زواج "الجريمة المنظَّمة" والسلطة.. في سوريا ولبنان

يوسف بزي

الأربعاء 2020/05/20

من المعيب المقارنة مثلاً بين دانييل أورتيغا قائد الثوار الساندينيين في نيكاراغوا، وبابلو إسكوبار زعيم كارتيل المخدرات في ميديلين بكولومبيا، على الرغم من أن الرجلين "ضد أميركا". فالأول، قاد ثورة أطاحت بالديكتاتورية. والثاني، خاض حرباً إرهابية ضد حكومته كي لا تسلّمه لمكتب مكافحة المخدرات الأميركي. أورتيغا رجل دولة وسياسة. وإسكوبار رجل جريمة منظمة. ولا شيء يجمعهما حتى بفحوى "العداء لأميركا".

لكن شخصية مثل مانويل نورييغا، الديكتاتور العسكري الذي حكم باناما، وجمع بين السياسة والحكم وإدارة عمليات الابتزاز وتهريب المخدرات وغسيل الأموال، ألغى الفرق بين رجل الدولة ورجل العصابة. وفي المقابل، كان هناك بعض "الحركات الثورية" في أميركا اللاتينية التي - بحثاً عن تمويل نضالها - راحت تتعاون مع صنّاع ومهربي المخدرات، وسرعان ما تحولت إلى مجرد عصابات كوكايين وخطف مقابل فدية وتبييض أموال وإرهاب مسلح.. لا ثورات ولا من يحزنون، وإن ظلت ترطن بأدبيات غيفارية وما شابه.

اندماج "الجريمة المنظمة" بالسياسة وبالسلطة، عبر قادة أو حركات وأحزاب وديكتاتوريين وميليشيات، كان سمة منعطف نهاية الثمانينات، الذي تحول إلى ظاهرة منتشرة في العالم اليوم.

في الحقبة نفسها، شهدنا في لبنان التحول ذاته، وقد أصاب الأحزاب المسلحة وميليشياتها، كما سلوك جهاز المخابرات السورية في نظام الأسد.

ومنذ ذلك الحين، توطد في سوريا خصوصاً، هذا المزيج الفتاك بين السلطة والجريمة المنظمة. وكان مثالها الساطع والأول رفعت الأسد، الذي مثل أسوأ ما في مانويل أورتيغا العسكري الفاشي، وأسوأ ما في اسكوبار المافياوي.

في لبنان، دخلت الميليشيات في السلطة. توارى الكلاشينكوف وظهرت "الكرافات" اللامعة. كان هذا هو التغير الشكلي الوحيد. العصابات تمارس السياسة بدل إطلاق النار، وتستولي على البيزنس بعقلية الجريمة المنظمة. وأفضى زواج المتعة هذا، إلى ما كان يقال في التسعينات "حلف المال والميليشيات". ظن أصحاب المال أنهم بالسياسة والمقاولات وفوائد السلم يمارسون "إعادة تأهيل" لحملة السلاح والشبيحة وأشباه المافيات، فيما الأخيرون ابتلعوا السياسة والمقاولات والدولة نفسها واستتبعوا أصحاب المال في تبادل متعاظم لفوائد الفساد والإفساد. وإذا كان اسكوبار قد فشل بنهاية المطاف في شراء ولاء الكولومبيين، رغم "محبة" المنبوذين وفقراء مدن الصفيح له، فإن اسكوبارات لبنان نجحوا في أخذ السكان إلى ولاء عصاباتي، يتلبس الهويات الطائفية ويعيد إنتاجها على نحو ميليشياوي ومافياوي في آن واحد.

اختلف الأمر في سوريا قليلاً. فإذا كان الحال في لبنان قائم على تفاهمات ومنافسات وتسويات في الحصص ومناطق النفوذ، فالحالة السورية قائمة على عصابة واحدة مستولية على السلطة، مكرسة غلبة عائلة واحدة فظة واستئثارية ودموية.

العصابة السورية الآن تدخل في صراع أجنحة بين عشيرة الأسد وعشيرة مخلوف. ويتكشف في الأثناء أن ما بقي من كل "نظام البعث" مجرد جريمة منظمة. أما في لبنان، وقد انتهى النهب الجماعي للموارد إلى الإفلاس، فظهر أن ما بقي من "حلف المال والميليشيات"، هو جبل الفساد الشاهق، وبحر الانحطاط العميق.

ليس أمامنا اليوم المصير الكولومبي ولا النموذج النيكاراغوي ولا حتى نهايات نورييغا أو اسكوبار.. وبالطبع نحن بعيدون جداً عن سيناريو قضاة "الأيدي البيضاء" في إيطاليا.

على الأرجح، نحن متجهون إلى طور جديد "أرقى" في دمج السلطة والميليشيات والجريمة المنظمة، نراه اليوم بين سوريا ولبنان.. وتراه أميركا أيضاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024