من شخصيات ينتقيانها هما، ما يتيح لهما التحكم التام بهكذا حكومة، إلى حين إجراء انتخابات نيابية تعيد تجديد قوتهما السياسية والتمثيلية، ويشكلان السلطة وفق "تسوية" جديدة حكومية ورئاسية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024